منوعات

“الشيك المصرفي”.. عملة التداول الجديدة في لبنان؟!

تعكس حركة الشيكات في الدول، حجم وحركة الاقتصاد العام عمومًا. ومع دخول البلاد في مرحلة من الركود أو الانهيار الاقتصادي، يتوقع أن تنخفض أعداد وقيمة الشيكات المصدّرة.

أما في لبنان، تسير حركة الشيكات بعكس الاقتصاد اللبناني العام، حيث أصبح “الشيك المصرفي” الصديق الجديد للبنانيين، لا بل “عملة” التداول الأولى. فقد استبدل المواطنون الدفع بالعملة إلى الدفع بـ”الشيك”، لعدم توفّر السيولة بين أيديهم بعد أن تم الحجز على أموالهم في المصارف.

وكعادته، يجد اللبناني “المحنّك” دائمًا مخرجًا لأزمته، ليكون الشيك المصرفي الحل الوحيد لتحرير أمواله المفروض عليها قيودًا “غير شرعية” في المصارف، ولو “بخسارة”، كون هذه الأموال قد فقدت قيمتها فعليًا في البنوك، وبحسب ما قالت مصادر مصرفية لـ”أحوال”، فإن “هذه الأموال لم تعد موجودة في المصارف، بل هي مجرّد رقم موجود على لـ”system”، وقد خسرت قيمتها بفعل الوقت، حيث أنّ المصارف، وبفعل الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد، أصبحت عاجزة عن دفع أي مبلغ بالدولار لعدم توفر السيولة، فراحت تدفع قيمة المبلغ بالليرة اللبنانية على سعر الصرف 3990 ليرة لبنانية، في الوقت الذي يتراوح فيه سعر صرف الدولار في السوق السوداء بين الـ7500 ليرة كحد أدنى والـ9800 ليرة كحد أقصى، ما يجعل صاحب الوديعة يخسر ما بين 40 إلى 53% من قيمتها”.

وتضيف المصادر: “أصبح همّ المواطن إخراج أمواله من المصارف للتصرف بها أو الاستفادة منها “cash”، وذلك عبر بيعه شيكات بنصف القيمة، شرط أن يكون الدفع بالدولار، ما يجعل صاحب الوديعة يبيع شيكًا بقيمة 30000$، على سبيل المثال، بـ10000 دولار كاش. وهكذا، يكون صاحب الوديعة قد خسر 20000 دولار من رصيده نظريًا، أما عمليًا فهو ربح 10000 دولار كاش “fresh money” يستطيع التصرف بها، بما أنّ قوة الأخيرة بالدولار تضاهي المال المحجوز عليه في البنوك”.

إذًا هكذا يستفيد أصحاب الودائع المحجوز عليها من أموالهم، فبعد أن كان المودع يستخدم الشيك كوسيلة لشراء قطع ثمينة، من لوحات وسجاد أو عقارات ليعود ويبيعها ويستفيد من ثمنها نقدًا، حوّل ما كان وسيلة لشراء سلعة إلى سلعة بحد ذاتها. ولكن ما الفائدة التي تعود على من يشتري الشيك؟

في سياق متصل، تتحدّث إحداهن عن تجربتها قائلة: “أردت أن أشتري سيارة وكانت قيمتها 25000 دولار، وطبعا لم أكن أملك المال الكافي ما جعلني أشتري شيكًا بقيمة 50000 دولار، بـ15000 دولار كاش”.

وبهذه العملية استفاد الأطراف الثلاثة (من اشترى الشيك، وبائع الشيك، وتاجر السيارات) حيث استطاعت تمّ شراء السيارة بأقل من سعرها بـ 10000 دولار، واستطاع بائع الشيك الحصول على 15000 دولار “fresh money”، أما التاجر فربح 25000 دولار إضافية من السيارة، بإمكانه تحصيلها لاحقًا أو دفع فواتيره أو شراء سيارة جديدة… بـ”الشيك” عينه”.
أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو “ما تأثير التداول بالشيكات على الدورة الاقتصادية؟”.

الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، يوضح في حديث لموقع “أحوال ميديا” أنّ التبادل بالشيكات لا يذهب إلى الدورة الاقتصادية، حيث أن من يشتري الشيك غالبًا ما يضعه في المصرف أو يسدّد من خلاله ديونه، أما بائع الشيك فيضع الأموال الذي استحصل عليها من عملية البيع في منزله، وبالتالي عملية التبادل هذه لم تنشّط الدورة الاقتصادية”، لافتًا إلى أنّ “مشتري الشيك يدفع فقط 35% من قيمته، أي ما يعادل الـ 35000 دولار على كل 100 ألف دولار، وبالتالي صاحب الشيك يخسر 65% من قيمة الشيك الأصلية”.

وفي السياق، يرى عجاقة أنه لتحريك الدورة الاقتصادية، يتوجّب على المستثمر الاستدانة من البنوك واستثمارها في مشروع يعود عليه وعلى موظفيه بالفائدة، الذين بدورهم سيستخدمون مداخيلهم إما لتشغيل يد عاملة أخرى أو لشراء سلع (الاستهلاك)، وعملية الاستثمار والاستهلاك هذه هي التي تحرّك الدورة الاقتصادية، أما في عملية الشيكات، فما من استثمار ولا من استهلاك.

هذا وأشار عجاقة إلى أنّ المبلغ الذي على أساسه يتم شراء الشيك، يعكس توقعات المودعين بالمصارف، مضيفًا: “وفق قاعدة الأعداد الكبيرة أي (la loi des grands nombres) ، عندما يزيد العرض (عرض شيكات للبيع) تنخفض قيمة الطلب، وبالتالي قيمة الشيك ستنخفض”. وتابع عجاقة: “من ناحية أخرى، كلما زاد الطلب على الدولار زاد الضغط على الليرة، فانخفضت قيمة الودائع”، مؤكدًا بالمقابل أن كل تأخير في تشكيل الحكومة سيزيد الضغط على الليرة، وسيخفض قيمة الودائع.

إذًا، أصبحت قيمة الليرة اللبنانية عرضة للعرض والطلب الذي نخلقه، وعرضة لعدم قيامنا بأي حل للوضع السياسي، وكل تأخر بالقيام بإصلاحات مالية واقتصادية ونقدية ومصرفية، كلما فقدت الودائع في المصارف قيمتها أكثر وضعفت الليرة.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ندور الدائرة والخاسر الاكبر هو ذاك المواطن الذي وثق بالنظام المصرفي فخسر نصف امواله ، لا نريد لا شقق ولا سيارات ، نريد فقط اموالنا ….
    شكرا لك للانك من القلائل الذين يكتبون بموضوعية في زمن اللاموضوعية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى