منوعات
أخر الأخبار

السوق اللبناني: تفاوت الأسعار من يوم ليوم ومن منطقة لأخرى

في جولةٍ على المتاجر في مناطق مختلفة من لبنان، لاحظ “أحوال” فروقات كبيرة في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، حتى بين المناطق نفسها. ولدى مقاربة أحد المنتجات، تبيّن أن سعره في منطقة البقاع 18 ألف ليرة، بينما يبلغ سعره في شارع الحمرا في بيروت 8 آلاف ليرة، وفي الزلقا 28 ألف ليرة!

تفاوت الأسعار هذا، والذي احتدّ في الآونة الأخيرة، يرجع إلى عوامل كثيرة أبرزها غياب رقابة المؤسسات الحكومية التي تدفع التجار إلى استغلال الوضع وتحقيق المكاسب على حساب المستهلك. حتى بات الحديث عن أي سلعة يضاف إليه عبارة “اليوم”، وطالما أن السعر مرشح للارتفاع يومياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، فـ”كل يوم له سعر”، وفقاً لأبو يحيى، صاحب متجر بقالة في صيدا. حتى بات المستهلك في سباق مع الزمن، يحاول شراء ما يستطيع شراءه اليوم خوفاً من ارتفاع سعره غداً، لا سيّما أن ارتفاع الأسعار يقابله ثبات في الرواتب التي تخسر قيمتها يوماً بعد يوم.

إلا أن وجود رفوف فارغة في بعض المحال أو حتى لجوء بعضها الآخر إلى إقفال موقت، لا يرتبط بتهافت المواطنين على تخزين السلع خوفاً من ارتفاع سعرها فحسب، بل يعود أيضاً “تقنين” متاجر ومحال في شراء بعض المواد، خصوصاً تلك التي خفّ الطلب عليها بسبب غلاء أسعارها. ووفقاً لما رواه أيو يحيى لـ”أحوال”، فهو كغيره من أصحاب المتاجر، يعمل ضمن سياسة “الشراء بحذر”، “منذ أشهر اتبعت هذه السياسة، أي أنني أشتري المواد التي يُقبل عليها الزبائن فقط، حتى أنني توقفت عن شراء أصناف مختلفة من المنتج نفسه، هو واحد وسعره متغيّر! مش مستعد جيب بضاعة ما بتنباع…”، يضيف شارحاً.

أبو يحيى هو أيضاً من التجار الذين لا يضعون سعر المنتج عليه نظراً للارتفاع السريع للدولار.

في هذا السياق، يُؤكد الباحث الاقتصادي جاسم عجاقة لـ”أحوال”، أنّ عدم تسعير البضائع فيه مخالفة لقانون حماية المستهلك يُعاقب عليها القانون، إلّا أنّ الرقابة والمحاسبة تغيب في لبنان، خصوصاً في الأطراف وفقاً لعجاقة.

في سياق آخر، يشرح عجاقة أن بعض التجار يعمدون إلى سياسات أكثر خبثاً وجشعاً، إذ إنهم يبيعون بضاعة اشتروها على سعر صرف الدولار القديم (أي 1515 ليرة)، على السعر الجديد في السوق السوداء (وهو متراوح بين 7500 إلى 8900 ليرة)، وهذا ما يُسمّى Replacement Cost، أو السعر البديل، وهو مخالف للمرسوم الاشتراعي 73/83 وعقوبته السجن وفق قانون العقوبات.

وأكثر من ذلك، يذهب جزء آخر من التجار إلى بيع بضائعهم تبعاً لسياسة Expected Cost، أو “السعر المتوقع”، أي أنّهم ببساطة يبيعون زبائنهم وفقاً لسعر صرفٍ مُتوقّع قد يلامس الدولار في السوق السوداء. أو مثلاً يحتكرون البضائع لأيامٍ أشدّ متوقّع أنها آتية على اللّبنانيين قريباً.

 

بضاعة ليست للبيع!

“سألتهُ عن سعر منتجٍ معيّن فقال إنه لا يدري… وهو بانتظار تحديد سعر صرف الدولار اليوم ليتمكّن من تسعيره…” تروي وفاء لـ”أحوال”، وهي إحدى السيدات اللبنانيات اللواتي يقصدن محل البقالة صباحاً لشراء احتياجاتها، لكن يبدو أن المنتجات ليست للبيع قبل تحديد سعر الصرف!

لا مؤشرات أسعار قادرة اليوم على رصد دقيق لأسعار المواد الاستهلاكية، إلا إنها تتحرّك صعوداً على الأغلب…

يرجع عجاقة التفاوت بالأسعار إلى ثلاث عوامل أساسية، أولها حجم التاجر، إذ إن كبار التجار لا يقلّون مافيوية عن أصحاب النفوذ في البلاد. ثانيها المنطقة التي يتواجد فيها المتجر، إذ تغيب الرقابة كلياً عن الأطراف بينما قد تتواجد في وسط المدينة. وآخرها هو الغطاء السياسي أو حماية أصحاب النفوذ للتجّار، الذين لا يوفّرون فرصة لجني المزيد من الأرباح على حساب المواطن المتواجد أمام مشقّة تحصيل لقمة عيشه. ويأتي ذلك كله في ظل فسادٍ وفوضى تُطيحان بهامش الربح المحدد للتاجر.

 

ماذا عن المنتجات المحلية؟

سؤالٌ يطرحه كُثر… لماذا تزداد أسعار المنتجات المحلية، لا سيما المواد الغذائية، في حين أنها ليست مستوردة ولا علاقة لها بسعر صرف الدولار؟ فأسعار الفاكهة مثلاً، والتي أغلبها يُزرع محلياً، ارتفعت 137.77 في المئة وفق مؤشر أسعار آب 2019/ 2020، الصادر عن مؤسسة البحوث والاستشارات.

للإجابة على هذا السؤال، تواصل “أحوال” مع أحد المزاعين، الذي شرح أن كلفة الأسمدة والبذوز تضاعفت، وكذلك أسعار أبسط الأمور كالصناديق والأكياس البلاستيكية مثلاً.

إلا أن المفارقة أن الأسعار لم تتضاعف فقط، بل إنها ارتفعت بشكلٍ جنوني وغير منطقي، وهو ما يعكس جشع التجار في ظل غياب الرقابة، وفقاً لعجاقة، وهو مستشار سابق في وزارة الاقتصاد، الذي يؤكد بدوره أن “جمعية حماية المستهلك تملك حوالى 150 مراقب فقط، بينما يزيد عدد المؤسسات عن 90 ألف مؤسسة”. ويضيف، “التاجر يسميها شطارة، ولكن في الواقع هي سرقة موصوفة”.

ويشير عجاقة إلى وجه آخر من أوجه جشع التجار المرتبط بالمنتجات المستوردة، إذ يقول إن أصحاب المتاجر يستوردون بضائعهم وفق رسوم جمركية على سعر صرف الدولار الرسمي، أي 1515 ليرة، بينما يسعّرون المنتج على 8000 ليرة.

 

أسعار المواد الغذائية ترتفع إلى 367%

آخر الأرقام التقديرية لما وصلت إليه الاحصاءات هي بيانات إدارة الإحصاء المركزي، والتي أظهرت أن أسعار الأثاث والتجهيزات المنزلية والصيانة المنزلية ارتفعت بنسبة 664 في المئة على مدار سنوي في نهاية الشهر الثامن من العام الحالي. بينما زادت التكاليف في الفنادق والمطاعم بنسب تعدت 500 في المئة، وارتفعت أسعار الألبسة والأحذية بنسبة 413 في المئة، ورافقها ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بنسبة 367 في المئة، وحلقت أيضاً أسعار التبغ بزيادات تعدت 400 في المئة.

وعليه، فإن الحسابات التقديرية هذه، إضافةً إلى إقدام متوقع على رفع الدعم نهائياً عن السلع الأساسية، تفترض ضربة قاسية، قد تكون قاضية للبنانيين اختلّت موازين حياتهم في أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان.

 

ميريام سويدان

ميريام سويدان

صحافية لبنانية مجازة في الإعلام من جامعة بيروت العربية ومهتمة بالقضايا الحقوقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى