انتخابات

عون وباسيل أعدّا المواجهة: لا انتخابات في 27 آذار

ماذا لو "طارت" الانتخابات وتعذّر "التمديد"؟

تزداد المعركة الدستورية والقضائية حول قانون الانتخابات حماوة على مسافة أربعة أشهر من الموعد المحدّد مبدئياً لإجراء الانتخابات النيابية في 27 آذار المقبل؛ فـ”التيار الوطني الحر” مدعوماً من رئيس الجمهورية ميشال عون، أعدّ العدّة للمواجهة مع فريق رئيس مجلس النواب نبيه بري و”تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” الذين صوتوا على التعديلات التي طالت قانون الانتخاب المقرّ عام 2017.

وأولى الأسلحة التي استخدمها فريق العهد هي ردّ عون قانون الانتخاب المعدّل إلى المجلس النيابي، لاعتباره بنود التعديلات مخالفة للدستور والقوانين. ولمّا أعاد المجلس تأكيد موافقته على القانون، بادر “تكتل لبنان القوي” إلى تقديم طعن أمام المجلس الدستوري ببعض التعديلات المذكورة أعلاه. أما آخر الأسلحة التي سيلجأ إليها “العونيون”، بحسب مصادرهم، هي استخدام رئيس الجمهورية صلاحياته برفض التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في حال رد المجلس الدستوري الطعن.

تعقيدات “المعركة” تُشرّع الأبواب أمام إشكاليات سيواجهها لبنان في الربيع المقبل، تتحوّل تلقائياً إلى أزمات دستورية وسياسية تتمثّل بتطيير الانتخابات، وقد تمتدّ إلى الخريف المقبل مع تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية، كما تهمس بعض المراجع في الكواليس السياسية وأروقة المقرّات الرئاسية والدوائر الدبلوماسية للدول الفاعلة في البلد. وتشير مصادر “أحوال” إلى أن “عون وباسيل سيعملان بكل طاقتهما للحؤول دون إجراء الانتخابات في 27 آذار”، لأسباب عدة:

– يعتقد الفريق “العوني” أن تحديد هذا الموعد لم يكن عبثياً أو محضُ صدفة، بل ضُرِب بإتقان من قبل فريق بري – الحريري – والحلفاء المسيحيين المعارضين للتيار الوطني الحر، بعد دراسة دقيقة للواقع الانتخابي للمسيحيين، ورأى بهذ التاريخ الأنسب لتحجيم “التيار”. فالمعركة الانتخابية ستنحصر في الساحة المسيحية طالما أن “الشيعية” شبه مقفلة لمصلحة تحالف “حركة أمل” و”حزب الله”، و”الدرزية” لمصلحة التفاهم بين ثلاثي وليد جنبلاط – طلال أرسلان – وئام وهاب، فيما سيكون “تيار المستقبل” القوّة الأكبر عند السنّة رغم الضربات التي تعرض لها. لذلك على “التيار” أن يستجمع قواه ويجري التصفيات الداخلية لمرشحيه، ويشدّ العصب العوني – المسيحي بعد تراجع شعبيته خلال العامين الماضيين.

– تقريب الموعد من أيار إلى آذار سيحرم النائب جبران باسيل الوقت الكافي لتحضير كل ذلك، علماً أن الناخبين المسيحيين الذين يقطنون في بيروت وضواحيها لا يقصدون قراهم الواقعة في المناطق الثلجية، لا سيما في أقضية جبل لبنان ذات الثقل العوني الوازن، ما يقلل من نسبة المشاركة والتصويت للتيار في ظل إلغاء نظام “الميغاسنتر” الذي يسمح بالاقتراع في أماكن السكن.

– أما لجهة تخصيص 6 نواب للمغتربين، فمن المعروف أن باسيل جال العالم خلال توليه وزارة الخارجية لاستقطاب الاغتراب المسيحي وإشراكه في الاقتراع، فتخصيص “كوتا” نيابية للمغتربين يحقق له هدفين: يستفيد من “الفائض الإغترابي” الانتخابي لمصلحة لوائحه الانتخابية، والثاني استرضاء المغتربين وتشكيل “لوبيات” منهم لدعم تياره مالياً في الانتخابات، والتسويق له كمرشح رئاسي في الدول التي ينتشرون فيها.

لذلك، تكشف المصادر أن عون وباسيل ينتظران قرار المجلس الدستوري الذي يتعرض لضغوط لقبول الطعن، فإن قبِل الطعن كان به، وإن ردّه أو تعطّل النصاب القانوني للانعقاد، فإن عون سيرفض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.

من هنا، فإن لم يوقّع عون المرسوم قبل تسعين يوماً من موعد الانتخابات، سيؤدي ذلك إلى تأجيل الانتخابات بشكلٍ تلقائي، ما يعني أن أمام “الدستوري” مهلة شهر كحد أقصى للبت بالطعن، وفي حال لم يوقع عون المرسوم، فيصبح التأجيل أمراً واقعاً إلى أيار المقبل، نظراً لمصادفة حلول شهر رمضان في نيسان المقبل.

وطالما أن الدستور ينص على إجراء الانتخابات خلال الستين يوماً التي تسبق موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي والتي تنتهي في 27 أيار المقبل، يعني أن خيار التمديد للمجلس النيابي يصبح ضرورة للحؤول دون الفراغ النيابي، وهذا متعذّر لرفض عون بالدرجة الأولى، والدفع الخارجي والرأي العام لإجراء الانتخابات كمدخل لحل الأزمات القائمة.

إلا أن مصدر سياسي يتخوّف عبر “أحوال” من تعذّر إجراء الانتخابات أيضًا بداية أيار لسبب ما، أمني (اغتيال شخصية كبيرة) أو عسكري (عدوان إسرائيلي في الجنوب)، أو سياسي – اقتصادي يؤدي الى إنفجار اجتماعي في الشارع، ما يضعنا أمام تمديد حتمي، وقد يتعذّر تأمين النصاب النيابي للتمديد، فنكون أمام فراغ نيابي واقع، ما يفتح الباب على احتمال تطيير الاستحقاق الرئاسي مع حكومة تصريف أعمال بعد نهاية ولاية المجلس، وبالتالي نكون أمام استعصاء دستوري قد يأخذ البلد إلى صراع سياسي وأمني خطير.

ويأتي عن هذا الفرضية “سيناريو” واقعي ووارد، بأن يرفض عون ترك الحكم في ظل الفراغ في مجلس النواب وتعذّر انتخاب رئيس للجمهورية، كون الدستور ينص على أنه في حالة الشغور الرئاسي تنتقل السلطة وصلاحيات الرئيس إلى الحكومة مجتمعة، ومن الممكن أن يرفض عون نقل السلطة إلى حكومة تصريف أعمال بذريعة أنها غير أصيلة ولا تستطيع إدارة شؤون البلاد ومرحلة الفراغ، فيبقى في منصبه في ظل تعذّر إعادة تكوين السلطة وتذهب البلاد إلى تسوية سياسية جديدة على غرار “تسوية 2016” أو مؤتمر تأسيسي.

وما يعزّز هذا “السيناريو” الأخطر، بحسب المصدر، هو لجوء القوى الخارجية (واشنطن والرياض) إلى تطيير الانتخابات بأحد الحالتَين: إذا رأوا في الربع الساعة الأخير بأن نتائج الانتخابات لن تأتي وفق تطلعاتهم بتحجيم كتلة “حزب الله” وحليفه المسيحي أي “التيار العوني” لمصلحة الفريق الأميركي في لبنان، وبالتالي بقاء الخريطة السياسية للمجلس على حالها، والثانية أن يخدم هذا الخيار المشروع الأميركي بتعميم الفراغ وفق خطة وزير الخارجية السابق مايك بومبيو لمزيد من الضغط على “حزب الله” وخضوع لبنان للشروط الدولية.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى