منوعات

بين لبنان والسعودية…. “المكالمة الهاتفية” لن تنهي “الملاكمة السياسية”

وصلت الحال بالدولة في لبنان الى حد انها أصبحت تحتفي باتصال هاتفي تم لدقائق قليلة بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برعاية، بل بوساطة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون.

المرحبون بالاتصال أحاطوه ب”طنة ورنة” واعتبروه إنجازا من الدرجة الأولى لميقاتي والدبلوماسية الفرنسية في سياق إعادة وصل ما انقطع بين بيروت والرياض بعد “عاصفة الحزم” السياسية والاقتصادية التي هبت على لبنان في أعقاب تصريحات وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي. ويفترض هؤلاء ان المرونة التي ابداها بن سلمان يمكن البناء عليها وتطويرها تباعا تمهيدا لعودة السفير السعودي قريبا الى لبنان وتخفيف الحظر على البضائع اللبنانية بالترافق مع تفعيل الاجراءات على المعابر الحدودية لضبط محاولات تهريب المخدرات عبرها الى المملكة. ويشير المتفائلون الى ان ميقاتي اعطى على الفور إشارة واضحة الى جديته في تلقف الفرصة المستجدة من خلال الاجتماع العاجل الذي عُقد “على السخن” في السراي مع الوزراء المعنيين والاجهزة المختصة لبحث سبل تحصين المنافذ الحدودية في رسالة إيجابية الى الرياض قبل أن تبرد حرارة التواصل ، الى جانب تأكيد ميقاتي إصراره على تطبيق الإصلاحات التي هي ضرورة لبنانية ملحة قبل أن تكون مطلبا سعوديا او فرنسيا في البيان الختامي المشترك الذي صدر عن لقاء ماكرون – بن سلمان.

في المقابل، يقلل المرتابون في نيات الرياض من شأن ما حصل على قاعدة ان “المكالمة الهاتفية” لن تنهي “الملاكمة السياسية” التي تدور فوق الحلبة اللبنانية سعيا الى إسقاط حزب الله بالضربة القاضية او بالنقاط. وبالتالي فإن أصحاب هذا الرأي وضعوا “المبادرة الهاتفية” في سياق مجاملة ولي العهد  لماكرون بعد توقيعه عقودا بمليارات الدولارات مع السعودية، معتبرين ان “شيكات” البيان الختامي هي غير قابلة للصرف لأنها بلا رصيد، خصوصا ما يتعلق منها بتطبيق القرار 1559 وحصر السلاح في حوزة الدولة، إذ ان باريس والرياض تعرفان جيدا ان هناك استحالة لتطبيق هذا المطلب التعجيزي الذي يفوق طاقة ميقاتي على تنفيذه، علما ان الأميركيين والاسرائيليين أنفسهم عجزوا عن تسييله بقوة النار في حرب تموز 2006 وفي الحرب السورية التي كان من بين استهدافاتها الإطباق على المقاومة في لبنان عبر الخاصرة السورية بعد فشل الاستهداف المباشر لها.

وبين هذين الحدين في مقاربة نتائج زيارة ماكرون الى جدة، هناك من يدعو الى عدم الانجراف نحو المبالغة في امتداحها أو في شيطنتها، لافتين الى انها قد تسمح بنوع من “ربط نزاع”، ولو مرحلي ورخو مع الرياض، تحت إشراف فرنسي، بدل المواجهة المكلفة او المصالحة المتعذرة، بحيث يتوقف التصعيد السعودي ضد لبنان عند الحد الذي وصل اليه، في انتظار ان تختبر الرياض قدرة الحكومة والدولة على تنفيذ دفتر شروطها شبه المستحيل.

ويشير المتسلحون بهذه المقاربة الى ان ماكرون هو الرابح الأكبر من زيارته للملكة بعد الصفقات الكبيرة التي ابرمها مع القيادة السعودية بموافقة واشنطن على الارجح، كتعويض أميركي له عن صفقة الغواصات مع أستراليا والتي انتزعتها الولايات المتحدة منه في اللحظة الأخيرة. ويعتبر هؤلاء ان رحلة ماكرون الى جدة أتت في سياق تفويض أميركي له لتوسيع هامش دوره في المنطقة التي تخليها الولايات المتحدة تدريجا، انما هذا التفويض يندرج تحت سقف حماية مصالحها والتنسيق معها في القضايا الاساسية.

اما على مستوى البعد الداخلي للحدث الفرنسي – السعودي، فإن الواقعيين يلفتون الى انه تبين ان استقالة الوزير قرداحي لم تكن عبثية ومجانية بالكامل، وهو نجح بدعم من حليفه سليمان فرنجية في اختيار التوقيت المناسب والظرف الملائم لتقديمها، حتى لا تكون مجرد طلقة طائشة، بل هي أصابت عصافير عدة في آن واحد، إذ ان الاستقالة عشية وصول ماكرون الى السعودية سمحت بفتح كوة في جدار الازمة، وشكلت هدية للرئيس الفرنسي بعد إحباط، وفرضت على الرياض ملاقاتها ولو جزئيا، وعززت موقع المرشح الرئاسي فرنجية لدى الفرنسيين، ومنحته فرصة لاعادة ترميم الجسر الذي تصدع مع الرياض.

وماكرون الذي اكتسب خبرة واسعة في الشأن اللبناني بعدما خاض في تفاصيله المملة، يعلم تماما ان السقف المرتفع في البيان المشترك حيال حزب الله هو “هش” ويعاني من “نش” سياسي، وبالتالي فإن إيراده كان من باب “الاستهلاك” الذي لا يغير شيئا في الوقائع والحقائق. وعُلم ان الرئيس الفرنسي اوصل  الى ميقاتي رسالة بهذا المعنى، فحواها انه لا يحرض على نزاع داخلي مع حزب الله.

اما الحزب فقد اختار النأي بالنفس عن زيارة ماكرون الى المملكة مفضلا تجاهل كل مفاعيلها وادبياتها. صحيح ان ما تمخض عنها هو موجه اليه بالدرجة الأولى وينطوي على استفزاز له، لكنه اختار عدم التعليق والرد لقناعته بأن ما ورد لن يعدو كونه حبرا على ورق من حهة، وحتى لا يتم تحميله من جهة أخرى مسؤولية إفشال محاولة ترميم العلاقة بين لبنان والسعودية، خصوصا ان هذه المحاولة تختزن أصلا في داخلها بذور إخفاقها.

 

عماد مرمل

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى