منوعات

موسم الحرائق في لبنان.. “الأسوأ” على الإطلاق!

تقرير من معهد البيئة في "جامعة البلمند" يظهر نتائج تقييم موسم الحرائق 2020 بناء على تحليل صور الأقمار الصناعية

غابت الدولة اللبنانية عن تقييم أثر الحرائق هذا العام، ولا سيما الأخيرة منها. وحتى هذه اللحظة على الأقل، لم نرَ ما يُبَرِّد قلوب اللبنانيين بعدما اكتووا من لسع النار طوال أسابيع خلت، وكأن الدولة غير معنية بالبعد الكارثي للحرائق، ولا بنتائجها المدمِّرة للغطاء الأخضر، ولا لتبعات هذا الأمر على البيئة والمناخ والإقتصاد، خصوصًا وأن الحرائق طاولت الزيتون والكرمة وأشجارًا مثمرة معمرة، منها الصنوبر خصوصًا، فضلًا عن أن ثمّة خسائر لا تُعوض مع احتراق أعداد كبيرة من اللزاب والأرز والشوح.

الدولة غابت أيضاً أمنياً وقضائياً، ما يؤكد أن ثمّة أكثر من ثغرة في هذا المجال، إن لجهة معرفة أسباب الحرائق، وأكثرها مفتعل أو ناجم عن الإهمال، وإن لجهة ملاحقة المتّهمين من تجار الحطب ومافيا البناء، ممّن لا “يتورعون” عن تدمير غابةٍ كسباً للحطب أو طمعاً ببناء مجمعات سكنية في أراضٍ يباب، ذلك أن البناء في مناطق حرجية يكون خاضعاً لشروط التنظيم المدني ونسب استثمار لا تتعدى أحيانًا الـ20 بالمئة، فضلاً عن تغيير وجهة استخدام الأراضي.

تدمير بيئة لبنان

ومن المفارقات الغريبة، تجهيل الفاعل دائماً. ولا بد من التذكير بأكثر من واقعة في هذا المجال، منها حصل قبل سنوات عدّة، حيث تمكنت القوى الأمنية في قضاء المتن، من ضبط كميات من الحطب ومصادرتها مع مناشير آلية وتوقيف المعني بقطع أشجار السنديان والملول، إلا أن أمراً صدر من “جهات نافذة” في الدولة قضى بالإفراج على الجاني، لا بل وأعيدت له كميات الحطب المصادرة مع أدوات الجريمة، ليتبيّن في ما بعد أنَّ “تاجر الحطب” إيّاه معروف بأنه “مفتاح إنتخابي”، ولا يجوز “تكدير خاطره” والمسّ بتجارته.

هذا مثال ليس أكثر، إذ أن ثمّة فضائح طواها الزمن، لكن ماذا عن المستجد في العامين الماضيين على الأقل؟

لا إجابة حتى الآن، وهذا ما يشجّع العصابات وحيتان المال على الإستمرار في تدمير بيئة لبنان، بدليل أن أحداً لم يُحاسَب، فمن يحمي ومن يتغاضى، وإلى متى سيستمر العبث بثروة لبنان الطبيعية؟ ومن هو المقصِّر في دعم “الدفاع المدني” على الأقل لجهة صيانة وإصلاح آلياته المعطلة، وتثبيت عناصره المتطوعين؟ وماذا عن الخطط الإستباقية تحسباً لموسم الحرائق؟

جامعة البلمند

حتى الآن، تبقى الدولة غائبة ومُغيّبة، ولولا جهود بعض الجهات الأكاديمية لكان ملف الحرائق الأخيرة قد طُويَ كما سابقه، لنعود إلى “تقليعة” التشجير “الإستعراضي” والتقاط الصور للمسؤولين وهم يزرعون غرسة وسط أجواء احتفالية!

في هذا المجال، أصدر معهد البيئة في “جامعة البلمند” نتائج تقييم موسم الحرائق 2020، والذي جاء بناء على تحليل صور الأقمار الصناعية الأخيرة، حيث أظهر تقرير الجامعة السنوي حول محصلة الحرائق في لبنان، أرقامًا مخيفة تؤكد حقيقة أن “لبنان قد شهد أسوأ موسم حرائق على الإطلاق”، كما بيَّن أن المساحة التي أتت عليها النيران قُدّرت بسبعة أضعاف المعدّل السنوي، وأن معظم هذه الأراضي كانت في منطقة عكار، وفي أغنى المناطق بالتنوع البيولوجي، كما أتت الحرائق على مساحات زراعية، ما جعل الكارثة بيئية واجتماعية واقتصادية.

 

متري: خسائر اقتصادية فادحة

وفي هذا السياق، قال مدير برنامج الأراضي والموارد لطبيعية في جامعة البلمند، د. جورج متري، لـ”أحوال”: “أظهر تحليل صور الأقمار الصناعية أن مجموع الأراضي التي أُحرقت بلغ 7132 هكتارًا (الهكتار يساوي 10 آلاف مترًا مربعًا)، بينما المعدل السنوي بين 2008 و2018 هو 1000 هكتار، أي أكثر من سبعة أضعاف”، لافتًا إلى أن هناك 2977 هكتارًا من الغابات المحترقة، من ضمنها 54 هكتارًا من أراضي غابات تتضمن أشجارًا معمرة، ومن الصعوبة بمكان تجددها وبطريقة طبيعية، حيث تتضمن أشجارًا من الأرز والشوح واللزاب غير المتأقلمة مع الحرائق.

من هنا، أشار د. متري إلى أن النيران أتت على 1242 هكتارًا من الأراضي الزراعية، ما أدى الى خسائر اقتصادية فادحة، كما بلغت الأراضي المحترقة داخل مناطق تنوع بيولوجي مهمّة 1036 هكتارًا، منها 441 هكتارًا في أراضٍ جبلية ذات خصائص بيئية حساسة، وبين ارتفاع الـ 1500 و2218 مترًا عن سطح البحر، فضلًا عن 1036 هكتارًا في أراضٍ مصنّفة مراكز هامة للتنوع البيولوجي Key Biodiversity Areas KBAs، كما طاولت الحرائق مساحات كبيرة من الأراضي العشبية.

“خسارة إيكولوجية”

وتابع متري: “لطالما حذّرنا من هذا السيناريو الكارثي، الذي تتطلّب معالجته الكثير من الجدية والمهنية والإلتزام على الصعيد الوطني، سواء من الأفراد أو من الإدارات الرسمية، وهو ما نطالب به منذ سنوات وعلينا البدء بالعمل فيه من الآن، فإن لم نغيّر في طريقة معالجة وإدارة أزمة الحرائق، سنشهد في العام القادم تكرار هذا المشهد الكارثي، وهي خسارة إيكولوجية كبيرة، إلى جانب خسارة المزارعين لموارد رزقهم”.

في المقابل، وعما إذا كانت ثمّة مبادرات للتشجير، قال متري: “حاليًا، نجري تقييمًا للمناطق المحترقة، وفي بداية فصل الربيع سنقوم بإجراء تقييم ثانٍ لنلحظ إعادة الإنبات الطبيعي، فضلًا عن مراقبة خطر الإنزلاقات وتدهور التربة في هذه المناطق وخطر فقدانها الغطاء الطبيعي، وبناء على النتائج نقرّر إعادة التأهيل، ولكنها بالمجمل بحاجة لحماية من الرعي ومن ضرر الأنشطة السكانية”.

وعن خطر تغيير وجهة استخدامها في العمران، لفت متري في حديثه لموقعنا إلى أن هناك قوانين تمنع تغيير وجهة استخدام الأراضي، ولكن هذا الأمر لم يمنع البعض في السابق من التعدي على الأراضي وتغيير وجهة استخدامها، مطالبًا “بالبدء بخطة مدروسة لإدارة هذه المناطق، والوقاية من حرائق قد تقضي على ما تبقى من غطاءٍ أخضر في لبنان”.

سوزان أبوسعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

ناشطة وصحافية لبنانية. مجازة في التحاليل البيولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى