منوعات

بين تشرينين… حمّارة قيظ وصبّارة قُرّ

التّغيير عادة يمرّ عبر طريقين لا ثالث لهما: من الأعلى، أي من المسؤول بكافة أنواعه، أو من الأدنى، أي من الشعب.

الثّورات يمكن أن تكون مفاجِئة وتبدأ من الأسفل بفعل حدث ما أثار الجماهير الغاضبة مثل الثّورة التونسية، مثلاً، التّي أشعلتها نيران محمد البو عزيزي، كما يمكنها أن تكون نتيجة تحضير مسبق وعمل دؤوب كالثورة الإسلامية في إيران.

إلى جانب الثورات، شهد التاريخ انقلابات عدّة كانقلاب الضباط الأربعة بقيادة جمال عبد النّاصر على الملك فاروق أو الانقلابات المتتالية في سوريا قبل أن يحكم حافظ الأسد قبضته على الحكم.

أمّا في تاريخ لبنان الحديث، لم يحدث ثورة تغييرية أبداً.

 ما هو تعريف الثّورة؟

الثورة هي عمليّة تغييريّة تتحوّل خلالها المؤسسات والمنظمات الرّئيسية. بكلمات أخرى، يمكن تمييز الثّورات عن مختلف التحرّكات الأخرى بحجمها وعمقها ومدى تأثيرها. وهي تحدٍّ للسلطة الموجودة بكافة أشكالها.

يستعمل معظم النّاس كلمة ثورة كدافع تحفيزي وحماسي. فلا إستقلال 1943 ثورة، ولا ما سمّي بثورة 1958 ثورة، ولا 1969، ولا 2005 ولاحتّى 17 تشرين 2019.

فلم يستطع أي من هذه التّحركات إحداث تغيير جذري على النّظام. بل على العكس، ساهمت كلّ حركات التّعبئة الجماهرية هذه وما تلاها من أحداث، باستثناء 17 تشرين، بتثبيت وتمكين وتعميق الطائفية السياسة في لبنان.

دون الغوص في تفاصيل تلك الأحداث، كانت كلّها صراعًا على السّلطة والنفوذ.

أمّا 17 تشرين، لو نجحت في إحداث التّغيير المنشود لكانت قد نجحت لأوّل مرّة في تاريخ لبنان من إحداث ثورة حقيقية.

هذا لا يعني تقليل قيمة وحجم ما حصل لأنّ 17 تشرين قطعت شوطاً طويلًا بالصراع مع الطبقة السّياسية وكسرت حواجز ومداميك مدعّمة بسنين من العمل السّياسي والاجتماعي.

لكنّ الخلل الذي وقع يكمن في عدم توحيد المطالب والخطابات والقيادات، عدم السّيطرة على الساحات لضبطها وغياب مشروع جدّي، باستثناء قلّة من المجموعات، أو مشروع بديل.

المشكلة أنّه حتّى عندما تحدث ثورات تُسمّى مُفاجِئة، يبرز في مرحلة معيّنة قادة للحراك وتتوحّد الجهود. هذا لم يحدث بشكل فعلي بعد مرورعام على 17 تشرين 2019.

بعد مئة عام من فشل الطّبقة السياسية على تأسيس دولة قانون من الأعلى، لم يستطع الشّعب اللّبناني من تحقيق تغيير من الأسفل.

بين تشرين 2019 وتشرين 2020، حمّارة قيظ وصبّارة قُرّ، وبين تشرينين، لم يحدث ما تأمّل البعض حدوثه.

فمن يُحدِث تغييراً ويطرح مشروعاً جامعاّ بين قُرٍّ وحَرّ أخريين؟ أم أنّ سيف السّلطة سيذبح فصول التّغيير ويحيك، كما فعل دائما، ثياباَ سلطويّة بحلّة جديدة؟

هادي وهاب

باحث في سياسة الشرق الأوسط. حائز على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة إكسيتر البريطانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى