منوعات

 ثلاثة حلول لرفع الدعم وتكوين احتياطي جديد     

طفت على السطح في الآونة الأخيرة، من بين ركام الأزمة المستفحلة، قضية احتياطي مصرف لبنان من الدولار، وما يترتّب عنها من تداعيات اقتصادية ونقدية تمسّ بشكل مباشر معيشة اللبنانيين فيما يخص دعم استيراد القمح والطحين والدواء والبترول.

ولا نستطيع أن نفصل بين كل ما يجري من أزمات اقتصادية ومالية ونقدية مستفحلة عن الأسباب سياسية؛ فالحلّ مرهون إذن بالتوافق السياسي والحلول السياسية -وإلاّ تصبح كل الحلول والخطط  مجرّد نظريات فارغة من محتواها العملي- بل أكثر من ذلك، بفعل سحر ساحر وبكبسة زر ستختفي جميع هذه المشاكل من وصول الاحتياطي إلى الخطّ الأحمر إلى رفع الدعم وغيرها من المشاكل، هذا إذا سلّمنا جدلاً بأرقام حاكم مصرف لبنان التي تفتقد إلى الشفافية. في خضّم كل ذلك، ولحين حصول هذه التسويات، لا بدّ من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بلجم الأزمة ومعالجة لو القليل من تداعياتها المعيشية.

فما هو الاحتياطي من العملات الصعبة؟ وأين تكمن أهميته؟ وما هو الحل؟

 

احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية

في المبدأ تتألّف هذه الاحتياطيات من الاحتياطي الإلزامي، وهي نسبة من الودائع تضعها المصارف التجارية في مصرف لبنان وفق نسب يحددها القانون بشكل إلزامي، وودائع تضعها المصارف في مصرف لبنان، وأموال مصرف لبنان الخاصة بالعملة الصعبة، وودائع الدول أو المصارف المركزية الأخرى في المصرف المركزي. يُضاف إليها ما يملكه  المركزي من احتياطي الذهب، ووحدات حقوق السحب الخاصة، فضلاً عن صافي مركز الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي. وتأتي أيضاً العملات الأجنبية من الدولار واليورو وغيرها من عمليات التصدير للسلع أو الخدمات التي تقدم إلى الخارج، بالإضافة إلى حوالات المغتربين والسوّاح الأجانب والمغتربين اللبنانيين الزائرين أو العائدين لوطنهم.

إلى ذلك، حدّدت المادة 69 من قانون النقد والتسليف آلية تكوين احتياطيات مصرف لبنان من الذهب والعملات الأجنبية التي تضمن سلامة النقد اللبناني، وهي توازي 30% على الأقل من قيمة النقد الذي أصدره وقيمة ودائعه تحت الطلب، على أن لا تقلّ نسبة الذهب والعملات المذكورة عن 50% من قيمة النقد المصدّر. ولا تؤخذ موجودات المصرف من النقد اللبناني بعين الاعتبار لحساب النسبتين المحددتين في الفقرة السابقة؛ ولكن هناك تعميمان صادران عن مصرف لبنان يشرحان هذه العملية؛ أحدهما يتعلّق باحتياطي الليرة اللبنانية وآخر يرتبط بالدولار. فالتعميم رقم 86 بتاريخ 20 أّيلول2001 أوجب وفق مادته الأولى المصارف كافة أن تودع لدى مصرف لبنان نسبة 15% من جميع أنواع الودائع مهما كانت طبيعتها التي تتلقاها بالعملات الأجنبية. أما التعميم رقم 84 بتـاريخ 2 حزيران 2001، فقد فرض في مادته الثالثة على المصارف “تكوين احتياطي إلزامي نقدي لدى مصرف لبنان على مجموع الإلتزامات الصافية بالليرة اللبنانية الخاضعة للإحتياطي الإلزامي”.

أهمية الاحتياطي من العملات الأجنبية

بحسب المادة 69 من قانون النقد والتسليف، إنّ الهدف الأساسي لتكوين الاحتياطي هو الحفاظ على قيمة النقد الوطني، وهذا ما هدفت إلى تحقيقه السياسة النقدية وتعاميم مصرف لبنان بكل تاريخ لبنان الحديث وخاصة في الثلاثة عقود الأخيرة.

ويُعدّ الاحتياطي النقدي من أهم أدوات تمويل التزامات الدولة الخارجية ومنها تمويل عمليات الاستيراد والعجز في ميزان المدفوعات، وفي دفع الديون المستحقة بالعملة الأجنبية، وهو يعزّز من ثقة الدائنين والمستثمرين الأجانب في الاقتصاد الوطني وفي إمكانية الوفاء بالتزامات الدولة المالية الخارجية، ويشجّع في الحصول على تصنيفات ائتمانية عالية المرتبة من قبل الوكالات العالمية المتخصصة، وبالتالي يساهم في توفير التمويل اللازم للدولة للقيام بالشاريع العامة وتنشيط الاقتصاد، ويُعتبر صمام أمان عند نشوء الأزمات ترتكز عليه الدولة لمجابهة تداعياتها الاقتصادية على مختلف الصعد. وتستخدم بعض الدول احتياطياتها لتمويل قطاعات استراتيجية من أجل زيادة ناتجها المحلي ونموها الاقتصادي.

مكامن الخلل والحلّ التائه

في حديث صحفي في 26 آب 2020، أكّد حاكم مصرف لبنان سلامة  في حديث لـ”رويترز” أنّ “مصرف لبنان لا يمكنه الاستمرار في تقديم الدعم للوقود والأدوية والقمح إلا لمدة ثلاثة أشهر”، وقال إنّه “لا يستطيع استخدام متطلبات احتياطي المصارف لتمويل التجارة”. هذا الأمر الذي أثار رعباً بين المواطنين وبلبلة في الأسواق، أدّى إلى تداعيات كبيرة منها انفلاش الأسعار مجدداً في ظلّ تضخم جامح وخاصة لأهم 3 مواد معيشية ضرورية. وقد تم تحديد الحد الأدنى للاحتياطي  17.5 مليار دولار وهو مستوى الاحتياطي الإلزامي.

في البداية، علينا التأكيد أنّ قرار رفع الدعم من عدمه هو من اختصاص مجلس الوزراء، ولا يدخل من اختصاص مصرف لبنان وحاكمه والذي أثبت بالممارسة العملانية تجاوز حدود صلاحياته، وإنّ وضع الاحتياطي الحالي ليس وليد الأزمة الحالية الناتج عن نضوب الدولارات الداخلة إلى لبنان فحسب، وإنّما هو نتاج خلل بنيوي في الدعائم الأساسية للاقتصاد اللبناني ولماليته العامة.

يتطلّب تصحيح هذا الخلل مساراً طويلاً، في حين أنّ الأزمة تفرض معالجة سريعة نتيجة لخطورتها، من أجل تكوين مصادر لتكوين احتياطي جديد لانتظام جديد في الآليات الاقتصادية والاستقرار المالي والنقدي، وهي تقوم على المرتكزات الثلاثة التالية:

– إعادة هيكلة المصارف أو إعادة رسملتها: تكاد تجمع الخطط الاقتصادية على ضرورة إجراء هذه العملية كأحد أهم أدوات الحل، وقد صدر تعميمان من مصرف لبنان حول هذا الأمر، الذي إن حصل بالسرعة المطلوبة من شأنه بالتأكيد أن يعيد تكوين احتياطي جديد لا يقل عن حوالي 3 مليار دولار؛ وللمصارف جميعها مصلحة أيضاً في هذه العملية، وإلا فإنّها مهددة بالإقفال. لا شكّ أنّ هذه الخطوة ستسطّر بداية العلاج الحقيقي للأزمة.

– إعادة جزء من الأموال المهرّبة إلى الخارج: هذا الحل ليس نظرياً كما يدّعي البعض، حيث بالإمكان تحقيقه إذا توافرت النيّة الصادقة لدى المعنيين؛ ولكنه يتطلّب توافقاً سياسياً واستقلالاً قضائياً. وقد يحتاج ذلك  إلى محفزات ضريبية على بعض هذه الأموال والتي لها المصلحة في العودة إلى لبنان كملاذ أصبح أكثر أمناً بعد تسلّط سيف العقوبات عليها. ومن الممكن إعادة جذب ما لا يقل أيضاً عن ملياري دولار من هذه الأموال.

– بيع أو رهن أو تأجير احتياطي الذهب: يبلغ هذا الاحتياطي 286.5 طناً ويُقدّر حالياً بحوالي 19 مليار دولار على أساس السعر الحالي للذهب. هناك دعوات عديدة في هذا المضمار، منها من دعا إلى بيعه ومنها من دعا إلى تأجيره. في الخيارين الاول والثاني مخاطر كبيرة لناحية خسارة هذا الرمز التاريخي الذي يشكّل أحد عناصر الثقة أيضاً في أسواق المال العالمية. وبالتالي، فقدان هذا العنصر والقدرة على جذب التمويل. أمّا مسألة التأجير، فهي وجهة نظر صحيحة، لكن تحتاج إلى دراسة معمقة وأن تكون شروط التأجير واضحة المعالم والمآلات ولا تنتهي إلى خسارته( الدهب). ويبقى الخوف الدائم من هذه السلطة الحاكمة وانعدام الثقة بها.

– القروض والمساعدات من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية: المشكلة هنا مرهونة ومرتبطة دائماً بقضايا سياسية وشروط اقتصادية قد لا تكون لصالح الدولة اللبنانية. من المتوقع  أنّ الاتفاق على ترسيم الحدود سيسهّل من انسيابية هذه القروض والمساعدات الدولية.

– تفعيل تحويلات المغتربين والسياحة: لطالما شكّلت تحويلات اللبنانيين حتى في عزّ الحرب الأهلية شبكة أمان لميزان المدفوعات ولاحتياطي العملات الأجنبية، وهذا ما بدأنا نفتقده منذ بدء الأزمة السياسية واشتدادها في العام 2018. كل ما هو مطلوب إعادة بناء الروح الوطنية المفقودة في قلوب المغتربين بفعل فساد هذه الطبقة السياسية الحاكمة، فالمغتربون هم الرئة الحقيقة للنقد الوطني واستقراره. بالنسبة للسياحة، سننتظر حتى السيطرة على وباء كورونا.

تكمن المشكلة الحقيقية  في انعدام الثقة بهذه الطبقة السياسية الحاكمة والتي ينطبق عليها “فيها الخصام وهي الخصم والحكم”؛ لذلك، إنّ أولى الخطوات هو تشكيل حكومة مسؤولة مترفّعة عن الحسابات الداخلية والخارجية وتحمل المصداقية في رئيسها وأعضائها، لتعيد هذه الثقة التائهة في دهاليز كارتيلات النفط والدواء والمواد الغذائية.

أيمن عمر

أيمن عمر

كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية له العديد من الأبحاث والمؤلفا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى