مجتمع

الدواء السوري والإيراني في السوق “بلا جميلة” المختبر اللبناني

فوجئ اللبنانيون الفقراء والمرضى، أكثر من غيرهم بكثير، برفع الدعم جزئياً عن الأدوية المزمنة، وعن حليب الأطفال، بعد اختفاء هذه الأدوية لفترات طويلة من سوق الصيدلة خلال العام الأخيرين.

هذا الاختفاء دفع باللبنانيين إلى البحث عن بدائل، وحضر البديل الأقل ثمناً والمتوفر جداً عبر وسائل عديدة، أهمها الشحن الخاص عن طريق أصدقاء وأقارب من دول جارة وصديقة.

وجاء الترتيب في استقدام الدواء من سوريا بشكل أساسي، ومن بعده أتى الدواء الإيراني، ومن ثم الدواء التركي، مع أدوية من الإمارات والسعودية وأوروبا عبر المغتربين.

هذا التسلسل ليس مرتبطاً بدراسة علمية لحجم الشراء أو الإستيراد الخفيّ غير الشرعي. بل هو مرتبط بتواتر كلامي في محيط شعبي، وبحسب تحقيق أجريته سابقاً حول انتشار البديل السوري في المخيمات الفلسطينية، وبخاصة في مخيم برج البراجنة، بشكل علني، في صيدليات منتشرة وبكثرة، وجميعها لخدمة المريض إلى أية جنسية انتمى.

فارتفاع سعر الدواء ورفع الدعم عنه، بالطبع، كان سيؤدي إلى هذه النتيجة، بمعنى بحث المواطن عن الدواء السوري المتوفر عبر سوريا بطرق غير شرعية، وبأسعار تناسب المريض اللبناني، القابض على جمر الصحة، في ظل ربط سعر الدواء بالدولار أيضاً.

فدواء الضغط الذي كان يُباع بـ 30 ألف ل. ل. بات اليوم بـ130 ألف ل.ل. وهذا مثال على سعر دواء واحد لمرض مزمن قد يحتاجه عدد كبير من اللبنانيين، نتيجة الأزمة التي يعيشونها مؤخراً.

إذن، في المُخيمات الفلسطينية، يجد اللبناني ضالته بسعر مناسب جداً، وفي صيدليات “النور” التابعة لحزب الله وجد اللبناني أيضاً الدواء الإيراني، إضافة إلى الدواء التركي والإماراتي والسعودي والأوروبي المتوفر عبر المغتربين والمهاجرين.

للأمر وجه خفيّ، لا يُفكر به إلاّ من كان يستفيد من الضمان الإجتماعي ومن شركات التأمين ومن التعاونيات وغيرها من مؤسسات التعويض المالي عن المريض، فهذه المؤسسات التي كانت تُساند اللبناني بشكل من الأشكال وتعوّضه بعض خساراته، كون الدواء المُعترف به في مؤسسات الضمان يمرّ عبر وزارة الصحة فقط، لكن في حالة الشراء عبر التهريب أو الشحن الخاص، فهذا يعني أنّه لا وصفة طبية باسم الدواء تُقبل في الضمان ولا في أية مؤسسة ضامنة مهما علا شأنها.
وعن الإشكالية في ذلك، يُعلّق مصدر مطلّع حول دور دخول الدواء غير المُرخص رسميّاً ومساندته للمواطنين بطريقة غير مباشرة، فيقول إنّه “لا يمكن للوزارة أن تسمح بدخول أي دواء دون مروره على المختبر، ودون أي فحص أو تسجيل. من هنا يتم بيع الدواء غير المُسجل سراً لأنّ كشفه يُسبب مشاكل كبيرة للتاجر والبائع”.

ويرى أنّ “اللبناني من حقه الاستفادة من أيّ دواء متوفر، لكن لا بد من التأكد من نوعية هذه الأدوية. مما يحمّل السلطات الرسمية كل هذه الفوضى التي قد تضرّ بالمرضى”.

وبرأي المصدر أن “تبعات هذه الفوضى تتحملها السلطة اللبنانية، خاصة أنّ هذا سيُنهي دور الضمان الإجتماعي بشكل أو بآخر ودور الجهات الضامنة وشركات التأمين”.

ودعا إلى “أهمية عمل الوزارات المعنيّة على إلغاء “كارتيلات” الدواء التي “ذبحت” المواطن، وأبان الاحتكار الذي قضى على ما يملك المواطن من رصيد مالي”.

كما لفت إلى أنّ “الفلتان في شراء الدواء سيضر الشركات المسيطرة على سوق الدواء في حال ظلّ الوضع على هذه الحال، إذ سيُفضي ذلك إلى اقفال العديد من المستودعات والصيدليات. وبالتالي القضاء على مهنة الصيدلة في لبنان”.

يدخل المريض اللبناني اليوم في فوضى تسعير الدواء بالدولار، بعد جريمة اخفاء الدواء في المستودعات، والتي كشف البعض منها وزير الصحة السابق.

فكيف ستتدارك السلطات الصحية الفوضى العارمة في سوق تهريب الدواء سواء لناحية الجوانب الصحية أو الجوانب الإقتصادية؟ وكيف يمكن لهذه السلطات أن تترك الحبل على غاربه في ملف دقيق جداً؟

علما أن وزير الصحة السابق قد عقد اتفاقية مع بعض المصانع في حمص لإدخال الدواء السوري بشكل شرعي إلى لبنان لكنه مضى قبل أن ينفذه، وبالطبع الوزير الحالي لن يسير بالقرار رغم أن الحكم والإدارة إستمرار.

سلوى فاضل

سلوى فاضل

صحافية لبنانية، تحمل شهادة الدراسات العليا في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، تهتم بقضايا حقوق النساء والفتيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى