ميديا وفنون

هل نجحت الشاشات اللبنانيّة في تغطيّة الحرب الأرمينيّة الأذربيجانيّة؟

وضعت الحرب الأرمينية – الأذربيجانية في جنوب القوقاز وسائل الإعلام اللبنانية، لا سيما التلفزيونيّة، في مواجهة تحدٍّ مهنيّ جديد. فالمنطقة التي تجدّدت معاركُها في شهر أيلول المنصرم استدعت حضور الوسائل الإعلامية المختلفة في الميدان، ومنها الشاشات اللبنانيّة ذات التاريخ العمليّ، ما أثار أسئلة بشأن المعايير المهنيّة المعتمدة أثناء التغطية الإخباريّة. فالمنطقة القوقازيّة تقدّم مشهداً إثنيّاً وسياسيّاً معقّداً… وحلقة استراتيجيّة يشتبك فيها الأرميني والطوراني والعربي والإسرائيلي والإيراني، بل الروسيّ والأميركيّ؛ والإعلاميّ وسط ذلك مسؤولٌ عن فهمه لساحة عمله ومهنيّته وانتمائه وتحالفاته الوطنيّة.

تجدّدت الاشتباكات العسكرية، بل الحرب، بين أرمينيا وأذربيجان، في إقليم “ناغورنو – قره باغ” المعروف أرمينياً باسم “أرتساخ”، إثر عقود من سيطرة الأرمن على الإقليم الواقع في داخل جمهورية أذربيجان، وعقب تفكّك اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية وخلافة روسيا للقوة العظمى الآفلة.

واليوم، ثمة تطوّر ملحوظ في ميزان القوى، حيث أذربيجان تتقدّم ميدانياً بمساعدة تركية علنيّة وتسليح إسرائيلي، وتتراجع القوة الأرمينية على الرّغم من الجار الروسيّ القويّ، والموقف الإيراني المرتاب من تشابك خطوط الصّراع على حدوده الجغرافيّة، سواء في القوقاز أو في مياه الخليج.

والسؤال هو: بناءً على المشهد القوقازي المثير والتواصل الإثنيّ والسياسيّ بينه وبين لبنان، كيف تعاملت القنوات التلفزيونية اللبنانية مع الحرب، وما هي المعايير المهنيّة التي اعتمدتها؟

الجديد تبسُط في القول والعمل

كانت “الجديد” إحدى القنوات التي التحقت بـ”جمهورية أرتساخ” لتغطية أحداث الحرب الأخيرة، فأوفدت مراسلتها راشيل كرم ضمن الفريق الإعلامي اللبنانيّ إلى الجانب الأرمينيّ، ولم توفد بالموازاة مندوباً إلى الجانب الأذربيجاني، ما طرح مهنيّة القناة المرئيّة للنقد.

عن القرار بالتغطية تُوضح راشيل كرم لـ”أحوال”: “أخذنا قراراً بالتغطية انطلاقاً من الجغرافيا الأرمينية، لأنّ الدّعوة أتت من الأحزاب الأرمينيّة في لبنان. فالطاشناق والرامغفار هما الحزبان اللذان تقدّما بدعوة الإعلام اللبناني للتغطية، وقد أمّنوا وسائل النقل والإقامة في منطقة الصّراع”.

وتعلّل كرم الخطوة بـالقول: “وجود الأرمن في لبنان سهّل انطلاق الإعلام إلى منطقة الصّراع. فالأرمن موجودون في لبنان، ولدى اللبناني دراية أكبر بالملفّ الأرميني”. ولكنّها تستدرك بالتشديد على أنّ القُرب من الأرمن “لا يعني أن تكون بوقاً لهم. فالتغطية تناولت مشاهدات ميدانيّة ووقائع النزوح، في الوقت التي تولّت المحطة عرض التطوّرات الحاصلة في السياق الأذربيجاني”.

وتنفي كرم تحقّق الموضوعيّة في التغطية الإعلاميّة، في الوقت الذي تشدّد على مهنيّتها في تناول الوقائع، وتستشهد بأسماء المناطق لتؤكّد مراعاتها موجبات الانتماء بين الجانبين الأرمينيّ والأذربيجانيّ، فهي لا تحسم في سيادة الدول ولا في حقوق الإثنيّات، ولذلك تستعمل أسماء “ناغورنو” و”قره باغ” و”ارتساخ” ليتمكّن الجمهور من “متابعتنا كلٌّ من موقعه وخلفيّته، على أساس خبريّ”.

…وللقنوات اللبنانية الأخرى رؤيتها

في مقابل رؤية الجديد للتغطية الإعلاميّة المهنيّة، أظهرت قناة MTV انحيازها للطرف الأرميني، وأعطت للعامل الدينيّ دوراً في تغطيتها، وجعلته حافزها الإعلامي الأساس، تأسيساً على الصراع التاريخيّ الأرمينيّ – التركيّ.

قناة LBCI، ومراسلها “إدمون ساسين”، جعلت عملها ذا سمة خبريّة، وظهرت أقلّ المحطّات انحيازاً، حين لم تسمح لأيّ تعبيرات شخصيّة بصبغ تغطيتها، كما تناولت سقوط القذائف على مقربة من مكان تموضع فريقها كحادث مهنيّ ميدانيّ دون اعتباره استهدافاً سياسياً أو شخصيّاً.

المنار تنأى وتتّصل خبرياً

كان لافتاً أن تنأى المنار بنفسها عن مواكبة الميدان في جنوب القوقاز، على الحدود الإيرانية والروسية، وفي ميدان يشتبك فيه التركي والأرمينيّ وجماعات متشدّدة رديفة، ومن ورائهم الإسرائيلي، لكنّها ترى أن تغطيتها من بعيد كافية، والمعايير المهنيّة متوفّرة.

في هذا المجال، يقول مدير الأخبار في القناة الأستاذ علي حايك لـ “أحوال”: “صحيحٌ أننا لم نوفد أحداً إلى منطقة الحدث، لكنّنا نتابع التطوّرات من خلال وكالات الأنباء. فبالنسبة إلينا التغطيةُ خبريّة فقط، وتتعلّق بحدث عالميّ، يعنينا بنسبة معيّنة، ونجد مادته الخبريّة بهذه الطريقة، ما يشعرنا بالاكتفاء في هذا الخصوص”.

ولدى إثارة تعقيدات المنطقة وعلاقتها بالمحاور المتصارعة، يشدّد حايك على المعيار المهنيّ في التعاطي، ويقول: “نحن نتعاطى كوسيلة إعلاميّة، فلسنا جهة أو حزباً سياسيّاً. ونحن نغطّي الحدث وفق المعايير المهنيّة وما تفرضه علينا من التزامات”.

وفي موضوع الحياديّة، يشدّد حايك على أنّها مبدأ معتمد لدى القناة، “إلا في الموضوع الإسرائيليّ الذي يُشكل تحدّياً استراتيجيّاً لنا ولمن يُشاركنا قضايا الدفاع عن الحق والمستضعفين”.

ويختم بالقول: “نحن لسنا غائبين عن الحدث القوقازيّ، وهو عنوان في نشراتنا وإنتاجنا، ونتابعه، إلا أننا لسنا معنيين بالعوامل المذهبيّة أو الطائفيّة، بل بالقضيّة الفلسطينيّة والقوميّة والانتصار لحقوق الشعوب”.

زينب حاوي: التغطية أخلّت بحق الجانب الأذربيجاني

تناولت زينب حاوي الزميلة في صحيفة الأخبار موضوع التغطية التلفزيونيّة للحرب الأرمينيّة – الأذربيجانيّة فوجدتها مخلّة بالمعايير المهنيّة، بالنظر إلى الجهة التي تولّت تكاليف إيفاد المراسلين إلى أرض الميدان، واقتصار التغطية الميدانيّة على الجغرافيا الأرمينيّة، واستعمال معجم إيجابيّ لصالح الأرمن، وكثافة المشاهد الخاصّة بالخسائر الأرمينية”.

وتُضيف حاوي: “أنا كتبت مقالاً سألت فيه عن سبب اهتمام بعض القنوات المحليّة اللبنانيةNTV ،LBC ،MTV بهذا الحدث ميدانيّاً، فأوفدت مراسليها إلى مكان بعيد جغرافيّاً عن لبنان، وإلى منطقة بعيدة عن العاصمة الأرمينيّة يريفان مع ما في ذلك من خطر”.

وتجيب عن ذلك بالقول: “لقد وجدت أنّ التغطية التلفزيونيّة اللبنانيّة جاءت مجاراةً للوجود الأرمينيّ في لبنان، ولجزءٍ من جمهور هذه المحطات، بل جاءت حماساً من بعض العاملين في هذه المحطات الذين لهم أقارب من الأرمن، ما يؤثّر على دور المراسل في التغطية، حيث يتخطّى حدوده في بعض الأحيان، فلا ينضبط بالمعايير المهنيّة، ويذهب بالتالي نحو الانحياز”.

وتؤكّد حاوي انحياز التغطية اللبنانيّة من دون مبرّر مهنيّ، فتقول: “شهدنا في التغطية التلفزيونية اللبنانية انحيازاً واضحاً لأرمينيا. صحيح أنّ الحرب تترك آثاراً مؤلمة لكن المراسلين والمراسلات عمّقوا المأساة لتبدو شأناً أرمينيّاً في الجزء الذي ظهر للمشاهدين، في ظلّ غياب ظاهر للمشهد الأذربيجاني”.

وتعود إلى المضامين فتقول: “في التغطيات لم يكن هناك موضوعيّة بل انحياز؛ وتحليل الرسائل يُظهر لنا الانحياز والتجييش العاطفيّ”.

وتتساءل: “كيف يمكن أن يكون المعيار المهنيّ متحقّقاً والمراسلُ  في الجهة الأرمينيّة، والحماية الأمنيّة أرمينيّة؛ والذهاب على نفقة الأرمن يجعل المراسل مديناً للجهة التي أوفدته”.

وسط الحروب المتلاحقة والمآسي الهائلة، يستمر سؤالُ الإعلاميين عن معاييرهم المهنيّة في تناول الأحداث وأخبارها، وعن دورهم الاجتماعي والسياسي أثناء تغطياتهم المهنيّة، وعن توقهم الدائم للتماهي مع مجريات الأحداث بتأثير من العوامل الشخصيّة والقوميّة والدينيّة…

 

 

طارق قبلان

مجازٌ في الصحافة واللغة العربيّة. كاتب في السياسة والثقافة، وباحث في اللهجات والجماعات الإسلامية والحوار الديني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى