ميديا وفنون

“إلى بيروت الانثى” من نزار قباني إلى نانسي عجرم… أجيال تتوارث الوطن في كلمات

“إلى بيروت الانثى” أربعون عاماً تفصل بين حبر نزار قباني وصوت نانسي عجرم. فهل كان يرثيها أم يوقظها أم يرش سمَاقها فوق المعمورة؟ وهل كان يدري هو الذي خسر حبيبته بلقيس في انفجار السفارة العراقية في بيروت بأن الانفجارات تتالى ونخسر أحباءنا؟

“أه يا عشاق بيروت القدامى” تأوّه يستنهض الحب العتيق. في الملمات لا نحتاج إلا للحب دواءً وعزاءً. بانكسارٍ وشجنٍ وعيونٍ مفتّحة على الفراغ باحت بها حنجرة عجرم الشجية والأبواب تطرق على فرح، والعائلة تجتمع في صورة شحيحة غابرة، ليكون العشاء الأخير يتودّع به الأحبة وتُحزم الحقائب في سفرٍ لا نعلم متى الرجوع منه.

هذا الكليب البسيط الذي يحفر في الذاكرة اجتماعات الحب النادرة. الأم التي تلمّ والأب الذي يرقص كشيخ يضم تحت جناحيه أبناءه، والأخوة المجتمعون على الضحك مع الأحفاد. صورة بتنا نجدها معجزة في زمن الفرقة والبعد والتباعد والحرب والكوارث والفواجع، تلفنا من رأسنا حتى أخمص قدمينا.

فرشت عجرم مائدتها ومدّت صوتها وفي بالها أنّنا سنفرح، ونحن الى الدمع أقرب. في برهة وقفنا أمام صورة بات حصولها معجزة، من منّا لا يفتقد الى مطبخ أمّه وحنو والده وضمة شقيقه وضجيج الأبناء يملأ المكان. طعم الحب بات بعيداً. طعم القرب بات غريباً طعم اللقاء بات مستحيلاً.

يوم كتب نزار هذه القصيدة لم تكن عجرم قد ولدت بعد. فرحل الشاعر تاركاً خلفه غصّةً ورثناها شعراً وأدباً وحقيقة موجعة لا نعرف كيف الفكاك منها. وانقضت العقود وما زلنا نتغنّى بعشاق المدينة وخصبها وفصولها.

الكل يرحل وبيروت تبقى نائمة على شاطئها تسجّل أسامينا، ونورث الأجيال هذا العشق ونحن نسرح في أمنيات نريد أن تتحقّق.

عجرم غنّت  برقّة وبكثيرٍ من العاطفة والطبيعية في هذا العمل، لحد شعرنا أنّها تدخل بيوتنا جميعاً وتحكي حكايتنا، وقباني كان ناطقاً باسمنا يدافع عنا ويصرخ في جلادينا :”أن يمت لبنان ..متم معه .كل من يقتله كان قتيلا”. كلامه مرآة حالنا لم نزح عنه برهة وكأننا شواهد الزمن المرَ الذي لا ينقضي ولا ينكث لنا عهداً.

في هذا العمل لا دم ولا خراب ولا هدم ولا عتاب. في هذا العمل الكثير من الصور والكلام والموسيقى الجميلة، لأن كل الأشياء الاخرى غائبة عنا وكأننا نستحضر ظل الموت دون أن نراه، نشعر بحياتنا دون أن نعيشها، نريد أرضنا وأهلنا دون خسارتهم . هذا الغناء موجع حتى وإن غابت أصوات الجنائز لأننا بتنا نتوارث الشعر والأغاني لننسى موتنا. علنا يوماً ما نستمع الى كل هذا ونحن نستمتع بحياتنا.

أخيراً هذا الزمن الفاصل أو الجامع بين عجرم وقباني ليس له سوى دلالة واحدة: أنّنا شعب يكدّس تاريخه في صناديق ينخرها السوس. علَنا نحطم أقفالها يوماً ونعيش مجتمعين على موائد الفرح.

 

“إلى بيروت الأنثى”  شعر نزار قباني وغناء نانسي عجرم وألحان هشام بولس وتوزيع باسم رزق واخراج الكليب لسمير سرياني.

 

 

 

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى