منوعات

مرونة أميركية في لبنان.. راقبوا العراق

لم يكن لبنان منفصلاً يوماً عن أحداث محيطه الإقليمي. هناك ترابط بين هذا البلد وساحات المنطقة، لأسباب أهمّها الديمغرافية. هذا العنوان نفسه ربط لبنان بعواصم دولية تاريخياً منذ تأسيس دولة لبنان الكبير منذ مئة عام تماماً. وتلك الروابط ذاتها دفعت الفرنسيين إلى إطلاق مبادرة لاستيلاد حكومة لبنانية تُطلِق عملية الإصلاح المطلوب.

كان يظن مراقبون أن فرنسا ستسحب يدها من لبنان بعد فشل مصطفى أديب في تأليف حكومته، باعتبار أن الفشل أصاب إندفاعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لبنان. لكن باريس جدّدت العزم على إكمال الطريق نحو فرض حلول لبنانية. وعلى هذا الأساس دخل سعد الحريري في صلب المبادرة عبر طرح ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة.

جابه التيار الوطني الحر وحزب القوات خطوة الحريري، كلٌ منهما على طريقته. فأخرج رئيس الجمهورية ميشال عون المشهد الحكومي من المكاسرة المحلية، بإرجاء موعد الاستشارات في قصر بعبدا إلى الأسبوع المقبل.

فهل تحصل الاستشارات أم يؤجل رئيس الجمهورية مجدّداً إلى أسبوع آخر؟

لن يقبل جبران باسيل أن يبصم على بياض للشيخ سعد. يريد أن يفرض عليه اتفاقاً ثنائياً سياسياً حول تركيبة وطبيعة ووظيفة الحكومة. لكن الحريري يعتبر أن الإتفاق مع باسيل ليس دستورياً، ولا واجباً، ولا يستيسغ إعادة تجربة التعاون والحوار مع رئيس “الوطني الحر” التي كانت قائمة في السنوات القليلة الماضية. فما هو الحل؟ وكيف يكون المخرج؟

يتحرك سياسيون ورجال أعمال على خط الحريري – باسيل،  لوأد الخلاف بينهما، وجمعهما، لكن من دون جدوى، حتى الساعة. مما يعني أن السيناريوهات ستكون موزّعة على الشكل التالي:

  • إما يكرر رئيس الجمهورية خطوة تأجيل الاستشارات النيابية لما بعد الخميس المقبل. كما فعل منذ ثلاثة أيام.
  • إما تجري الاستشارات في بعبدا، من دون مصالحة باسيل-الحريري، وينال خلالها الحريري أصوات أكثرية النواب، فيذهب إلى خوض معركة ثانية في عملية تأليف الحكومة.
  • إما يجتمع الحريري مع باسيل، فيتم الاتفاق بينهما على صيغة المخرج من الأزمة القائمة.

بدا لافتاً أن الأميركيين يؤيدون الاتفاق اللّبناني الواسع في هذه المرحلة، ممّا يدفع باتجاه بتّ أمر عملية التكليف الحكومي عبر توافق ما. لذا، كان مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر مرناً في كل لقاءاته التي أجراها في بيروت. وبحسب المعلومات فإنّ المسؤول الأميركي كرّر كلاماً عن المضي بدعم لبنان وعدم التخلي عنه، وتأييد المبادرة الفرنسية. هذا الكلام يشجع الحريري على المضي قدماً لترجمة المبادرة الفرنسية، التي أعلن الأميركيون أنّهم يؤيدونها أيضًا.

فما هو سبب هذه المرونة الأميركية في لبنان الآن؟

قد يعتقد سياسيون لبنانيون أن موضوع التفاوض على ترسيم الحدود الجنوبية هو السبب الوحيد الكافي لواشنطن لفتح صفحة جديدة مع لبنان. وإذا كان فعلاً أنّ أحد أهم أسباب فتح الصفحة الجديدة هو موضوع اتفاق الإطار بشأن ترسيم الحدود. غير أنه ليس الملف الوحيد. هناك معلومات تؤكّد وجود أجواء دولية إقليمية جديدة توحي بتوافر أطر أوسع من موضوع الحدود اللّبنانية الجنوبية، على أهميته. أنظروا إلى الإقليم: تشهد الساحة العراقية هدوءاً بعد توتر ساخن بين “الحشد الشعبي” والأميركيين. ثم عمليات تبادل الأسرى، وتحديداً في اليمن.

إضافة إلى أبعاد زيارة المدير العام للأمن العام اللّواء عباس ابراهيم إلى واشنطن، لبحث عملية الإفراج السوري عن سجين أميركي، إضافة إلى ملفات ساخنة في الإقليم.

يريد الأميركيون انسحاباً آمناً من العراق. هو هدف أساسي عندهم، إلى جانب هدف آخر: ضمان بقاء نفوذهم وسلام إسرائيل. لذا، يسعى الأميركيون إلى بتّ ملفات استراتيجية: تطبيع مع دول عربية، توقيع اتفاق إطار بشأن ترسيم حدود لبنان الجنوبية، البدء بحفريات التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط من دون نزاع. إنهاء الملفات المأزومة في ساحات الإقليم.

كل ذلك عزّز مشهد المرونة الأميركية في لبنان الآن. فهل تسهّل القوى عملية تكليف رئيس حكومة جديد الخميس المقبل؟ أم أنّ هناك من يشاكس، فيمتعض الفرنسيون ويتضامن معهم الأميركيون؟

اللّعبة الحكومية ليست داخلية، باتت الخيوط واضحة مكشوفة.

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى