منوعات

13 تشرين 1990 كبوة أم نكبة؟ مساعي حردان و”فخّ” اجتماع كنعان

47 دقيقة على بدء الهجوم السوري صباح ذاك السبت في 13 تشرين الاول 1990 على المناطق التي كان يسيطر عليها العماد ميشال عون، كانت كفيلة بإعلانه الإستسلام من السفارة الفرنسية التي لجأ اليها في الحازمية وتسليم الإمرة العسكرية للعماد إميل لحود.
47 دقيقة أكانت قضت على حالة “تمرّد” أو حالة “مقاومة”، أكانت نتيجة “مؤامرة كونية” أو “مغامرات وحروب عبثية”، النتيجة واحدة طي صفحة الحرب اللبنانية بوجهها العسكري فيما تردداتها إستمرت سياسياً وربما حتى اليوم.
47 دقيقة قضت على منطقة “محرّرة” بنظر المسيحيين، إستبسلوا دفاعاً عنها ونجحوا بإخراج السوري منها بعد حرب المئة يوم التي إندلعت في 1 تموز 1978 في الأشرفية وما سبقها من مواجهات متنقّلة أبرزها حادثة الفياضية في 7 شباط من العام نفسه. كل ذلك بعدما قضت الحروب التي خاضوها بين العامين 1988 و1990، أكان حرب “التحرير” او حربي “14 شباط” والإلغاء” على قدراتهم العسكرية ومقواماتهم الإقتصادية وأضعفتهم ديمغرافياً جراء حجم الهجرة. لذا دخلوا زمن الطائف منهكين قبل أن يتحوّل الى الزمن السوري في لبنان بإمتياز مع تبدّل موازين القوى بعد الإجتياح العراقي للكويت وتلزيم نظام الاسد لبنان مكافأة على إنضمامه الى التحالف الدولي لتحرير الكويت وبحثاً عن شرطي في المنطقة.
فهل 13 تشرين 1990 كان كبوة أم نكبة؟! هل هو نتيجة قراءة ورهانات خاطئة للجنرال عون وقتها؟! ماذا يقول من كان في قلب الحدث يومها وعضواً في مكتب التنسيق المركزي الذي شكل الخلية الرئيسة التي اعتمد عليها الجنرال في إستقطاب الشارع والترويج لمشروعه وشبك العلاقات. عودة بالذاكرة مع عضوي مكتب التنسيق يومها عبد الله قيصر الخوري وعُباد زوين.

جولة من ضهور الشوير حتى عينطورة عشية 13 تشرين

“العمل العسكري لإغتيالي ما بيخوف. اذا بدها تنتهي، تنتهي بالمجد مش بالعار  والرذيلة” و “خيارنا هو المقاومة ولا يمكن أن نقبل بأي مشروع إستسلامي، سنجعل المواجهة صعبة وكلفتها غالية جداً بشكل ما حدا يجرب يقوم بحسم عسكري، بدنا نحارب حتى النصر”، هذه هي خلاصة مواقف عون في 12 تشرين الاول عشية العملية.
لكن بالتوازي، قنوات تواصله مع سوريا وحلفائها كانت نشاطة خلال ذاك النهار، فخوري كان مساء 12 تشرين في ضهور الشوير بناء على طلب قيادة الحزب “السوري القومي الاجتماعي” عقد لقاء على وجه السرعة.
يقول خوري: “اللقاء جرى بعلم ورضا وإرادة الجنرال عون من أجل خدمة مشروعه. فقد كنت عضواً في مكتب التنسيق الذي تمتع أفراده بعلاقة مباشرة مع الجنرال، وكل الإتصالات التي قمنا بها هي بطلب منه وسعياً لقيام مفهوم الدولة التي افترضنا أنه كان يمثلها. أرسلوا لي مواكبة لتأمين مروري عبر معبر الدوار المغلق. بعدها قمت بجولة مع عميد الدفاع يومها أسعد حردان من ضهور الشوير حتى عينطورة ورأيت بأم العين الأعداد الكبيرة للدبابات السورية. الغاية من ذلك، كانت إبلاغي بشكل غير مباشر عن التعزيزات العسكرية السورية التي كانت قائمة على الجبهة. سألوني هل بإمكانكم تشكيل وفد لزيارة عبد الحليم خدام من أجل وقف العملية العسكرية المرتقبة للاطاحة بالجنرال، فقلت لهم لست مخولاً بالاجابة وعلي مراجعة العماد عون. حينها ذكّروا بأن موعد الاجتماع مع اللواء غازي كنعان في شتورا صبيحة 13 تشرين ما زال قائماً، على ان يضم الوفد روجيه عزام وبيار رفول بعدما رفضت دعوة “القومي” للمشاركة لأنني لا أستسيغ الجلوس مع السوريين. كذلك، أوحوا إلي بأنهم سيدخلون مع الجيش السوري عند ساعة الصفر، فتمنيت ألا يدخلوا بحالة إنتقامية من عائلات من كانوا ينتمون الى الكتائب والقوات اللبنانية. الموعد كان للتضليل ولجعلنا نتوهم أن العملية مؤجلة لأنه كان موعد الهجوم. لذا فور عودتي الى المنزل الساعة 3 صباحا تعذّر علي الإنتقال الى بعبدا بسبب أزمة ربو، فطلبت من عزام الدخول الى جناح عون على وجه السرعة وإعلامه بالطرح”.
زوين الذي يؤكد أن 13 تشرين جرح كبير لم ولن يلحم، يشاطر خوري الرأي ويقول: “الاجتماع في شتورا في 13 تشرين كان ضمن توزيع الأدوار لتضليلنا عن ساعة الصفر. الجنرال كان يشعر بأن الجو ضاغط جداً”.
تجدر الإشارة الى أن رفول أكّد هذه الواقعة في حديث صحافي في 13 تشرين الاول 2019، إذ قال: “قبل ما يقارب الـ 10 أيام من 13 تشرين الأول 1990، وصلت إلى قصر بعبدا رسالة من الحزب السوري القومي الإجتماعي، يدعو فيها بالنيابة عن النظام السوري العماد عون لزيارة سوريا في سبيل الوصول إلى حل سياسي. حينها لم يمانع العماد عون من تلبية الدعوة، وتقرّر إرسال وفد من ثلاث شخصيّات في موعد حدّده السوريون وهو 13 تشرين الأول”.

صباح “السفارة” والقوميون في الخدمة!!!

“عدت من بعبدا عند الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل حيث إنتظرنا لمعرفة حقيقة محاولة الاغتيال التي جرت أمامي في ساحة القصر على يد فرنسوا حلال”، يقول زوين ويضيف: “إستفقت على القصف صباحاً فحملت سلاحي وهممت بالخروج من المنزل الذي كنت أقيم فيه في نيو روضة، إلا أن زوجتي أخبرتني أن لا جدوى من ذلك لأنهم وصلوا الى أحيائنا”.
أما خوري، فيروي: “حين شاهدت الطيران عند الساعة 7:30 صباحاً، أدركت أن الهجوم بدأ فرحت أرطم رأسي بالحائط وإنفجرت من الغضب. لكن سرعان ما تماسكت، لأنني كنت أدرك ما ينتظرنا. عند الساعة 10 صباحاً، كنا تأكدنا ان الجنرال أصبح منذ الصباح في السفارة، فإكتمل نصاب مكتب التنسيق المركزي في منزلي في قرنة الحمرا. ما هي إلا لحظات حتى وصل وفد قيادي من “القومي” برفقة عشرات المسلحين ووضعوا نفسهم بالتصرف. قالوا لي إن أي دور أرغب بلعبه مرحّب به. لكن لم يكن هذا طموحي بل كان كل همي أن تنتصر قضيتي. بعدها بدأ توافد مناصري الجنرال الى بيتي وإنهمرت علي الاتصالات وسط الضياع، فقلت لهم نحن مستمرون في النضال كأن شيئا لم يحصل، ربما يغيب القائد ولكن القضية تستمر. بقيت على تواصل مع الجنرال في السفارة من السبت حتى الاربعاء. بعد 13 تشرين بأسابيع، قطعت علاقتي بجماعة سوريا حيث كان جماعة حبيقة والقوميون يريدون أن يرثوا شعبية ميشال عون ولكن لم اعطِ هذا الشّرف لأحد”.

خوري: 13 تشرين أكبر إنهزام لمسيحيي الشرق بعد بيزانطية

يرى خوري أن “13 تشرين هو أكبر إنهزام لمسيحيي الشرق بعد سقوط بيزانطية عام 1453 وما زلنا نعيش نتائجه حتى اليوم”، ويضيف: ” الحيثيات الموجعة لـ 13 تشرين تنعش الذاكرة ولا تطمس الذاكرة الجماعية للشعوب، “النظام السوري” حاول الإطباق بالكامل على العصب الماروني بعد ثلاثين سنة من تصفية الحسابات، ونجح بإنتزاع الحرية والكيانية من آخر بقعة في هذه الصحراء أي ما كان يعرف بالمنطقة الشرقية. السوري قام بفتح وليس بإحتلال وإنتهك حرمة المقدّسات لدى المسيحيين وتحديداً الموارنة وهي القصر الجمهوري وقيادة الجيش”.

زوين: انا “موتور” مازوت ولم أتأثر بـ13 تشرين”

يعتبر زوين أن 13 تشرين لعبة أمم ودول أكبر منا، مضيفاً: “لدينا شعب يدعي الفهم والحضارة وهو متخّلف، “بدل ان يهتم بالبرنيطه يهتم بالصبابيط”، معياره فردي وعاطفي أكثر منه عقلاني ويسعى لتحقيق الهدف. الشعب مضروب بأمراض كثيرة لذا وقف نصفه ضد الجنرال عون يومها”.
وعن الدفع الذي أعطاه له 13 تشرين للإستمرار بالنضال، أجاب زوين: “لم يعطنا أي دفع، فهذا نمط حياة ادركته وأحضّ الناس عليه. المسألة ليست مزاجية أقاوم او لا أقاوم، فحين أتوقف عن التنفس أتوقف عن المقاومة. الأمر ليس مرجلة ولا بطولة. انا “موتور” مازوت استمر بنفس السرعة ولم أتأثر بـ13 تشرين”.

إرتباط عون الوطيد بالنظام السوري يدفع خوري للإستقالة

خوري من مؤسسي “التيار الوطني الحر” وقد إختير الإسم في منزله خلال إجتماع ترأسه القاضي يوسف سعد الله الخوري وكان من بين الحضور اللواء نديم لطيف، الدكتور وائل خير، حبيب شارل مالك، الدكتور كميل خوري، حكمت ديب وجورج حداد. لكن عام 2003، حين إكتشف إرتباط الجنرال عون الوطيد بالنظام السوري عبر إتصالات يقوم بها الإستاذ فايز قزي، إستقال من “التيار” وكان مدير التعبئة العامة حينها وقطع علاقته بعون الذي زاره أكثر من مرة في منفاه الباريسي.
يقول خوري: هذا الرجل إمتشق في العام 1988 لغة الجبهة اللبنانية بادئ ذي بدء واستطاع “غش” أكبر عدد من المسيحيين. وهذا ما دفعنا الى دعمه بالمطلق. للأسف تبيّن لي لاحقاً أنه ملحق بسوريا بإمتياز وبراغماتيكي بشكل فاقع. من أجل مصالحه لا يتورّع عن تدمير شعبه بشكل كامل. لا علاقة له بالمارونية التاريخية، لقد إنكشف على حقيقته. إنه يعمل على كل الخطوط في آن، فيومها عام 2003، كان يفتح خطوطاً مع نظام الاسد وفي الوقت عينه كان يسعى الى صدور قانون محاسبة سوريا ويقدّم شهادته في مجلس النواب الأميركي. فيما بعد دمّرت حالة عون – باسيل التيار بقيمه ومبادئه وأسباب إنشائه”.
أما زوين، فيعلّق على رافقه الذين عاشوا 13 تشرين وتركوا “التيار” اليوم، قائلاً: “لله معهم والله لا يردهم، لسنا بحاجة الى العيش مع الهبل. لا يحق لي ان ألبّس الشخص المسؤول أحلامي. لقد سقطوا ولا يؤثرون على مسيرتنا. هل نقص زخم الحالة العونية وهل خف العمل؟”.
إلا ان خوري يأسف الى أن “هناك بعضهم من جيله عايش 13 تشرين، لكنه قرّر أن يزوّر الوقائع من أجل إعطاء الاولوية لمصالحه الخاصة مثل معلمه على حساب غياهب ظلمات تلك المرحلة للأسف. كما أن هناك قسماً إنضم الى الجنرال بعد العام 2005 وربما قرأ عن 13 تشرين ولم يعشها”.

زوين: ثقتنا مطلقة بشخص ميشال عون مهما فعل

رداً على سؤال عن شعوره لدى زيارة العماد عون للمرة الاولى سوريا وعدم إثارته ملف المعتقلين لديها، يعتبر زوين أن “هناك خطأ بمجرد طرح هذا السؤال، إذ لا يمكن التعاطي بالسياسية والعواطف في آن. عواطف الكره والحب والإعجاب يجب ان تنساها كلها لمصلحة قضيتك”.
يضيف: “ثقتنا مطلقة بشخص ميشال عون ولا يتغيير موقفنا منه أبداً مهما فعل. عرفناه بأصعب الظروف والأوقات. لذا لا أتوقف عند زيارة سوريا او توقيع اتفاقية مار مخايل. بالطبع هؤلاء رفاق ومصيرهم ودمهم غلي علي كما دم الشهداء ولكن لا أسمح أن يضيّع وجعي – مهما كان كبيراً – عقلي. العماد عون ما زال يسير في خط القضية، فهل مطلوب ان نتحالف فقط مع الملائكة في السماء”.
كما يعتبر زوين أن “شهداء 13 شهداء القضية، واذا كان الناس لا يدركون أنها قضية حرية واستمرار ووجود “عمرهم ما يفهموا لحفض القرد”. لا نستطيع توزيع حبوب فهم. إنهم لم يستشهدوا حزبيين ومن أجل أن يسيطر العونيون بل كي تربح القضية. كنا نقاتل من أجل بقاء الوطن”.

خوري: عون فرّط بالمسيحيين

يعتبر خوري أن إثنين فرّطا بالعذرية الكيانية للمسيحيين الياس حبيقة وميشال عون، ويضيف: “لكن الجنرال أخطر، فهو كان يمثل صورة الشرعية ويشكل حالة أهم ويمتلك قواعد شعبية أوسع بكثير”.
ورداً على سؤال، يجيب: “لم أتفاجأ أن عون صعد و”حاشيته” الى الشام بطائرات الاسد ولم يتطرق الى ملف المعتقلين في السحون السورية. إنه فاقد لكل مقومات الكيانية والإنسانية. كيف لي أن أسأل من ترك جيشه” في عزّ المعركة عن مصير المعتقلين في السجون السورية؟ لكن سوف نسأل عن مصيرهم الى أبد الآبدين، فلم نعتاد على تجهيل الفاعل أو طمس الحقيقة. بعد العام 2003 لم أعد أتفاجأ من تصرفاته لا بطلعته الى سوريا ولا بإتفاقه مع السلاح غير الشرعي في مار مخايل”.
يرى خوري أن “ورقة مار مخايل وزيارات عون الى سوريا هي وقود لمصالحه التي تعلو على القيم”، ويضيف: “أنا واثق أنه لو ادرك الناس في العام 1988 أننا سنصل الى هذه النتيجة من قبله وقبل صهره لما كان أحد ناضل أو قاتل”.
ختم خوري: “شهداء 13 تشرين بالفطرة والشجاعة والادمية هم شهداء الكيانية اللبنانية، إنهم شهداء تخازل قيادة ميشال عون وغدر قيادة الاسد”.
ثلاثون عاماً مضى على 13 تشرين وملف المعتقلين والمفقودين في ذلك النهار جرح لم يندمل. ثلاثون عاماً واللبنانيون مقسومون بين من يصفه بـ “يوم مجيد” ومن يعتبره نتيجة حتمية لممارسات “رجل عنيد”.

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى