مجتمع

حرائق لبنان: الفاعل مستتر والحل بتوقيع مرسوم مأموري الأحراج

تلتهم النيران غابات لبنان وأحراجه، من جنوبه حتى شماله ومرورًا بالجبل، الأمر الذي أدّى إلى حالٍ من الهلع لدى المواطنين، خاصّةً وأن النيران كانت قد وصلت إلى حرم المنازل في العديد من البلدات، ما أدّى إلى استنفار أجهزة الإطفاء لدى الجمعيّات الكشفية والدفاع المدني والجيش إضافة إلى الأهالي، الذين عملوا على إخماد النيران.

هذه الحرائق ليست بجديدة، ففي كل عام يشهد لبنان موجة من الحرائق، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف تشتعل الحرائق بفعل الطبيعة في جو بارد؟ أم أن الذي يحصل مفتعلًا من البشر؟

منذ شهرين اندلعت حرائق في منطقة عكّار شمال لبنان، بدأً من وادي أكروم والقبيّات وصولًا إلى الهرمل ، والتهمت النار ما يزيد عن مليوني ونصف المليون متر مربّع، وهذه الحرائق كانت مفتعلة، وفق ما أكّد أستاذ القانون البيئي في الجامعة اللبنانية الدكتور عامر طرّاف في حديثه لـ”أحوال”، لافتًا إلى أنه منذ يومين تجدّدت الحرائق في بعض المناطق الجنوبية ولا زالت حتى هذه اللّحظات في مناطق أخرى، قابلها حريق آخر في منطقة المونتي فيردي وبرمّانا وبيت مري والمكلس والمنصوريّة، وبنفس التوقيت اندلعت النيران في فنيدق عكّار، وهذه النيران لم تندلع بالصدفة وليس بفعل الطبيعة، لأنّ حرارة الجو كانت تحت الخمسة وعشرين درجة مئوية ولم يعد هناك حرارة مرتفعة، ولهذا فإنّ هذه الحرائق مفتعلة وعن سابق تصوّر وتصميم، وربّما يكون هناك غاية من خلف هذه الأعمال.

لا يستبعد طرّاف أن يشعل البعض الأشجار بهدف الحطب، لكن لا يتصور أن يقدم شخص على إحراق حرش يحوي آلاف الأشجار بهدف الحطب إذ يمكنه وبكل سهولة أن يقطع الأشجار التي يريد وينسحب من المكان دون لفت للأنظار، ولهذا يرجّح أن تكون الحرائق مفتعلة.

 

هذه الكارثة البيئية كان يجب أن نتجنّبها منذ سنوات، عبر توقيع مرسوم مأموري الأحراج، فمن الخطأ المميت أن يبقى هذا المرسوم دون توقيع بسبب الاعتبارات الطائفية والمذهبيّة، كذلك إهمال توقيع المراسيم التطبيقية لقانون حماية البيئة الذي يحمل رقم 444 الصادر عام 2002 والذي يحمل خططًا لحماية الأحراج عبر الحماية والاحتراز، ويضم بنودًا تتعلّق بإنشاء الضابطة البيئية، وفق ما أكّد طرّاف.

وأشار طرّاف إلى أنّ الفاعل دائمًا ما يكون مستترًا ويصعب كشفه، لهذا من الضروري وجود شرطة بيئيّة ومأموري أحراج من أجل المراقبة عن كثب وليلًا ونهارًا للأوضاع داخل الأحراج، حيث يجري التدقيق بحال الأشجار والحرش ومن يدخل ومن يخرج منه، ويتم الاتصال بالمعنيين في الوزارات للمعالجة العاجلة للخلل ولتجنّب الحرائق.

الغطاء الأخضر في لبنان متروك وهذا تتحمّل مسؤولياته كل الوزارات المعنية وليس فقط  وزارة البيئة، واليوم بعد كل هذه الحرائق أتوقّع أن يكون الغطاء النباتي قد تراجع إلى ما دون العشرة بالمئة، وهذا يؤدي إلى خسائر فادحة في التنوع البيولوجي، ومن المفروض بحسب قانون البيئة أن يتم العمل بالخطة الاستراتيجيّة لحماية الأحراج عبر زرع الأشجار في الأماكن التي تعرّضت للحرائق أو للتصحّر، لكن هذا للأسف لم يحصل أبدًا، وفق ما أكّد طرّاف.

 

حرائق اليوم ربّما تكون مفتعلة، لكن إن عُرِف فاعل الحرائق في تشرين الثاني عام 2019، فسيعرف فاعل حرائق اليوم، وكل التحقيقات التي أُجريت حينها لم تصل إلى نتيجة، وبالمحصّلة عندما (تسيَّب) الأحراج ويغيب عنها حرّاسها، تسرح الأيادي العابثة بالطبيعة ومكونّاتها، لا لأجل شيء وإنما احترامًا لمبدأ ستة وستة مكرر المقدّس.

منير قبلان

باحث قانوني. إعلامي ومعد برامج وتقارير سياسيّة واجتماعية. يحمل شهادة الماجيستير في الحقوق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى