منوعات

فيديو| السنجاب اللبناني “مزارع” دون أجر… ضحية حرائق الأحراج

خمسة أيام مضت ولا زال فيديو السنجاب المحترق جرّاء النيران في القموعة والزواريب وعكار العتيقة يحاصرني بـصراخه ويطاردني بـأوجاعه، علماً أن هذا الفيديو الذي انتشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي لم أشاهده كاملا، فقط مقطعاً صغيراً، لكن كان كفيلاً بترك ندوب عميقة في أعصابي المثقلة بضغوط الحياة، ماضياً وحاضراً، كما حال اللبنانيين في بلد الأزمات والحروب والكوارث، ولما أزلْ – كما السنجاب إياه – أتقلّب من وجع إلى آخر، لا يدركني النوم دون حبة مهدىء وأكثر.

 

( الفيديو يحتوي على مشاهد صادمة بعدسة عمر الكك من صفحة درب عكار)

 

تردّدت كثيرا قبل الكتابة عن هذا المشهد الصادم، لكن تبدَّت جملة من الأسئلة وتوالت تباعاً مع حجم الحرائق التي طاولت مساحات شاسعة من لبنان: كم من الحيوانات البرية امتدت إليها ألسنة اللهب؟ كم نفق منها؟ ما هي أنواعها؟ هل هي مهددة بالإندثار؟ وما الأثر الذي يتركه انقراضها أو تراجع أعددها؟

الخسائر الإيكولوجية

في لبنان، لا نتطرّق إلى حجم الخسائر الإيكولوجية الناجمة عن الحرائق والتعديات، نحصي الأشجار البرية والمثمرة المتفحمة والمتضررة فحسب، ولا نقيم اعتباراً لخسارة الغطاء النباتي ولا للتنوع البيولوجي الذي نعيش بين ظهرانيه، ونحن جزء منه، نؤثر فيه ونتأثر به، علماً أنّ الخسارة الإيكولوجية لا يمكن تخمينها بالمال، وإنّما بخدماتها ودورها في إرساء التوازن البيئي كضرورة وحاجة لاستمرار الحياة وتجددها. وإذا ما أردنا تخمين هذه الخسارة فهي تقدر بملايين الدولارات، فعلى سبيل المثال إذا خسرنا سنجاباً واحداً نخسر كائناً يساهم في تحريج الغابات، فالسنجاب يخبىء البذور بأكثر من حاجته، وما يبقى منها يعود وينمو أشجاراً، وثمة توازن بين الكائنات العاشبة واللاحمة تؤمن ديمومة النظم الإيكولوجية.

شهدنا أثناء الحرائق الكارثية التي طاولت أستراليا مؤخراً كيف أنّ خبراء وناشطين كانوا إلى جانب عمال الإطفاء، وهم يعملون على إنقاذ الحيوانات البرية، ولا سيّما حيوان الكوالا، ومن أُصيب منها بحروق بليغة جرى نقله إلى عيادات خاصة لعلاجه وتأهيله وإعادة إطلاقه في بيئته الطبيعية، صحيح أنّ الأولوية لإنقاذ البشر وإخلائهم من أماكن الخطر، لكن دون أن يعني ذلك أنْ لا نلقي بالاً لكائنات تطلق نداءات استغاثة صراخاً وعويلاً، فالنار واحدة، وكذلك الألم، وهنا يبدأ البعد الإنساني في مقاربة كوارث من هذا النوع.

 مبادرة درب عكار

وسط لهيب النيران الأخيرة في أكثر من منطقة، جاءت مبادرة ناشطين في مجموعة “درب عكار”Akkar Trail  برداً وسلاماّ، لتؤكد أنّ ثمة وعياً يتنامى ويؤسّس لواقع أفضل، فأفراد المجموعة الذين ركبوا المخاطر ليخمدوا النيران بما تيسر من أدوات، كانت أعينهم أيضاً على كائنات تستغيث، سلاحف، أفاع وغيرها، وبالفعل تم إبعاد بعدها عن مكان الحريق في أحراج عكار العتيقة، خصوصاً وأنّ هذه المجموعة توثق علمياً الغنى والتنوع الحيوي، وتمكنت من اكتشاف – وللمرة الأولى – أنواعاً جديدة من السحلبيات (الأوركيد).

ما لا يمكن التغاضي عنه تأكيد ناشطين في المنطقة أنّ “الحرائق مفتعلة” وساهمت الرياح الشديدة وارتفاع درجات الحرارة بتوسعها فطاولت أراضٍ شاسعة، لكن في لبنان دائما يتم تجهيل الفاعل، والإكتفاء بالإدعاء “على مجهول”، ولم نشهد يوماً أن أحداً من هؤلاء تم سوقه إلى المحاكمة، ذلك أن اليد الطولى للنافذين، نواباً ومسؤولين يتطلّعون لخوض انتخابات نيابية عبر ما يسدونه من “خدمات” للمحازبين والمؤيدين.

وسط حجم النيران الملتهبة، وثّق ناشط من مجموعة “درب عكار” الفيديو المروّع للسنجاب الهارب من سعير النار بعد أن تمكنت منه، إذ بدا غير قادر على الحركة من حروق بالغة أصابته، وتعذر علاجه ونفق في أرضٍ يباب.

السنجاب معرّض للإنقراض

من الصعب الإحاطة بمجمل أعداد وأنواع الكائنات المتضررة والتي نفقت أو خسرت موائلها، ذلك أن ثمة طيوراً وثدييات وزواحف وحشرات ومراعٍ للنحل، وربما هناك ثعالب وضباع وغيرها، ونكتفي بالإطلال على السنجاب اللبناني وماذا تعني خسارته وتراجع أعداده.

في هذا السياق، استعنا بدراسة علمية أعدها سابقا “مركز التعرّف على الحياة البرية والمحافظة عليها” في مدينة عاليه Animal Encounter، وخلصت إلى أنّ “السنجاب اللبناني بات على قائمة الحيوانات المعرّضة للانقراض”، فيما قال رئيس المركز والخبير في الحياة البرية، الأستاذ المحاضر في كلية العلوم في الجامعة اللبناية الدكتور منير أبي سعيد لـ “أحوال”: “بعد الحرائق يعود السنجاب إلى موقعه ويتناسل من جديد”، إذا لم يتأثر بالنيران وتمكّن من الهرب سريعاً، لكن ثمة كائنات تحاصرها النيران وتقضي احتراقاً.

وأضاف: “السنجاب يتكاثر في بعض المحميات اللبنانية، والدراسة التي أنجزها مركزنا في محمية إهدن بالتعاون مع الجامعة اللبنانية والطالبة جانيت خوري، بيّنت أنّ أعداده مقبولة إذا ما توفرت سبل حمايته”.

 

السنجاب “مزارع” دون مقابل

وعن أهمية السنجاب، قال أبي سعيد: “دوره الطبيعي والبيئي مهم جداً لأنّه يخبئ البذار تحت الأرض ويساهم في تشجير الغابة تلقائياً، لكن ما تجدر الاشارة إليه ما توصّل له علماء منذ نحو سنتين، فوجدوا أنّ السنجاب يخبئ البذور تحت الأرض، لكن كي لا تنبت جميعها يختار بعض البذور التي سيتركها للشتاء ويقوم بأكل ما هو موجود حول الـ Embryo (الجنين) كي لا تفرّخ وبهذه الطريقة يبقى لديه طعاماً للشتاء، وقد يظن البعض أنّ السنجاب حيوان مضر بالبيئة لأنّ هذه البذور لا تعود صالحة، لكن نجد من خلال هذا الكشف كيف أنّ البيئة قائمة على توزان دقيق، فلو أنّ هذا السنجاب خبأ كل البذور فستنبت جميعها، وبالتالي لن يجد ما يأكله في الشتاء، لكن في الطبيعة ثمة قوانين لا نعرفها، فلو كل هذه البذور ستنبت دفعة واحدة فهي لن تعيش، وعندما يقدم السنجاب على أكل الـ Embryo فهذا يعني أنّ عدداً محدداً من هذه البذور ستنمو لتتوفر لها فرصة أن تنمو وتكبر”.

واعتبر أنّ “السنجاب يمكن اعتباره مزارعاً يعمل دون مقابل ولذلك يجب أن نحافظ عليه”، وقال: “ثمة من يشكو من أنّ السنجاب يقتات على الجوز والصنوبر واللوزيات، وهذا صحيح، لكن عندما نفكر كم زرع السنجاب من بذور الصنوبر والجوز وما هي الكمية التي يأكلها نجد أنّه

لم يأكل كمية تستحق الذكر”، وأكد أبي سعيد أنّ “المركز ما يزال يجري المزيد من الأبحاث على السنجاب”.

أنور عقل ضو

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى