مجتمع

أطفالنا يعانون بين “كورونا” والأزمة الاقتصادية… نصائح لعبور الأزمة بأقلّ الأضرار

استمع الى التقرير

تتفاقم أزمة كورونا اليوم، وللشهر الثامن على التوالي، يستمرّ الأهل في الضغط على أطفالهم للبقاء في المنزل تفادياً لكارثة صحية خطيرة.

فمنذ شهر شباط الماضي، أصبح الخروج من المنزل للكثير من العائلات التي لديها أطفال صغار، يقتصر على زيارة الطبيب أو الأهل المقرّبين، وحُرم الأطفال من التّردد إلى الحدائق ومراكز التسلية ما جعلهم أسيري منازلهم وغرفهم الضيّقة، وهم بحاجة إلى اللعب والرّكض في مساحات واسعة، ولقاء أطفال بمثل سنّهم.

الالتزام بالحجر الصحي تسبّب في تداعيات اجتماعية ونفسية عديدة، ناتجة عن غياب الأنشطة الخارجية بسبب انتشار فيروس “كورونا” من جهة، والأزمة الاقتصادية من جهة أخرى، وهو ما جعل الأهل يتخوّفون من التأثيرات المستقبلية على الحالة النفسية للأطفالهم.

المشكلة لم تعد تتعلق بتطبيق اجراءات الوقاية من “كورونا” كالتباعد الاجتماعي فحسب، بل في عدم قدرة الأهل على تأمين حاجات الطفل اليومية لممارسة مهارات خارجية تحفّزه وتنمّي قدراته الفكرية، كالذهاب إلى دور الحضانة أو المشاركة بأنشطة للتّمتع بالألعاب مع الأصدقاء.

فكيف يمكن للأهل التعامل والتأقلم مع هذه الأزمات كي لا تنعكس بدورها سلباً على صحة الأطفال النفسية، خصوصاً الأطفال الصغار جداً، الذين تتفتح عيونهم على العالم وهم سجناء منازلهم؟

“أحوال” التقى المعالجة النفسية ريما دروبي، التي لديها الكثير لتقوله للأهل، حول تربية الأطفال في سنواتهم الأولى  في ظل أزمة “كورونا” والأزمة الاقتصادية التي انعكست سلباً على نفسية الأهل وطريقة حياتهم.

دروبي تشدّد على أنه يمكننا تفادي التأثير السلبي للحجر المنزلي على الأطفال، من خلال دعمنا المعنوي والعاطفي لهم، إضافة إلى الأنشطة الترفيهية والتعليمية التي يمكننا تزويدها لهم.

لا تأثير سلبي على الأطفال بسبب الحجر المنزلي

تقول ريما بأن مجتمع الطفل يتألف من عدة مجتمعات مقّسمة على الشكل  التالي :
الأهل والمنزل، المبنى السكني والجيران، الحي، منزل الأقارب.

فما يجهله البعض أنّ الطفل يستطيع أن ينمّي مهاراته مع أهله وفي منزله العائلي أو مجتمعه الضّيق المؤلف من عدة أقسام.

وتضيف “التربية المنزلية لديها قدرة ساحرة وسريعة في التأثير على نمو ذكاء الطفل وتطوير تفكيره وتوسيع آفاقه، لذا أنصح كل أم أن تتحمل طفلها إلى المطبخ وقت الطهو أو التنظيف أو ترتيب الأشياء، والطلب منه مساعدتها من دون انقطاع التواصل الكلامي بينهما. ويمكنها أيضاً أن تجالسه وتتحدّث معه كراشدٍ، فالطفل يفهم كلامنا حتى لو جابهنا بالجهل، لذا على الأم أن تخصّص حصّة للرسم أو لمشاهدة بعض البرامج التعليمية، وغيرها من الأنشطة أو الخطوات التي يمكن تطبيقها مع الطفل لتنمية عقله وقدراته الفكرية والمعنوية”.

يستطيع الطفل التقيّد باجراءات الوقاية من كورونا دون سلبيات

تلفت ريما إلى أنه ينبغي ألا نقلق من هذه ناحية إلزم الطفل بالتقيّد بالإجراءات الوقائيّة من كورونا، لأنّ الطفل لن يشعر بالاختلاف عن الآخرين، فهو يضع الكمّامة مثل باقي الأفراد في محيطه، بل على العكس الالتزام بوضع الماسك أو القناع الحامي من الفيروس يعدّه لتقبّل النظام والقوانين في ما بعد بطريقة غير مباشرة. كما يتوجب علينا أن نشرح له موضوع النظافة الشخصية كغسل اليدين بشكل صحيح ومستمر مع تجنب مسك أو لمس الأشياء خارج المنزل ولكن دون مبالغة لكي لا تؤدي هذه التصرفات إلى هوس أو مرض النظافة.

لسنا بحاجة للمال للترفيه عن أطفالنا

 ليس من الخطأ أن يُدرك الطفل قدراتنا المادية البسيطة، فمحبته لنا لا تتحدّد بكمية الألعاب أو الأغراض التي نشتريها له، بل على العكس، علينا أن نفسّر له مدى امكانياتنا ونحدّدها خاصة في ظلّ هذه الأزمة الاقتصادية وما رافقها من انهيار العملة وإقفال مجموعة من المؤسسات التجارية والشركات الخاصة والعامة وبالتالي أصبح العديد من الأهل من دون مصدر رزق .

تقول ريما” يقول الأهل “لا أريد أن أحرم طفلي من شيء” هذه المقولة هي أكبر مفهوم خاطئ وعمل سلبي يمارسه الأهل على أولادهم، فهم بهذه الطريقة لا يبنون أجيالاً قوية بشخصيات سليمة، ويقتلون أحلامهم ومهاراتهم الفكرية ورغباتهم.

ما يساعدهم في ما بعد على عدم الاستسلام أمام المعوقات، وسيحاولون دوماً أن يتجاوزوا أي عقبات تواجههم”.

يعتقد الأهل بأن النزهات والمشاوير تُدخل البهجة إلى قلوب صغارهم وتسعدهم، ولا يدركون أن الطفل بحاجة لأن يلعب معهم ويجالسهم حتى لو في غرفة صغيرة، فالموضوع ليس بالنزهة إنما بنوعية النشاط الذي نقوم به مع أطفالنا.

وتقدّم ريما مجموعة من الارشادات لتحفيز الطفل على قضاء الوقت في المنزل من خلال ترك مساحة كبيرة له لممارسة الألعاب المختلفة التي يختارها، وإشعاره بامتلاكه للمنزل من خلال مشاركة والدته في الأعمال المنزلية وهو ما من شأنه تقوية علاقة روحية ونفسية مع الطفل.

وتشدّد على أهمية ممارسة الرسم والتلوين على نطاق واسع وغير محدود. فالطفل لا يحتاج للمال كحاجته للوقت من والديه وذلك لغرز الأمان العاطفى والثقة بالنفس وبناء شخصية صحّية وقوية.

وتنصح ريما الأهل بالتمتّع بالصبر الشديد ليتمكّنوا من التفاعل مع أطفالهم، كما تطلب منهم عدم قتل ذكاء صغارهم بسبب حياتهم المهنية أو قِصَرِ وقتهم وضيق بالهم بسبب الأوضاع الراهنة المحيطة بنا من تفشي فيروس كورونا إلى الوضع الأمني والاقتصادي.

وتقدم ريما نصيحة للأهل “عليكم أن تتعاملوا مع أطفالكم على أنهم أذكياء منذ لحظة ولادتهم، لا تدلّلوهم بشكلٍ مبالغٍ به، بل اغدقوا عليهم حنانًا وحبًّا وتمتّعوا بالصبر وطول البال لتعليمهم المهارات الفكرية والجسدية والمعنوية، لأن الولد يتلقّى الإشارات من أهله بشكل أكبر وأسرع، ويفضّل قضاء الوقت معهم أكثر من أي شيء آخر. لا تتجاهلوا متطلباتهم مهما كانت، تحاوروا معهم وكأنهم راشدون، فالطفل يفهم ويحلّل ويتلقّى كل معلومة نرسلها له عبر تصرفاتنا اليومية وأسلوبنا التربوي”.

مع التقيّد بهذه النصائح يستطيع الطفل التأقلم بكافة الظروف حتى ولو كانت قاسية وصعبة كالحجر المنزلي أو قلّة المال طالما أنّه لا يعاني من تقصير معنوي وعاطفي من الوالدين.

منال سعادة

منال سعادة

اعلامية لبنانية قدّمت العديد من البرامج الإذاعية الحوارية منذ عام 2005 . أعدّت وقدمت برامج تلفزيونية. عملت في عدة مطبوعات لبنانية وعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى