منوعات

صراع حول آلية الزراعة في لبنان والمواطن ضحية

تنظر معظم الدول في العالم للقطاع الزراعي كأولوية في اقتصادها المنتج، إلاّ لبنان المهمل لهذا القطاع، كما غيره من كافة القطاعات الإنتاجية. المفارقة أنّ لبنان تخطى صفة الإهمال إلى حدّ الإفلاس، فميزانية وزارة الزراعة بالكاد تكفي لتسديد رواتب موظفيها ومواردها اللوجيستية.

بعد فشل النظام الريعي في لبنان، تحاول الدولة التحوّل إلى اقتصاد منتج يعتمد على عدة قطاعات؛ وكون البلاد تتمتع بمناخٍ مميّز وأرضٍ خصبة، فإنَّ الزراعة هي على رأس هذه القطاعات التي ينبغي على الدولة تنشيطها؛ ولكن هذا الأمر ليس سهلاً في بلدٍ لم يعدّ أي استراتيجية زراعية في السابق أو في الحاضر. ويبقى هذا القطاع ضحية مشاكل عدة تزيد تفاصيلها وتعقيداتها يوماً بعد يوم.

جدل بين وزارة الزراعة والمهندسين

يدور جدلٌ في لبنان منذ فترة بين المهندسين الزراعيين ووزارة الزراعة، حول نوع الزراعة التي يجب أن يتم تطبيقها في البلد؛ إذ يفضّل المهندسون الزراعة الطبيعية، فيما الوزارة تريد الاستمرار بالزراعة العشوائية المعتمدة حالياً. وتؤكد المهندسة الزراعية خولا سيف لـ “أحوال” في هذا الإطار، أنّ لبنان موبوء بالتلوث في كل طبيعته، وأغلب الأراضي الزراعية اللبنانية قريبة من الطرقات، مّما يجعل المزروعات عرضةً لانبعاثات المركبات؛ وتضيف، “هذا عدا عن تلوّث الأراضي والمياه الجوفية في العديد من المناطق بسبب سوء إدارة البيئة”، مردفةً أنّه لا يجب أنَّ نزيد على المزروعات مواداً مضرة أكثر كالمبيدات، معتبرة أنّه يكفيها التلوّث الحاصل في البيئة اللبنانية. وتنصح سيف بالانتقال إلى الزراعة الطبيعية أي زراعة خالية من المبيدات تعتمد على البذور الوطنية المقاومة للأمراض. وترى أنَّ الزراعة العضوية لا يستفيد منها إلا “مافيا مستوردي المبيدات العضوية” كما وصفتهم، مشيرةً إلى تأثيرها السلبي على صحة المواطن، مقتبسة بذلك دراسة للجامعة الأميركية تشير إلى أنَّه حتى “حليب الأمهات ملوث”.

بالمقابل، يعتبر وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى في حديث لـ “أحوال”، أنَّ الزراعة الطبيعية لا يمكن أنَّ تعطي نفس كيمة الانتاج، حيث أنَّ المحاصيل معرضة للآفات من حشراتٍ وأمراض قد تطيح بالمحاصيل كلياً أحياناً، مؤكداً على ضرورة استخدام المبيدات، لوقف ضرب الانتاج؛ مستدركاً أنّه يمكن ترشيد استعمال المبيدات كحلٍ مبدئي. أمَّا عن “مافيا المبيدات”،  فيؤكد مرتضى أنَّ الشركات التي تستورد المبيدات كثيرة، هي كباقي القطاعات في الدولة تعاني حالياً من أزمة النقد، “لأنَّ الاستيراد يحتاج إلى “فرش دولار”، وهذا الأمر ينعكس على المزارعين”.

تداعيات الأزمة الاقتصادية على المزارع

خلقت أزمة النقد مشكلات لدى المزارعين، حيث أنَّ كلفتهم هي بالدولار وبيعهم هو بالليرة؛ لذلك تم اعتماد آلية دعمٍ للقطاع عبر مصرف لبنان لدعم احتياجاتهم الزراعية. وهذا ما أثار انتقاد المهندسين الزراعيين. وهنا، تعتبر سيف أنّه يجب التوجه لدعم البذور الوطنية، “لأنَّ المزارع رغم هذه الآلية ما زال يفضّل التصدير للحصول على العملة الصعبة التي تكلّف بها بالزرع”. وتعطي سيف مثلاً عن الحامض، حيث تم تصدير كمية كبيرة منه إلى دولة عربية، بينما  شهد السوق اللبناني فقداناً لهذا النوع من الخضار.

بالمقابل، يؤكد مرتضى أنَّ الوزارة ليست بعيدة عن هذه المشاكل، وقد اتخذت اجراءات لضمان وجود توازنٍ في السوق، عبر منع التصدير إلا بإذنٍ خاص يصدر عن وزير الزراعة، وعبر السماح بالاستيراد للمزروعات التي ارتفع سعرها بشكلٍ جنوني. ويؤكد مرتضى أنَّ كميات الحامض التي تم السماح بتصديرها هي كمية قليلة لا تتجاوز الـ 100 كلغ، وهي منتوجٌ عضوي عالي الكلفة.

من جهة أخرى، ترى سيف أنَّ هذه المشكلة لا يمكن حلّها عبر الاستيراد، وتعللّ ذلك بقولها: “إذا كانت الدولة تريد أنّ تستقطب بعض العملة الصعبة عبر الزراعة، يجب أن تكون عبر تصدير زراعات لا تؤثر على الأمن الغذائي مثل التوت أو الفراولة، وغيرها”.

انعدام التوجيه الزراعي والتفاوت التكنولوجي

يعاني المزارع اللبناني من انعدام التوجيه ونقص الدراسات والبيانات، وفقاً للمهندسين الزراعيين. وفي هذا الإطار، تعتبر سيف أنَّ حملات الوزارة التي تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تغطي المسح الموجود على الأرض، كون الكثير من المزارعين لا يملكون الثقافة التكنولوجية لتصلهم توجيهات الوزارة.

بالمقابل، يرى وزير الزراعة أنَّ الكثير من المزارعين يعملون ويطبّقون التقنيات الحديثة، “وهم ليسوا جميعاً بعيدين عن التكنولوجيا، وذلك تم عبر الأبحاث الزراعية، وأيضاً عبر مبادرات فردية من القطاع الخاص”. ويقدم مرتضى مثالاً عن الزراعة المائية وتقنيات الري الحديثة، التي أصبح يتبعها العديد من المزارعين اليوم؛ مؤكداً أنَّ الوزارة تسعى عبر الاستراتيجية الزراعية للأعوام المقبلة للوصول إلى أكبر عددٍ من المزارعين ودعمهم ليتحولوا إلى التكنولوجيا عبر عددٍ من البرامج التي تتبعها؛ مستدركاً أنَّ هذا الأمر بحاجة للإمكانيات والموارد اللازمة حتى يتم تطبيقه؛ مردفاً أنَّ المزارعين لن يستطيعوا تطبيق التقنيات الحديثة، إذا لم يتم تقديم الدعم لهم عبر تسهيلات وقروض طويلة الأمد، بل إنّهم لن يتمكنوا من الاستمرار.

 

 وزارة الزراعة: استراتيجية للنهوض بالقطاع

يلفت مرتضى أنَّ الدراسات والتحاليل وتشخيص المشاكل دائماً مطروحة على جدول أعمال الوزارة؛ ويشير بذلك إلى أنَّ وثيقة الاستراتيجية الوطنية للزراعة اللبنانية 2020 – 2025  تضمنت تحليلاً في تقرير أعدته منظمة الفاو (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة) في العام 2020، ويحتوي على مراجعة شاملة للقطاع الزراعي واقتراح الحلول، إضافةّ إلى استراتيجة واضحة لكيفية إحداث تحويل جذري بالزراعة الوطنية، وإيجاد الموارد المالية والتمويل اللازم لتنفيذ البرامج ودعم الاستثمار في القطاع الزراعي والغذائي.

وهنا، تعتبر سيف أنَّ استراتيجية الوزارة معقدة جداً، حتى أنَّ المهندسين يواجهون صعوبة بفهمها، مؤكدةً أنَّ الدراسات الموجود لا تشمل كل القطاع الزراعي، وتعطي مثلاً عن غياب دراسات التفاح، أو عدم وجود داتا للمياه اللبنانية، منذ ما يقارب ال 12 عاماً. بالمقابل، تقدم سيف اقتراحات للاستراتيجيات التي يجب اتباعها:

  • توفير الداتا الكاملة عن أساسيات الزراعة، مثل أي بذور يمكن استخراجها للزرع لاحقاً، كأنواع التربة والفرق بينها.
  • الحدّ من إحداث اضطراب في التربة عبر تقليل الحراثة.
  • التغطية الدائمة للتربة من مخلفات المحاصيل السابقة.
  • تناوب المحاصيل؛ أي أن يتم استخدام الأرض لمحصول أخر بعد انتهاء موسم الزراعة السابقة.

يبدو أنَّ القطاع الزراعي في لبنان لن ينهض في وقتٍ قريب. وعلى البلد  الذي أهمل هذا القطاع، أن يتعلّم الأساسيات الزراعية من جديد، ويعوّض غياب عشرات السنين من التطور في الاستراتيجيات الزراعية الحديثة. لا شكّ أنّ هذا القطاع هو أساسي لنهضة لبنان الغارق في أزمته الاقتصادية؛ لذلك على الدولة والقطاع الخاص والنخب الجديدة أن تتعاون من أجل إحداث نهضة جذرية بالقطاع وبأسرع وقت.

 

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى