منوعات

تعويضات نهاية الخدمة للمتقاعدين.. الحل المرتقب “أزمة” أكبر؟

بادر رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، إلى الاجتماع بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أجل ايجاد حلٍ لموضوع فقدان القيمة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة للعاملين، والتي يحصلون عليها من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وقدّم الأسمر لسلامة كتابًا رسميًا بالموضوع، حيث لاقاه بهذه المبادرة المدير العام للضمان الاجتماعي، محمد كركي، الذي بدوره أرسل أيضًا كتابًا لحاكم مصرف لبنان حول الموضوع عينه، وقد وعدهم الأخير خيرًا.

وبينما انتشرت أخبار تفيد أن حاكم مصرف لبنان اتخذ القرار منفردًا، إلا أن مصدر خاص من مصرف لبنان أكد لموقع “أحوال ميديا” أن هذا الموضوع طُرح في المجلس المركزي للمصرف لمرتين وليس لمرة واحدة فقط، لافتًا إلى أنه رغم تريث أعضاء المجلس، بسبب الأزمة الاقتصادية والحاجة إلى دراسة الأرقام وتحديد المستفيدين من القرار، إلا أنَّ الجو ايجابي بشكلٍ عام، حيث أنَّ كافة الأعضاء يبدون تعاطفًا مع الناس بسبب الحالة الاقتصادية والأزمة الخانقة. وبحسب المصدر، فالموضوع بحاجة الى دراسة أكثر لأن اقتصاد البلد على المحك.

القيمة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة موضوع بحث في الدولة

اعتبرت الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية، د. سابين الكيك معلوف، في حديث لـ”أحوال” أنًّ المحافظة على مدخرات المضمونين في صندوق نهاية الخدمة لدى الضمان الاجتماعي بات أمر صعب ومُربك، سواء على صعيد الأموال المودعة في المصارف أو على صعيد الأموال التي استُثمرت في سندات الخزينة أو في سندات اليوروبند، حيث قُدرت الخسائر الناتجة عنها بموجب تعاميم المصرف المركزي الأخيرة بـ٤٥٪ .

الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يقارب الموضوع انسانيًا

وفي ما يتعلّق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أكد كركي أنَّ المؤسسة ليست مسؤولة عن انهيار العملة، ولكن مراعاة منها لأوضاع الناس كافة، أقدمت على إرسال كتاب إلى حاكم مصرف لبنان طالبة إيجاد الصيغة المناسبة للمحافظة على القيمة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة. ويؤكد كركي أنَّ الضمان لن يدفع التعويضات إلا كما هو منصوص عليه في القانون، في حين سيدفع مصرف لبنان الفرق وفقًا للآلية التي سيضعها، لافتًا إلى أن هذه المبادرة ليست وليدة اليوم بل كان هناك محادثات بين وزير العمل السابق كميل ابو سليمان والبنك الدولي منذ حوالي السنة والنصف، لإيجاد صيغةٍ للمحافظة على القيمة الشرائية لتعويضات الضمان، سواء كلياً، أي ما يقارب 12 ألف مليار ليرة، أو جزئياً، إلا أن هذا المسعى توقف مع استقالة الوزير أبو سليمان واستقالة الحكومة وقتها.

ويتابع كركي في حديثه لموقعنا: “على اثر الأزمة الاقتصادية، بدأ الضمان بتحويل قسم من أموال نهاية الخدمة إلى دولار، ولكن بسبب فقدان العملة الصعبة لم نستطع تحويل أكثر من 5% منها، أي ما لا يتخطى مبلغ الـ400 مليون دولار”.
من هنا، تمنى كركي أن تنجح المبادرة الجديدة مع المصرف المركزي، حيث يتم درسها بشكلٍ جدّي، خصوصًا أنَّ الإشارات إيجابية، آملًا أن يصدر سلامة قرارًا بهذا الخصوص في القريب العاجل وتُحل عندها المشكلة. وختم كركي كلامه بالقول: “نحن علينا مسؤولية المحافظة على القدرة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة وتأمين حقوق الناس”.

التداعيات الاقتصادية للقرار

انعاكاسات مالية ونقدية سلبية عدة سيحملها هذا الطرح:
أولاً: هو التفافٌ باعتماد حلٍ مجتزأ يحمل في طيّاته ازديادًا في نسبة التضخّم مع ما ينتج عنها من ارتداداتٍ سلبية، لأن لا قدرة ائتمانية فعلية لتطبيق هذا القرار دون إصدار وطبع الليرة اللبنانية دون تغطية بالعملات الاجنبية.
ثانياً: يؤدي الطرح إلى تعميق المشكلة التي يعاني منها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهي بطبيعتها مزدوجة المصدر ومضاعفة النتائج، لأنها تجمع بين الخسائر الناتجة عن الديون السيادية والخسائر الناتجة عن الأزمة المصرفية والتي بأساسها أيضاً ترتبط مباشرةً بتخلّف الدولة عن تسديد ديونها، وبالتالي فهذا التعميم المطروح هو حلّ وهمي سيساهم في الاستمرار بدوامةٍ من التراكمات.
ثالثاً: سيُعقّد الحسابات بين مصرف لبنان والمصارف والدولة والضمان الاجتماعي طالما أنَّ أزمة المديونية العامة ذاهبة باتجاه إعادة الهيكلة، حيث من المرجح أن يحمل هذا التعميم في خلفيته اقتطاع جزءٍ أو كل دين الضمان في سندات اليوروبند أو لدى مصرف لبنان، وعندها “سيأكل المواطن الطعم” وسيكون وقْع الفاتورة باهظاً على الموظف.

وانطلاقًا مما سبق، استغربت د. معلوف غياب دور القيميين على مصالح جميع الفئات، متسائلة ما إذا كان هذا الطرح يعني بدء إعادة هيكلة ديون الدولة من الصناديق الضامنة، متخوفة من أن يصبح حال المتقاعد اللبناني كحال المتقاعد اليوناني الذي يعاني من أحوالٍ معيشية مأساوية حتى اليوم.

الخسائر الكبيرة ستؤدي إلى هجرةٍ شبابيةٍ وتغيير ديمغرافي

من جهة أخرى، لفتت د. سابين معلوف إلى أنَّ الخسائر الكبيرة التي مُني بها الضمان الاجتماعي ستصيب النظام التقاعدي في بعده الاجتماعي والإنساني العميق، في ظلّ نظامٍ فاشل للرعاية الصحية العامة وغياب ضمان الشيخوخة، مشيرة إلى أنه مع انخفاض المعاشات التقاعدية وانهيار سعر الصرف والقدرة الشرائية، وجب التحذير من خطورة تأثير ذلك على حقوق المواطن المعيشية، خصوصًا إذا ترافقت مع فرض ضرائب جديدة. كل هذا وغيره من محطات الأزمة اليونانية، يدفعنا إلى القول أنَّ هذه الانعكاسات قد تصل إلى حدّ التغييرات الديموغرافية مع اضطرار مالكي العقارات إلى بيع ممتلكاتهم بأسعارٍ متدنيةٍ، ما سيؤدي إلى زيادة معدلات الهجرة الشبابية بدرجات قياسية.

لا خيارات جيدة

في موازاة كل ذلك، رأت د. معلوف أنّه يجب الانتباه إلى إمكانية عقد اتفاقية مع صندوق النقد الدولي في المراحل القادمة، والتي ستحمل معها رزمة تقشفات ستطال المتقاعدين كما الشعب اللبناني ككل، عدا عن الخسائر المباشرة عبر عملية إعادة هيكلة ديون الدولة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، لافتةً إلى أنَّ أهمّ شروط صندوق النقد الدولي في الدول ذات القطاع العام المضخم هو تعديل النظام التقاعدي.

يبدو أنَّ جميع الخيارات أمام المواطن اللبناني اليوم سيئة، ورغم حسن نية البعض إلا أنّهم يضعون المواطن بين خيارَي الموت السريع أو الموت البطيء، وهذا ما ينطبق عليه القول المصري الشهير “أنت كده ميت وكده ميت”.

محمد شمس الدين

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى