مجتمع

القطاع الطبي يتلاشى: نزيف الهجرة غير مسبوق

يوماً بعد يوم تقترب أزمة القطاع الطبي والتّمريضي من الاستعصاء، وسوداوية المشهد تزداد بفقدان من يستطيع وقفها أو الحدّ من تفاعلاتها ومعالجتها، بل باتت تخنق ادارات المستشفيات والأطباء والممرضين: تسرب من القطاع نحو مهن أخرى والهجرة بحثاً عن حياة كريمة.

مصدر من نقابة الممرضين في لبنان يؤكد لـ”أحوال” أنّ “القطاع هو جزء أساسي ومحوري في القطاع الصّحي، ومنذ العام 2019 والقيّمون عليه يحذّرون من نزف غير مسبوق للعاملين فيه، متحدّثين عن خسائر قد يكون من الصعب تعويضها، واليوم وصلنا إلى هذا الواقع الخطير الذي يهدّد الصّحة العامة” مشيراً إلى أنّ “الممرضين والممرضات هم الفئة الأكبر المتضررة من جراء الأزمة، فهناك ما يقرب من 9900 ممرضة وممرض من أصل 11829 يمارسون المهنة ويعملون في المستشفيات يعانون من تدهور أوضاعهم المعيشية، وتضاعف مجهودهم الجسدي بسبب تضاؤل أعدادهم”.

ويتابع المصدر “شهد القطاع التّمريضي هجرة جماعية في صفوف الممرضين والممرضات إذ وصل عددهم إلى حوالى الـ 2000 مهاجر، وفي حين يجب أن يكون المعدل لكلّ 7 مرضى ممرض أو ممرضة، يضع بعض المستشفيات حالياً ممرضاً أو ممرضة لكلّ 15 مريضاً ما يعني تراجع جودة الخدمة التّمريضية فضلاً عن رفع مستوى الضّغوط النفسية والجسدية على الممرضين ما يشكّل عاملاً إضافياً يجعلهم يرغبون في الهجرة”.

ويلفت المصدر الى “غياب التّحفيزات المقدمة للعاملين الصّحيين إن كان لناحية تصحيح أجورهم أو إعطائهم التّقديمات والحوافز المادية كاحتساب قسم من الراتب على سعر الدولار في السوق الموازي وقسم آخر على الـ “لولار” (8000 للدولار) بالإضافة إلى تأمين نقل مشترك للعاملين في القطاع التمريضي في ظلّ ارتفاع سعر صفيحة البنزين أو تسهيل المنامة داخل او بجانب المستشفى”.

تداعيات الأزمة اشتدّت أيضاً على الطاقم الطّبي، وفيما تحاول المستشفيات في لبنان ولا سيّما الجامعية منها اتخاذ إجراءات تمنع النزف المستمر للكوادر الطبية، تجاوز عدد الأطباء الذين تركوا لبنان منذ العام 2019 إلى اليوم 2500 طبيب وطبيبة.

من جهته، يؤكد الدكتور جوزيف الحلو، مدير العناية الطّبية في وزارة الصّحة العامّة أن “القلق يتزايد بسبب ارتفاع نسبة هجرة مجموعة من الأطباء الكفوئين ومن يعملون في القطاع الصحي إلى خارج بلدهم، ما جعل القطاع في لبنان يعاني وضعاً هشاً للغاية، وسط توقعات مقلقة في المستقبل القريب والبعيد”.

ويضيف الحلو “اليوم نعاني من نقص حاد في عدد الأطباء والممرضين أصحاب الكفاءة والخبرة المتخصصين في علاج مرضى كورونا، خصوصاً وأن المؤشرات حتى الآن تدل على موجة قوية لوباء كورونا، في حال لم يلتزم اللبنانييون بالاجراءات الوقائية خلال فترة الأعياد”.

ويردف بحسرة “لقد قلّ عدد الممرضين والممرضات، كما أن بعض الأطباء هاجروا وهناك صعوبات مادية في مواجهة الوباء، ولن نكون أمام الجهوزية نفسها مثل العام الماضي، من ناحية عدد الأسرّة القادرة على استيعاب الإصابات، فقد أقفل عدد كبير من المستشفيات أقسام كورونا”، مشيرا إلى أنّ “إجراءات تتّخذ حاليا لاستباق أي تفشّ للوباء”.

وفي جولة على بعض المستشفيات كان لافتاً غياب كبير لعدد “الموظفين الذكور” من القطاع وطغيان العنصر النسائي على الكادر المتبقي، وهي ظاهرة عامة كانت سابقاً موجودة ولكنها أضحت “فاقعة” اليوم، بالإضافة الى ارتفاع شكوى العاملين من الضغوط المتعددة التي يتعرضون لها. وتقول إحداهن “كيف لي أن أعود الى منزلي وعائلتي وأعرضهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا وانا لا أمتلك أجرة الطريق بعد أن أوقفت سيارتي لعجزي عن تصليحها ودفع ثمن المحروقات؟”.

وتضيف “كل الوقت وأنا أفتش عن فرصة عمل في الخارج أياً تكن أو سأترك هذا العمل خلال الشهرين المقبلين، لم أعد أستطيع تحل أعبائها ومخاطرها و”شحاذة” راتبي من ادارة تشتكي مثلي من “القلة” والعوز”.

ويتدخل الموظف الاداري في الحديث ليشير الى أن “القطاع الصحي كان في السابق استثماراً ناجحاً ولكن عندما وقعت الواقعة بين تفشي الوباء والانهيار الاقتصادي هربت رساميل القطاع الخاص والدولة غائبة ونحن نتخبط… فإلى الهجرة در”.

ناديا الحلاق

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى