مجتمع

“أحوال” يلتقي زوجة أحد ضحايا طريق الجديدة وشقيقة مالك المبنى المنكوب


لم تستفق طريق الجديدة من صدمة انفجار مساء الجمعة الماضي بعد، لا تزال المنطقة تعيش وطأة الكارثة التي حلّت بها، وأسفرت عن ضحايا بين قتلى وجرحى لا زالوا يتلقّون العلاج في المستشفيات.

من ضحايا الانفجار سالم الحمصي، الشاب الأربعيني والأب لولدين، تروي  زوجته منال سوبرة  لـ “أحوال”، تفاصيل الليلة المشؤومة، التي فقدت فيها زوجها ونجا ولداها بأعجوبة، وتورّط شقيقاها حسين وعبد سوبرة صاحبا المبنى وتمّ تحميلهما مسؤوليّة الانفجار.

تقول منال لـ “أحوال” إنّ القدر لم ينصف زوجها الموظف في “بنك ميد”، ليفارق الحياة بإنفجار ناتج عن عملية “صيانة” تؤكّد أنّها كانت ضرورية، لكنها سارت بشكل خاطئ فأدّت إلى كارثة لم تلملم آثارها بعد.

“أنتم أول ناس أتحدث اليهم”، تقول منال والدموع في عينيها، متذكرة ليل الجمعة الذي قلب حياتها وحياة عائلتها رأساً على عقب.

وتضيف: “”لم يعد لدينا سند. عامود البيت راح. كنت في المنزل، وما إن وصل زوجي إلى مدخل البناية حتى جرى ما جرى. لقد مات سالم على الفور”.

تتذكر منال، أن كابينة المصعد “طارت من مكانها ودخلت إلى البيت من قوة الضغط. طفلاي كانا خارج البيت وهما بصحة جيدة، وأنا تضرّرت من تنشقي للدخان لكنّي اليوم بصحة أفضل”.

تتنقّل منال اليوم مع طفليها بين شقيقتها وأهل زوجها في طريق الجديدة، لأن بيت العائلة الصغيرة التي حلت به الكارثة لم يعد صالحاً للسكن، إذ أنّ النيران التهمته ولم يبقَ من الأثاث أو معالم البيت شيءٌ يذكر”.

بين خسارتها لزوجها “الشاب الخلوق والزوج الحنون”، وبين المسؤولية التي يتحمّلها شقيقاها عما جرى، تقول منال: “لا أحمّل المسؤولية لأحد ولا ألوم أحداً”.

تسلم منال أمرها إلى الله، وتقول إن ما حصل “قضاء وقدر”. لأن إنفجار مرفأ بيروت “تسبب بأضرار في باب المستودع في المبنى الذي تقطنه تطلّب إصلاحه، لكن اثناء عملية الصيانة خرجت شرارة لتصيب خزان المازوت”، مضيفة أن وجود الخزان كان لتشغيل مولد الكهرباء في البناية، وأن تخزين المحروقات يعود إلى أزمة المازوت “كي لا ينفد وننقطع من الكهرباء”.

وفي هذا السياق، توضح أنها وشقيقتها وشقيقها يتقاسمون السكن في ثلاثة شقق في البناء نفسه. وأن ما يتداول عن نية ما لشقيقها في إحداث هذه الكارثة لا يعدو كونه ظلماً، لأنّ “من لديه نية بإيذاء الناس لا يضع محروقات تحت سكنه ويعرّض نفسه وعائلته للموت أيضاً”.

كل ما تعرفه منال اليوم أن ناطور المبنى توفّي مع عامل “التلحيم” في المستودع، في حين أنّ الدفن ينتظر تحديد موعده بناء على نتيجة فحوص الحمض النووي لتحديد هوية كل ضحية.

طبيب الطوارىء محمد الحارس: لم أر هذه المشاهد من قبل

لطبيب الطوارئ الدكتور محمد الحارس حكاية أخرى. إنها حكاية من هم على الجانب الآخر من الكارثة، ويتعاملون مع نتائجها بمسؤولية وحيطة وتضحية لا تقل مثيلاً عن متطوعي الدفاع المدني وفوج الإطفاء، وحتى الناس الذين هرعوا للمشاركة في عملية الإنقاذ.

دموع الطبيب صارت حديث مواقع التواصل، بعد ظهوره باكياً وهو يحمل طفلة جريحة بين يديه.

يروي الحارس تفاصيل ذلك المساء الحزين لــ “أحوال”، قائلاً إنه “كان يوم عطلة وأنا أسكن في منطقة الرملة البيضاء، اتصلوا بي من مستشفى المقاصد، هرعت إلى المكان ولم أستطع الدخول بسيارتي نتيجة الإزدحام، فركبت دراجة نارية وتابعت طريقي”.

وصل الطبيب إلى قسم الطوارئ حيث يناوب عادة، وكان الجّرحى قد بدأوا يصلون.

“كان قد وصل أوّل جريح، ثم جاءت مجموعة من الأطفال الجرحى من تطاير الزّجاج، وكان هناك طفل فقد أحد أصابعه”. أمّا كبار السن فكانوا على حدّ وصفه “بيحرقوا القلب”، وكذلك الرضّع “حروقهم من الدرجة الثالثة”.

في المحصلة، يرى الدكتور الحارس، وهو طبيب طوارئ منذ تسع سنوات، أن ما شاهده في مستشفى المقاصد “أكبر بكثير” مما عاينه شخصياً بعد انفجار المرفأ. “كان مشهداً مريباً. في انفجار المرفأ رأيت إصابات طفيفة، أما في حادثة طريق الجديدة فقد شاهدت أناساً بأوتار وشرايين مقطوعة”، يقول لــ “أحوال”.

وفي حين لم يستوعب قسم الطوارئ كل الجرحى، فقد اضطر الحارس لنقل ثلاثة أولاد جرحى على الدراجة النارية إلى مستشفى اوتيل ديو والجعيتاوي، وآلات التنفس على وجوههم وهم يصرخون ويبكون ويردّدون أنّهم يريدون أهلهم.

وبحسب حديث الحارس لــ “أحوال” “لم نكد نخرج من صدمة إنفجار المرفأ حتى دخلنا في صدمة أخرى مساء الجمعة”..

ويأتي ذلك في ظل مشكلة النقص في المستلزمات الطبية، والتي “لولا المساعدات الي أتتنا من “جمعية بيروت للتنمية”، ما كنا لنقدر على إسعاف عدد كبير من الجرحى. خاصة أن “المقاصد” أخرجت في حينها كل ما في مستودعاتها من مستلزمات طبية”، بحسب الدكتور الحارس الذي يؤكد أن الازمة الأكبر ستكون بعد فترة “حيث سيضطر الجرحى إلى متابعة العلاج وتأمين أدوية”، علماً أن الإنفجار “وقع في حي سكني فقير جداً، وبعض سكانه لا طاقة لهم بتحمل تكاليف العلاج. أتذكر أن من بين الجرحى امرأة لم يكن معها ما تدفع لسيارة أجرة لتعود إلى بيتها”.

رغم كل ما قام به الطبيب الحارس. فإن ثمة لبنانيين لا همّ لهم إلا تشويه أي مبادرة فردية، وذلك بدق أسافين السياسة البغيضة في العمل الإنساني. فقد هوجم حريص من قبل البعض عبر مواقع التواصل، وتم التداول بصور له مع سياسي لبناني، لكن حريص يرد عليهم عبر “أحوال” قائلاً: “مهنتي كطبيب لا طائفة لها، ولا إنتماء سياسي لي. أنا أسعف أي كان ولأي طائفة انتمى”.

 

نانسي رزوق

صحافية منتجة ومعدة برامج تلفزيونية وأفلام وثائقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى