منوعات

تقنين السحوبات بالليرة: مزيد من الكابيتال كونترول على المواطن

أصدر مصرف لبنان الأربعاء في 14 تشرين أول بياناً يوضح فيه الآلية التي اعتمدها حول سقوف المبالغ بالليرة اللبنانية التي يمكن سحبها من مصرف لبنان، بحيث تم وضع سقوف للمصارف لما يمكن أن تسحب من حسابها الجاري لدى مصرف لبنان، وعند تخطي هذه السقوف تحتسب المبالغ المطلوبة من حسابات المصارف المجمدة لدى مصرف لبنان، بالمقابل، هذا السقف لا يطال المبالغ الممكن سحبها من مصرف لبنان، حيث يكون مصدر التمويل لهذه السيولة مختلفاً، ما يعني أنّه من الممكن أن يتم السحب من الحساب الجاري لحد سقف معين، وما يفوق هذا السقف من شهادات إيداع او من الودائع لاجل”، هذا البيان الذي أحدث بلبلة بين صفوف المواطنين وخوفاُ على ودائعهم وسحوباتهم بالليرة اللبنانية.

اهتراء الوضع المالي والنقدي

وإن كان مصرف لبنان كما يظهر في تعميمه، لم يحدد نظرياً سقوف سحوبات المصارف التجارية بالليرة اللبنانية، حيث تستطيع الأخيرة أن تسحب – في حال تخطي السقوفات المسموح لها من قبل مصرف لبنان من حساباتها الجارية- ما تشاء من المبالغ من حساباتها المجمدة لدى مصرف لبنان، هذا نظرياً صحيح ويظهر عدم تحديد سقوفات السحب للمصارف. ولكن عملياً، إذا وصلت المصارف التجارية في سحوباتها للسقف المحدد لها من حساباتها الجارية فهي ستتوقف عنده ولن تكمل سحب حاجاتها من الحسابات المجمدة تجنّباً لخسار الفوائدة الناجمة عن هذه الودائع المجمدة، والتي هي الآن تشكّل أهم مصدر من مصادر ربح المصارف، وستقوم هذه المصارف بتحديد سقوفات سحب الليرة على المواطنين. وهنا نحن أمام نفس المشهد بين المصارف من جهة ومصرف لبنان من جهة أخرى ضمن لعبة ” القط والفأر المشهورة” ومحاولة كل فريق قذف عبء المسؤولية على الآخر، حيث يلقي مصرف لبنان عبر بيان التوضيح هذا عبء تجفيف السيولة على المصارف التجارية وتصبح بالتالي هي المسؤولة عن شحّ السيولة بين أيدي المواطنين، وهو نوع من أنواع اللف والدوران، يعكس حالة اهتراء الوضع المالي والنقدي.

تأثير الآلية على مستوى المعيشة

لا شك أنّ تجفيف السيولة بالليرة سيؤثر في الكتلة النقدية المتداولة والتي تجاوزت 24 تريليون ليرة لبنانية، وبالتالي في الطلب على الدولار ولكن تأثيره على سعر صرف الليرة سيكون محدوداً؛ فعوامل التأثير الفعلي والحقيقي على الطلب تبدأ من الميزان التجاري والموازنة العامة لذلك المعالجة الحقيقة تبدأ من معالجة الخلل في الميزان التجاري ووضع العجز في الموازنة العامة. ومن المؤكد أنّ معيشة الناس وقدرتهم على تلبية حاجاتهم في ظل انخفاض السيولة بين أيديهم ستتأثر، والمتضرّر الأكبر سيكون موظفو القطاع العام. والأخطر من ذلك كله أننا نرسّخ بهذا الأمر أولويات الأنظمة الإشتراكية وإجراءاتها وندقّ مزيداً من الأسفين في نعش نظامنا الليبرالي الحر. وعلينا أن نؤكد أنّ تحديد سقوفات السحوبات وتقييدها على المواطنين هو في صلب عملية الكابيتال كونترول، الأمر الذي يحتاج إلى تشريع من مجلس النواب، ولكن الطريقة التي قام بها مصرف لبنان هي التفاف عليه. بل إنّنا نخالف الدستور اللبناني وكفالة حريتنا وتصرفنا في أموالنا كيفما نشاء وفق القوانين المرعية، حيث نصّت الفقرة “و” من مقدمته على أنّ:” النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الفردية” أي الدستور يحمي كل أنواع الملكيات ومنها الودائع في المصارف. كما تنص المادة 15 منه على أنّ:”الملكية في حمى القانون، فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عنها في القانون، وبعد تعويضه منه تعويضاً كاملاً”، فهذا التقييد في السحوبات فيها نوع من أنواع نزع ملكية الأفراد.

 

أيمن عمر

كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية له العديد من الأبحاث والمؤلفا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى