انتخابات

الانتخابات النيابية: سباق بين حصان طروادة و”التغيبر الآمن”

بدأت القوى السياسية ومجموعات المجتمع المدني بالدخول التدريجي في “فورمة” الانتخابات النيابية المقبلة التي بدأ عدها التنازلي ولم تعد تبعد سوى مسافة أشهر قصيرة.

والأكيد، أنّ جهات داخلية عدّة تحتاج إلى استعادة “لياقتها البدنية” لخوض السباق الانتخابي الذي سيكون أصعب من أيّ وقت مضى، خصوصًا أنّ أحداث العامين الماضيين، وتحديدًا منذ حراك 19 تشرين الأوّل 2019، أنهكت اللّاعبين السياسيين الذين سيجدون مشقة هذه المرّة في تجديد شرعيتهم الشعبية، بعد التحولات التي طرأت على مزاج جزء من الرأي العام تحت وطأة الانهيار الاقتصادي وتفسخ الثقة في الطبقة الحاكمة منذ عقود طويلة، وإن تبدلت الأدوار أحيانًا بين المعارضة والموالاة تبعًا لما تقتضيه المصالح.

ولعلّه لو تُرك الأمر للطبقة السياسية لكانت قد فضلت تأجيل الانتخابات والتمديد للمجلس الحالي في انتظار أن تستكمل ترميم هيبتها وصورتها المتصدعتين وتستعيد كلّ قواها وطاقتها، منعًا لأيّ مفاجآت غير سارة في صناديق الاقتراع.

ولكن الجميع يدركون أنّ تأجيل الانتخابات غير ممكن لسببين، الأوّل يتعلّق بصعوبة تسويق مثل هذا الخيار في الداخل اللّبناني،  والثاني وهو الذي يُحسَب له الحساب الأكبر، يتصل برقابة المجتمع الدولي الذي لن يسمح بإرجاء هذا الاستحقاق تحت طائلة  العقوبات.

في المقابل، لا يعني ذلك أنّ الخارج يصر على إجراء الانتخابات كرمى لعيون اللّبنانيين وحبًا بالديموقراطية، بل له حساباته السياسية التي تستند إلى رهان على إحداث انقلاب ناعم عبر صناديق الاقتراع بغية تغيير المعادلة الداخلية وإضعاف حزب الله بعد انتزاع الأكثرية النيابية منه. ولم يعد خافيًا أنّ هناك جهات دولية عدّة تدعم علنًا بعض مجموعات المجتمع المدني وتساهم بأشكال عدّة في تحضيرها لخوض الانتخابات، مفترضة أن من يُعرَفون بال “NGOs” هم البديل عن الواقع السائد.

بهذا المعنى، فإنّ الدوائر الغربية ستستخدم شعار مكافحة الفساد وإسقاط رموزه كغطاء للهدف المضمر وهو الانقضاض على  الحزب وخيار المقاومة من خلال ثقوب صناديق الاقتراع بعدما اخفقت المحاولات الأخرى عبر الحرب العسكرية والضغط الاقتصادي.

وتبعًا لتقديرات أوساط سياسية، فانّ الانتخابات المقبلة، وإضافة إلى بُعدها الداخلي الأساسي، ستكون كذلك مسرحًا لمعركة بين الحزب وواشنطن وحلفائها، امتدادًا للمواجهة التي تحصل حاليًا على قاعدة كسر الحصار الأميركي، لاسيّما أنّ المقاومة قرّرت أن تواجه الأميركيين بالمباشر وأن تُنازلهم وجهًا لوجه في ساحات التماس الممتدة من ناقلات النفط إلى أماكن نفوذهم في لبنان، بعدما كان النزاع يدور بالوكالة مع حلفائهم وامتداداتهم.

ولئن كانت المعركة الانتخابية تكتسب هذا البعد الاستراتيجي الذي لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه، إلّا أنّ هناك من يعتبر أنّ ذلك لا يجب أن يكون مبرِّرًا لتهميش الجانب المحلّي الحيوي المتعلّق بضرورات التجديد الداخلي في الشكل والمضمون، سواء لجهة عدّة الشغل أو محتوى الخطاب الموجه إلى الناخبين، إذ أنّ طبيعة التحديات المتأتية من الانهيار لم تعد تسمح بالمداراة والمسايرة على حساب مصالح الناس وحقوقهم، وبالتالي فإنّ المقاومة ستكون، وفق أصحاب هذا الرأي، أمام تحدي المواءمة بين متطلبات التصدّي لحصان طروادة الأميركي والغربي الذي سيحاول التسلّل إلى الانتخابات وبين موجبات استثمار المناسبة الدستورية  للدفع في اتجاه تجفيف ينابيع الفساد وإيجاد بيئة مناسبة للإصلاح.

وما يزيد من أهمية الاستحقاق المرتقب في الرببع المقبل أنّه يسبق بفترة قصيرة انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث أنّ التوازنات التي ستفرزها الانتخابات النيابية ستؤثر حُكمًا على تلك الرئاسية، ومن هنا فإنّ القوى السياسية ستخوض الاختبار النيابي وعيونها على الاستحقاق الرئاسي.

إنّه مخاض مرحلة إعادة تكوين السلطة على أنقاض دولة ممزّقة، فهل سيجدّد النظام العفن علّاته وخلاياه مرّة أخرى أم سيكون بالإمكان إطلاق دينامية تغيير آمن، لا يهدّد الثوابت الوطنية؟.

 

عماد مرمل

 

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى