صحة

مصادر وزارة الصحة لـ “أحوال”: الأدوية ستعود إلى الأسواق

"صيدلية حدودية" معبر لتهريب الدواء المدعوم إلى سوريا وغيرها

لعلّها المرة الأولى التي تلِج الدولة اللبنانية إلى مغاور الفساد في قطاع الصحة، وتحديداً في قطاع الدواء وسط أزمة كبيرة تضربه منذ فترة طويلة سيما بعد انتشار وباء كورونا في لبنان والنقص الحاصل في الأدوية والمعقمات والأدوات الطبية وغيرها. وما فاقم الأزمة أكثر هو توجّه مصرف لبنان إلى رفع الدعم عن المواد والسلع الأساسية ومن ضمنها الأدوية.

فالجولة التي قام بها وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال د. حمد حسن على عدد من الصيدليات ومستودعات الأدوية في البقاع أمس واستكملها اليوم في بعبدا، أظهرت الكثير من المخالفات والإحتكارات للدواء في ظل انقطاع واسع لعددٍ كبير من أصناف الدواء ومنها أدوية الأمراض المزمنة.

فهل تُشكّل جولة وزير الصحة خطوة على طريق إنهيار منظومة الفساد في هذا القطاع، أم أنّها إجراء عابر لا ينفك أن ينتهي مع تشكيل حكومة جديدة وتولي وزير آخر هذه الوزارة  الأكثر حساسية من بين الوزارات الأخرى؟

صيدلية على الحدود معبر للتهريب

مصادر معنية كشفت لـ”أحوال” أنّه وخلال جولة وزير الصحة تم اكتشاف في أحد المستودعات 40 ألف علبة من أحد الأدوية المفقودة  في السوق منذ فترة طويلة، مضيفة أنّ هذا المستودع  سلّم 800 علبة من الدواء نفسه لإحدى الصيدليات بالقرب من الحدود مع سوريا. كما كشفت المصادر أنّ كمية من الأدوية تُهرّب إلى سوريا ويجري الإستعانة بصيدليات قريبة من الحدود كممر ومعبر للتهريب.

إلا أنّ مصادر وزارة الصحة أوضحت لـ”أحوال” أنّ عمليات التهريب لا تقتصر على الحدود السورية – اللبنانية بل عبر مطار بيروت أيضاً وإلى دول عربية أخرى، وقد ضبطت عملية تهريب إلى مصر عبر المطار منذ فترة قريبة.  وشدّدت المصادر على أنّ وزارة الصحة ستتابع هذا الملف حتى النهاية للوصول إلى ضرب مافيات الأدوية وكسر الإحتكارات عبر جولات مكثفة على الصيدليات ومستودعات الأدوية للكشف على كميات الأدوية. ودعت إلى ترقب النتائج الإيجابية لكشف المخالفات لجهة توفر الأدوية التي فُقِدت في الأسواق.

التخزين والإحتكار أصل الأزمة

أُثيرت تساؤلات حول تركيز الوزارة على الصيدليات التي من الطبيعي أن تخزّن كميات من الأدوية لتلبية حاجات زبائنها باستمرار، فيما يجب التشدد باتجاه شركات استيراد الأدوية والتجار وأصحاب المستودعات الذين يزودون الصيدليات.

مصادر وزارة الصحة أوضحت لـ”أحوال” هذه الإشكالية مشيرة إلى أنّ مخالفة القانون بالإحتكار ليست بوجود كيمات مخزنة في المستودعات أو الصيدليات، بل تكمن في تمنّع تجار الأدوية كما الصيدليات عن بيع الأدوية للزبائن وتخزينها في المستودعات وحرمان المرضى منها أملاً بارتفاع أسعارها مع ارتفاع سعر الصرف الدولار فيحققون أرباحاً إضافية؛ وهذا يعدّ مخالفة يعاقب عليها القانون.

وأكدت المصادر أنّ جولات وزير الصحة ستشمل مناطق لبنانية مختلفة لن يعلن عنها، متوعدة بمزيدٍ من كشف المخالفات في قطاع الأدوية، ومشددة على أنّ الوزارة ستتابع ملف الأدوية وملفات صحية أخرى ذات أهمية للمواطنين لضبط عمليات الغش والإحتكارات والتهريب والتلاعب بصحة المواطن ولا غطاء على أي كان.

سكرية: “الصحة” محميات سياسية

في المقابل أوضح رئيس لجنة الصحة النيابية السابق الدكتور د. إسماعيل سكرية بأنّ خطوة وزير الصحة مهمة على الطريق الصحيح لمحاربة الفساد في هذا القطاع المسؤولة عنه “منظومة  التجار” المدعومة سياسياً، لكن الأهم بحسب سكرية هو متابعة الملف كي تصل الرسالة إلى كل من يتعامل بالملف الصحي بأنّ الأمور جدية.

ولفت سكرية إلى ضرورة اتباع المراحل في التدقيق بكمية الأدوية وتاريخ دخولها والكمية الموضوعة في السوق والمباعة الى المستفيدين بداءً من استيرادها والتحقق من المصرف المركزي والإدارة الجمركية من الفواتير والكشوفات إلى المستودعات الرئيسية ثم إلى الصيدليات. وتحدث سكرية عن تغطيات ومحميات سياسية لتجار وشركات الأدوية، كاشفاً عن عشرات قوانين وبنود إصلاحية  تطال قطاع الدواء سقطت في المجلس النيابي بسبب حظوة “الكارتيل” السياسي النيابي الطبي المتحكم بقطاع الصحة.

عراجي: لخطة طوارئ صحية وإلا

وفيما دعا نقيب ​المستشفيات الخاصة​ ​سليمان هارون​ الدولة إلى وضع يدها على المستشفيات بموجب قانون الطوارئ وتسيير الأمور، أيّد رئيس لجنة الصحة النيابية د. عاصم عراجي هذه الدعوة، داعياً عبر “أحوال” إلى خطة طوارئ صحية تشمل المستشفيات والمستودعات والصيدليات وكل ما يتعلق بالقطاع الصحي، “وإلا فنحن ذاهبون إلى كارثة وطنية”، ووصف عراجي جولة وزير الصحة بالجيدة، وقد سبق ودعا إليها مراراً في اجتماعات لجنة الصحة.

وكشف عراجي أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أبلغ لجنة الصحة بأنّه أعطى مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية 900 مليون دولار وفي مقارنة مع العام الماضي، تبيّن أن الملبغ نفسه؛ ما يؤكد حصول عمليات احتكار وتخزين وتهريب إلى تركيا والعراق وليبيا وسوريا ومصر. أما السبب بحسب عراجي فهو أنّ سعر الدواء في لبنان مدعوم، وبالتالي أقل ثمناً من دول أخرى فيجري تهريبه للإستفادة من فارق السعر. وكشف أنّ عدداً من المستوردين يخزنون كميات من الأدوية بالتعاون مع بعض أصحاب المستودعات وقلّة من الصيدليات، ودعا إلى اتخاذ إجراءات قانونية قاسية بحق المخالفين.

تحرّك قضائي

جولة وزير الصحة والفضائح التي ظهرت استدعت تحركاً فورياً للقضاء، فسطّر النائب العام الاستئنافي في ​البقاع​ القاضي منيف بركات، استنابات قضائية إلى ​الأجهزة الأمنية​ المختصة لإجراء التحريات والتحقيقات اللازمة لكشف ما إذا كان في محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل​، مخازن أدوية، والكشف عن أسماء التجار أصحابها، وما إذا كانوا يسلّ مون ​الصيدليات​ طلبياتهم منها أو يمتنعون عم ذلك.

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى