منوعات

شق طريق داخل محمية إهدن… قضيّة واحدة وروايتان!

هي سابقة تنتظر إجابات واضحة ومحدّدة، أو من المفترض مقاربتها بكثير من الجرأة، علَّنا نتيقَّن أننا في دولة يُحترم فيها القانون، بغضّ النظر عن حيثياتٍ وتفاصيلٍ متعلّقة بقضية “شق وتعبيد طريق في محمية إهدن الطبيعية”، من عدمه.

المسألة تخطت نطاقها كقضية بيئية، وباتت تتطلّب معالجة في السياسة، خصوصًا وأن قرارات القضاء لم تُحترم، وآخرها الصادرة للمرة الثانية تواليًا، بتاريخ 14 تشرين الأول 2020، حيث أصدر المدعي العام البيئي في الشمال، القاضي غسان باسيل، قراراً قضى بإيقاف أعمال “التزفيت” في المحمية، علمًا أن تلك الأعمال لم تتوقّف أساسًا منذ قراره الأول، ولكنها استمرّت بالرغم من تبليغ القرار للمتعهّد من قبل قوى الأمن الداخلي.

قضية واحدة وروايتان مختلفتان

ما يحصل في محمية إهدن يتطلّب توضيحًا من سائر القوى السياسية المعنيّة، ومن حكومة تصريف الأعمال ورئاسة الجمهورية، إلا إذا ارتضى المعنيون أن تُساس الأمور على قاعدة “كل مين إيدو إلو”، خصوصًا أن صدور قرار قضائي وُوجه بالقمع والتعدّي على المتظاهرين، من قبل من كانوا يستقلّون سيارات “مفيَّمة”، يعني أن ثمّة مخالفة قانونية تتخطى نطاق محمية إهدن، التي تُعتبر ملك جميع اللبنانيين كما سائر المحميات في لبنان، لتصل إلى التمادي في تبنّي القمع وضرب المحتجين والتعدي على الحريات العامة وأملاك الدولة.

معوّض: خذلتنا الدولة

في هذا السياق، قال المهندس رينيه معوض في حديث لـ”أحوال”: “لم يشفع لمحمية إهدن قراران قضائيان بمنع التعدي على حرمها، ليتم شق طريق يشطرها نصفين، حيث بادرت مجموعة من العمال، بحماية مسلحين، بتزفيت الطريق بعرض يتراوخ بين 8 و10 أمتار، علمًا أن هذه المحمية هي من أقدم المحميات وتمثّل غابات لبنان منذ ألف عام، وهي الأغنى لجهة التنوّع البيولوجي، فضلًا عن كونها ممرًا للطيور المهاجرة”.

من هنا، رأى معوّض أن شق الطريق يهدّد المحمية، مشيرًا إلى صدور قرار للمدعي العام البيئي، غسان باسيل، بدراسة الأثر البيئي والوقوف على رأي وزارة البيئة في هذا الخصوص، فضلًا عن قرار قاضي الأمور المستعجلة، طوني الحايك، الذي قضى بوقف التزفيت.

وانطلاقًا مما ذُكر، قال معوض: “هي معركة بين دولة القانون والقضاء المطلوب منها حماية الشعب اللبناني من جهة، وبين قوى الأمر الواقع التي تتبع الأسلوب “الميليشياوي” بالتعامل، من جهة اخرى”، خصوصًا أنه تم تزفيت الطريق بالقوة وكسر قرارين قضائيين، متخوفًا بالمقابل من أن يكون الهدف من هذا الطريق الوصول إلى القرنة السوداء من أجل إنشاء مشاريع تجارية قد تدمّر المنطقة من الناحية البيئية، مع تهديدها لخزان المياه الجوفية.

وختم معوّض كلامه بالقول: “ليس لنا أي طموح سياسي، هدفنا الوحيد المحافظة على ماضي وحاضر ومستقبل هذه المحمية، لنا وللأجيال المقبلة، في الوقت الذي خذلتنا الدولة”.

شاهد عيان

من جهة أخرى، قال شاهد عيان، كان متواجدًا في المكان أثناء حصول الحادثة، لـ “أحوال”: “وقف ما يقارب عشرين مسلحًا، تابعين لتيّار معين، في وجه مجموعة من الناشطين، الذين لا يزيد عددهم عن ثمانية، وأمعنوا فيهم ضربًا وأقدموا على تكسير مركباتهم، كما حطموا هاتف أحد الناشطين، ليتم توقيف الناشط المهندس بولس الدويهي ونقله الى طرابلس للتحقيق معه، بتهمة “التظاهر والإعتراض على تزفيت محميّة إهدن”، في حين لم يتم اتخاذ أي إجراء بحق المعتدين.

الحركة البيئية

من جهتها، أصدرت “الحركة البيئية اللبنانية” بيانًا قالت فيه: “بعد الاتصال بمكتب وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، د. دميانوس قطار، تبيّن أنه لم يوقّع أي قرار يسمح بتزفيت هذه الطريق، وبالتالي لم تتبلغ القوى الأمنية بالأمر”، مضيفة: “تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من المدنيين تقف عند مدخل المحميّة وتعمل على حماية شاحنات الزفت على مرأى من القوى الأمنية، كما تقوم هذه المجموعة بالاعتداء على الناشطين البيئيّين وعلى سياراتهم”.

وتساءلت: “من الذي أعطى الأمر بالتزفيت، وما هو مصير دولة القانون والمؤسسات في لبنان؟”، مطالبة “الجيش اللبناني بحماية أرض لبنان وسيادته خاصة، خصوصًا أن محميّة حرش “إهدن” هي من أهم المحميات الطبيعية في لبنان، وتقع في جبال لبنان العالية الحساسة بيئيّاً”.

الناشط بولس الدويهي

وفي السياق، قال الناشط بولس الدويهي لـ”أحوال”: “تم القبض عليّ من قبل مخابرات الجيش، علمًا أننا أردناها تظاهرة سلمية، ولم نرد أن نثير مشاكل، فجلسنا على الأرض أمام المركبات التي تنوي تزفيت الطريق، وأبلغنا القوى الأمنية التي لم تأتِ إلى المكان، في حين قام مسلحون بالتعرض لنا”، مضيفًا: “يبدو أن هناك أمر بالتزفيت ولو بالقوة، حيث ضرب المعتدون القانون “عرض الحائط”، كسروا سياراتنا واعتدوا علينا”.

رئيس بلدية زغرتا – إهدن

توازيا، تواصل موقع “أحوال” مع رئيس بلدية زغرتا – إهدن، أنطونيو فرنجية، الذي أوضح أن الطريق موجودة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتُعتبر صلة وصل بين إهدن وجرد إهدن والقرنة السوداء، وتقع على مدخل المحمية وخارجها، أي في مداها الحيوي، مشددًا على أنهم حريصون على المحمية ولا يقبلون بأي أمر قد يضرّ بيئتها مهما كان.

ومنعًا للالتباس، شرح فرنجية الأمر بالتفصيل في حديثه لموقعنا، حيث قال: “أتى القرار من وزارة الأشغال بالتزفيت منذ العام الماضي، وتم تلزيم المتعهد أنطوان مخلوف بالأشغال، مع عقد للنفقات منذ شهرين، وقد وافقت عليه إدارة المحمية منذ سنتين، برئاسة سيزار باسيل، الذي ناشد الوزير السابق سليمان فرنجية، لتسهيل عمل السياحة البيئية”.

أما لدى سؤاله حول اتهامه بأن الطريق التي يتم شقّها تأتي لخدمة منتجع من المنوي إنشاؤه في القرنة السوداء، أكد فرنجية أن منطقة القرنة أرض مشاعات، جازمًا أنه لا يعطى ترخيص فيها، وليس هناك أي نية ببناء أي منتجع أو أي بناء آخر”.

وفي ما يتعلّق بالحادث الذي حصل في المحمية، واستدعائه إلى المخفر، أشار فرنجية إلى أن سبب الاستدعاء هو أن المدعي العام طلب أخذ إفادته، طالبًا إيقاف التزفيت لمراجعة تقييم الأثر البيئي ورأي وزارة البيئة في الموضوع، واصفًا ما حصل بـ”الإشكال الفردي”.

تأييد تعبيد الطريق

وعلى خطّ آخر، رأت الإعلامية ماريان عبد الله، أن تعبيد الطريق في المحمية ضروري، فقالت في حديث لـ”أحوال”: “أنا من رواد المحمية بشكل يومي، وخصوصًا في الصيف، وهذه الطريق توصل لعدة مناطق، وهي خارج المحمية، وأعتقد أن عملية تزفيتها ستكون لمصلحة المحمية حيث ستسهّل عملية وصول السواح إلى مناطق المحمية والجرد، بحيث تتمكن المركبات العادية وليس ذات الدفع الرباعي فحسب بالوصول إلى المكان”، لتؤيدها إحدى الناشطات التي فضلت عدم ذكر اسمها، بالقول: “طالبنا مرارًا بتزفيت هذه الطريق التي تمر بطريق الصليب بإهدنن وصولا إلى منطقة “المواحير” للتخييم، فهي طريق حيوية لخدمة المحمية، شرط أن يتم المحافظة على بقائها نظيفة، وعدم التعدي على المحمية الطبيعية”.

سوزان أبوسعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

ناشطة وصحافية لبنانية. مجازة في التحاليل البيولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى