منوعات

وزني لـ”أحوال”: الدولار إلى ما دون الـ6000 عند تشكيل الحكومة

 خبراء: انفراجات بعد الإصلاحات واستعادة الثقة الدولية بلبنان

لا تزال أزمة الدولار الهم الأول لدى المواطن اللبناني نظراً لارتباط معظم حاجاته الأساسية من غذاء ودواء ومحروقات وغيرها من السلع التي تدخل في حياته اليومية به، وهذا يعود إلى أنّ الاقتصاد اللبناني مدولر أي مقوّم بالدولار إلى جانب أنّه اقتصاد ريعي واستهلاكي وليس انتاجي ما يفقده عوامل القوة والقدرة  على الصمود عند الأزمات.

عام مرَ على “انتفاضة” 17 تشرين الماضي وما تخلّلها من أحداث أمنية وسياسية وانهيارات مالية متتالية وتصدّع كبير في البنية الاجتماعية أدت إلى فقدان الليرة اللبنانية قيمتها مقابل الدولار الذي قفز خلال هذا العام من 1515 ليرة قبل 17 تشرين 2019 إلى معدلات قياسية في تاريخ لبنان وصلت إلى 10 آلاف ليرة في بعض الأحيان.

وقد شهد سعر الصرف ارتفاعاً وانخفاضاً وفقاً للحالة السياسية الأمنية في البلد إضافة للعوامل الخارجية المتمثلة بالعقوبات والحصار الخارجي وغيرها.

الأزمة الفادحة ولّدت ثلاثة أسعار للدولار: السعر الرسمي (1515 ليرة)، وسعر سحوبات المصرف (3900)، وسعر السوق السوداء الذي وصل إلى 10 آلاف غير مرّة وهو حالياً في حدود الـ8000، وهذه الظاهرة تعد مؤشراً سلبياً يعكس الفوضى والتأزم، بحسب خبراء اقتصاديين.

مافيا الدولار

ونسب الخبراء أسباب هذه الفورة في الدولار لجملة أسباب تتعلّق بالسياسة الاقتصادية والمالية والنقدية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة ومصرف لبنان​؛ إلا أنّ ذلك لا يلغي الأسباب السياسية للارتفاع الكبير في سعر الصرف أو ما بات يعرف بـ”الدولار السياسي” أو بـ”مافيا الدولار” التي تديرها جهات سياسية مالية مصرفية داخلية تملك الحظوة والسطوة والنفوذ في الدولة وإداراتها تتلاعب بالدولار وبالاقتصاد وفقاً لأهداف خارجية.

وهنا يتداخل الاقتصاد بالسياسة والعوامل الداخلية بالخارجية بحسب مصادر سياسية مطلعة لـ”أحوال” التي تتوقف عند تسهيل كل الأطراف لملف ترسيم الحدود البحرية النفطية بين لبنان و”إسرائيل” حيث كان هذا الملف الدافع الأساسي للضغوط والحصار الأميركي على لبنان طيلة سنوات خلت.

أما وقد شهد هذا الملف انفراجاً، تضاعفت الآمال بانفراج على الصعيدين السياسي والمالي بدأت طلائعه تظهر بإعلان الرئيس سعد الحريري ترشحه لتأليف الحكومة الجديدة. فكيف ستنعكس هذه المعطيات الجديدة على الوضع المالي والنقدي والاقتصادي وبالتالي سعر الصرف؟

وزني: انخفاض الدولار تدريجياً

وزير المالية غازي وزني أشار لـ”أحوال” إلى أنّ سعر صرف العملة يتأثر بالوضع السياسي إلى حدٍ كبير لا بل هناك علاقة وثيقة وطردية بين الأمرين وهذا ما أثبتته وقائع العام الماضي، حيث كان الإنسداد السياسي ينعكس سلباً على سعر صرف الدولار. وأوضح وزني أنّ الإنخفاض الأخير بسعر الصرف يعود لسببين: الأول سياسي داخلي يرتبط بإعلان الحريري ترشحه لرئاسة الحكومة، والثاني تقلّص حجم السوق المحلي وحاجته للدولار. وتوقع وزني أن ينخفض سعر الصرف الى ما دون 7000 إذا كلّف الحريري الخميس المقبل وأن ينخفض الى 6000 ليرة إذا تألفت الحكومة، لكنه أوضح أنّ سعر الصرف لن يهبط أكثر من هذا الحد إلا بعد إقرار الإصلاحات في الحكومة والمجلس النيابي سيما في الكهرباء وتدفق المساعدات المالية من مؤتمر سيد وصندوق النقد الدولي ومعالجة أزمة الديون الخارجية.

غبريل: الثقة بالإصلاحات هي الحل

رئيس قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك “بيبلوس” نسيب غبريل أشار إلى أنّ “سعر صرف الدولار في السوق الموازية يخضع للمضاربة وللإشاعات، وهي سوق غير شفافة ولا تخضع لأي رقابة  وسبب وجودها هو شحّ السيولة بالعملات الأجنبية في السوق اللبناني بسبب وقف تدفقات رؤوس الأموال إلى لبنان جراء أزمة الثقة الحادة التي يمرّ بها لبنان”.

وتابع غبريل: “لذلك، التطورات السياسية أو عدمها، مثل التأجيل المفاجئ للاستشارات النيابية، تؤدي إلى تداعيات على ثقة المواطن، وبالتالي تدفع به إلى السوق الموازية لشراء الدولار النقدي، إذ أنّه اليوم المصدر الشبه الوحيد للحصول على الدولار نقدياً”.

إلى ذلك، رأى الخبير الاقتصادي أنّه في حال تم تشكيل حكومة، مهمتها الأساسية ستكون بدء مسيرة الإصلاحات البنوية والاقتصادية والمالية، بحيث نتوقع أن تؤدي الإصلاحات إلى تدفق رؤوس الأموال من جديد، وبالتالي إلى ضخ سيولة في السوق المحلّي وتحسّن سعر صرف الليرة في السوق الموازية”.

لكن إلغاء السوق الموازي وتوحيد تعدد أسعار صرف الدولار بحسب غبريل يتطلب استعادة الثقة بشكلٍ مستدام، وهذا يتمّ فقط من خلال الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاحي. وأضاف، “أهمية هكذا اتفاق ليست فقط في ضخ الصندوق للسيولة تدريجياً في لبنان، ولكن في المصداقية التي يضفيها هكذا اتفاق على البرنامج الإصلاحي وعلى الالتزام والإنضباط بتطبيقه، وهذا ما سيشجع بدوره مصادراً أُخرى للتمويل مثل مؤسسات متعددة الأطراف وصناديق تنمية وصناديق استثمار وصولاً إلى القطاع الخاص، خصوصاً عندما تظهر نتائج الإصلاحات فعلياً على الأرض”.

الشرط الأساسي للوصول إلى هكذا نتيجة كما قال غبريل هو إيجاد إرادة سياسية وتوافق الأحزاب الأساسية على أولوية الإصلاحات وتفاصيلها وعلى الجدول الزمني لتنفيذها، “أما إذا لم تتوفر هذه الإرادة وإذا لم تصل الحكومة اللبنانية العتيدة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاحي، فسيبقى السوق الموازي للدولار وسيستمر البعض باستخدام هذا السوق للمضاربة بسعر صرف الليرة اللبناني”. وختم غبريل بأنّ استعادة الثقة هي المخرج لتحسّن سعر صرف الليرة أولاً، ولتوحيد أسعار صرف الدولار في السوق المحلي ثانياً”.

جباعي: رفع الدعم سيحدث كارثة اجتماعية

في المقابل علّق الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية د. محمود جباعي آمالاً كبيرة على استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة لإضفاء أجواء إيجابية على صعيد البلد ككل ما ينعكس إيجاباً على سعر صرف الدولار عبر خفص قيمته في السوق السوداء، لأنّ الأجواء الإيجابية في تسمية الحريري سوف تساهم في رفع الثقة بالاقتصاد اللبناني وبإمكانية تحسن الوضع المالي مستقبلاً”.

وأشار جباعي لـ”أحوال” إلى أنّ تعثر تأليف الحكومة واستمرار الخلاف السياسي سيدفع إلى مزيد من التأزيم المالي والاقتصادي والنقدي، ويضاعف احتمالات توجه مصرف لبنان لرفع الدعم عن السلع الأساسية للحفاظ على احتياطاته النقدية في المصرف المركزي”، محذراً من  آثار رفع الدعم التي ستكون كارثية على الوضع الاجتماعي وخاصة على الطبقات الوسطى”.

وبحسب الخبراء، فإنّ مؤشر إضافي سيؤدي إلى تراجع سعر الصرف وهو اعتماد مصرف لبنان آلية مصرفية جديدة وهي وضع سقوف للمصارف لسحوباتها من حسابها الجاري لدى مصرف لبنان بحسب ما أكد الحاكم رياض سلامة، مضيفاً: “وعند تخطي هذه السقوف تحتسب المبالغ المطلوبة من حسابات المصارف المجمدة لدى مصرف لبنان”. وهذا سيؤدي إلى تقليص حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في المصارف وبالتالي في السوق ما سيؤدي إلى تراجع الطلب على الدولار وبالتالي انخفاض سعره تدريجياً.

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى