منوعات

استقلالُنا كذبة.. هنيئًا لِمَن صدَّق

لم يكن لبنان يومًا بلدًا مستقلًا، بل غالبًا ما تتحكّم به أيادٍ خارجية بتسهيل من أُخرى داخلية، لتقرّر مصيره ومصير شعب بأكمله؛ شعبٌ تليق به الحياة والعيش الكريم، لكنّه ولسوء حظّه و”خياراته”، قابع تحت رحمة طبقة سياسية خانعة وخاضعة، وزعماء مثل “الماريونات” تحرّكهم الدول وفق أهوائها ومصالحها، وهم يتماشون معها لضمانة مصالحهم.

أركان هذه الطبقة كالحمل الوديع والمُطيع مع قوى الخارج، يتلقّون الأوامر بكل رحابة صدر نظرًا لعجزهم، ويفرضونها على الشعب متظاهرين بالقوّة والسيطرة، غير آبهين لنتائج تلك القرارات وتداعياتها على البلد وأبنائه، إنّما يتسلّحون دومًا بكذبة أن ما يقومون به هو لمصلحة البلد وأنهم “مُجبرون لا أبطال” وأن ما باليَد حيلة، فيتمسكنون حتى يتمكنون من إقناع فئة تسير خلفهم “عالعمياني”، وتعتبر أن هذا الزعيم أو ذاك الرئيس “يعلم ماذا يفعل، وهو الخبير بمصلحة البلد والطائفة والمنطقة”.

لم تكن يومًا مصلحة البلد أولوية، إنّما كان لبنان هدفًا للبعض ووسيلة للبعض الآخر لتحقيق أهداف أكبر. وفي المحصلة، الضحية كان الشعب اللبناني الذي يحاول بشتّى الطرق أن يعيش بكرامة ويتمتّع بأبسط حقوقه الكفيلة بأن تؤمن له ولعائلته العيش الكريم.

المشكلة حتمًا ليست في الزعماء الخاضعين لأوامر خارجية فحسب، إنّما أيضًا بفئة لا يُستهان بها من الشعب التي لازالت رغم كل ما حدث في السنوات الأخيرة مصغية لأمر زعيم من هنا ورئيس حزب من هناك، تؤمن أن من أفقرها وسرق أموالها وفجّر عاصمتها وهجّر أبناءها، قادر على إنقاذها ب”حكمته وقوة حدسه”، حتى أن البعض تمادى لأن يبرّر التبعية للخارج ويتباهى بها وكأنها إنجاز عظيم تجوز المفاخرة به.

يتخبّط لبنان اليوم بالأزمات، ويعيش اللبنانيون أسوأ مراحل حياتهم؛ الفقر مستشرٍ، البطالة في تزايد والحاجيات الأساسية والتي من البديهي أن تكون موجودة في أي بيت، باتت لمن استطاع إليها سبيلًا، بينما المسؤولون نيام، يغطّون في سبات عميق ويتنصّلون من مسؤولياتهم عند مساءلتهم.

رئيس البلاد لا يقابل شعبه إلا عبر شاشة صغيرة في المناسبات فقط، في كلمة مصوّرة سابقًا، ليكرّر في كل مرّة الكلام عينه دون أي محاولة لإيجاد حلول للتخبّط الذي نعيشه، متذرّعًا بحجّة الصلاحيات المحدودة و”اللا صلاحيات” في معظم الأوقات، ورئيس المجلس يوهم بأنّه يقوم بدوره بينما هو يقوم بما يخدم مصلحته ومصلحة خطّه وحلفائه، أما حكومة “معًا للإنقاذ”، فحدّث ولا حرج؛ من تنفّس الصعداء عند تشكيلها باعتبار أنها “رح تشيل الزير من البير”، عاد ليختنق اليوم بعد أن اكتشف عجزها، فهي غير قادرة على الاجتماع، ووزرائها لا يجيدون سوى توقيع قرارات تقضي برفع الدعم عن الأدوية والمحروقات ورفع سعر الطحين وربطة الخبز وغيرها من “الجرائم” بحق الشعب، بحجّة أنّهم عاجزون وهذا ما يمكنهم القيام به، حتى باتت حكومة “معًا للإنقاذ” بحاجة لمن ينقذها وينقذ الشعب من قراراتها القاتلة.

كل هذه التراكمات جعلت من لبنان همًّا على أبنائه، والعيش فيه بات بمثابة الكابوس، حتى أضحت الهجرة هدفًا لأطفاله وشبابه وحتى كبار السن، علّهم ينعمون في ما تبقّى من حياتهم بالقليل من العيش الرغيد.

لو أن الظروف التي نمرّ بها في لبنان اليوم كانت مغايرة، ربّما كان لعيد الاستقلال وقعٌ آخر. لو أننا حققنا يومًا الاستقلال الفعلي، لما وصلنا إلى ما نحن عليه، ولما فكّر أحد بترك أرضه واللجوء إلى أرضٍ أخرى غريبة، ولكن كُتب للبنان أن يُحكَم من مجموعة أشخاص ظنّوا أن الله لم يهدِ سواهم وأن لا قدرة لغيرهم على إدارة شؤون البلاد، فأودوا بتلك الأخيرة إلى الهاوية وقادوا شعبهم إلى جهنّم، متوهّمين بأنّهم خير من حكم البلد، ومصدّقين كذبة الاستقلال منذ ٧٨ عامًا.

ياسمين بوذياب

ياسمين بوذياب

صحافية لبنانية، عملت كمراسلة ومحررة أخبار في عدة مواقع الكترونية إخبارية وفنيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى