منوعات

حمادة لـ”احوال”: نشعر باستهداف “حزب الله” في بيئته

المواطنون في بعلبك مخيّرون بين اللاّأمن والأمن بالتراضي والأمن الذاتي

التفلّت الأمني في بعلبك – الهرمل نجم كل العهود وبالتأكيد يفوق قدماً دولة لبنان الكبير الذي نعيش هذه الأيّام مئويتها الأولى. فهو نتيجة خلل بنيوي وعضوي في آن، وربما في بعض الأحيان قد يكون السبب.
بنيوياً، غياب الوجود الفعّال للدولة ومؤسساتها يرخي بثقله على المنطقة التي تشكّل نحو ثلث مساحة لبنان (3,009 كم2). كما أنّ وَقْعَ تحويل قضائي بعلبك والهرمل الى محافظة في 16 تموز  2003، لم يكن على قدر توقّعات الناس ولم يحدّ الحرمان المزمن الذي يعانون منه.
فالحرمان عابر للطوائف والبلدات والعشائر، والقاسم المشترك بين زمن المارونية السياسية والحريرية وحتى الثنائية الشيعية اي “حزب الله” – “أمل” التي تشكل المنطقة خزاناً شعبياً وانتخابيا ًلها حيث تحصد المقاعد النيابية العشر منذ الطائف باستثناء الدورة الأخيرة التي سمح القانون الانتخابي الجديد بتنوّع في التمثيل يعكس تعددية المنطقة، فخُرقت لوائح الحزب بنائبي “القوات اللبنانية” الدكتور انطوان حبشي وتيار “المستقبل” بكر الحجيري.

سواء كان السبب اهمالاً او عجزاً او استغلالاً، فالنتيجة واحدة حرمان قد يولّد شعوراً بالتهميش والغبن والمظلومية أو ينتج عدائية تجاه الدولة والآخر والذات. كما أنّ الحرمان يعزّز من الميل الى التفلّت الأمني ورغم ذلك لا يجوز أن يبرّره.

هذه المشاعر قد تكون وراء الخلل العضوي في التركيبة المجتمعية او الفردية وربما العكس، فقد يكون هذا الخلل شكل ارضاَ خصبة للخلل البنيوي. في المنطقة عادات حميدة عدّة كالكرم والمروأة والنخوة والشجاعة. لكن هناك ايضاً موروثات تعكس احد اوجه التفلّت الأمني والخروج عن منطق القانون، وأبرزها امتلاك السلاح الفردي بشكل جماعي، عادات اطلاق الرصاص في أوالأتراح، الأخذ بالثأر وحل المشاكل عبر لجان صلح محلّية تفصل بين المتنازعين وتحدّد حتى الغرامات او التعويضات. كما ان نسبة عمليات السلب والخطف وسرقة السيارات الى جانب زراعة المخدرات والإتجار بها مرتفعة في المنطقة.

لا صوت يعلو فوق صوت الامن

في بعلبك – الهرمل، مقوّمات ايجابية عدة اكان زراعية مع توفر السهول الخصبة والمساحات، أو صناعية مع إمكان الاستفادة من رخص العقارات واليد العاملة، أو سياحية في ظل وجود معالم أثريّة من قلعة بعلبك الى قاموع الهرمل، مقامات دينية من سيدة بشوات الى مقام السيدة خولة الى دير مار مارون – العاصي، وبنية سليمة للسياحة بيئية. إلا أنّ لا صوت يعلو فوق صوت الأمن، فمن يجرؤ أن يستثمر وكما يقال “رأس المال جبان”؟ فأي سائح سيقوم بزيارة المنطقة مع تفشّي حوادث القتل والخطف والتشليح وسرقة السيارات؟

في الأيام الأخيرة، تكرّرت الحوادث الأمنية بشكل لافت والخطر الداهم فيها استسهال القتل وارتفاع فتورة الدم، حيث سقط ابرياء بسلاح اللصوص من الشاب مهدي وهبة في بلدة شعث أثناء محاولتهم سرقة مواشيه، أو المواطن علي خليل عبد الساتر خلال محاولته ردعهم عن سرقة محصوله الزراعي من البصل في سهل بلدة إيعات.

وفي ما يلي جدول عن أهم الحوادث الأمنية شبه اليومية في هذا الشهر في بعلبك – الهرمل:

 

13/9/2020 لم يتوقّف ركاب جيب نوع غراند شيروكي عند حاجز للجيش في منطقة الكيال – بعلبك، وأطلقوا النار باتجاه عناصره فجرح عسكرياً وفروا.
12/9/2020 أقدم ع. اسماعيل في بلدة الطيبة على إطلاق النار من سلاح حربي باتجاه القاصر ع. مظلوم (2004) مما أدى الى إصابته برجله اليسرى.
12/9/2020 أطلق مسلحون مجهولون يستقلون سيارة رباعية الدفع النار في اتجاه محل “جنى” لبيع الألبسة لصاحبه س. ي. في سوق بعلبك التجاري الذي كان يشهد حركة ناشطة.
9/9/2020 أطلق مسلّحون مجهولون النار على محل تجاري يملكه المواطن (ش.ط) وسط سوق بعلبك التجاري، واقتصرت الأضرار على الماديات.
9/9/2020 اقدم المطلوب ع. و. على خطف عبد الهادي ن. في مدينة بعلبك وتحدثت معلومات أن عملية الخاطف جاءت على خلفية مقتل مهدي وهبي في شعث.
8/9/2020 مقتل الشاب مهدي وهبة في شعث أثناء محاولة سرقة مواشيه وتمّ توقيف اثنين سوري وفلسطيني بعد 24 ساعة.
4/9/2020 مقتل المواطن علي خليل عبد الساتر جراء إطلاق نار عليه من مجهولين خلال محاولته ردعهم عن سرقة محصوله الزراعي من البصل في سهل بلدة إيعات.
3/9/2020 اشتباكات مسلحة بين ال علام وال حمادة في مدينة الهرمل
3/9/2020 اشتباكات مسلحة في حي الشراونة في بعلبك بين أفراد من عشيرتي جعفر وزعيتر، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية وسقوط جرحى.

حمادة: لا للخطط الأمنيّة الموسميّة والمطلوب استدامة تطبيق القوانين

يؤكّد عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب الدكتور إيهاب حمادة أنّ لا غطاء حزبياً على أي مرتكب وأنّ مسؤولية معالجة الفلتان الأمني المستمر في بعلبك – الهرمل تقع على عاتق الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية لا الأحزاب، وعليها فرض القانون من دون اي تلكؤ، مشيراً الى أنّهم يراجعون دوماً في هذا الأمر مع الوزراء المعنيين والقيادات العسكرية والأمنية لكنهم يشعرون بعدم الجدية في أحيان كثيرة من قبل المسؤولين العسكريين والأمنيين على الأرض.

أما بشأن “معزوفة” الخطة الأمنيّة التي يحكى عنها بين الحين والآخر وملّ منها أهل بعلبك – الهرمل، فيلفت حمادة إلى أنّ الخطط الأمنية الموسمية التي تطلقها الدولة بين الحين والآخر لمعالجة الفلتان في بعلبك – الهرمل غير مجدية والمطلوب ضبط الأمن وتطبيق القوانين بشكل مستدام.

ويكشف حمادة عبر “أحوال” ان “حزب الله” بدأ يشعر أنّ هناك من يستهدفه في بيئته عبر الفلتان الأمني في بعلبك – الهرمل.

كما لا ينفي غضب أهالي المنطقة جرّاء تحوّلهم إلى مشاريع ضحايا على يد الخارجين على القانون وعيشهم، ودعواتهم الى اعتماد الأمني الذاتي، مضيفاً: “لا يمكن لنا ان نردعهم بل على الدولة تحمل مسؤولياتها وحماية ابنائها والا هي من يدفعهم الى الأمن الذاتي”.

وفي الختام، ورداً على سؤال هل أن الأمن الذاتي قد يساهم في تعزيز الدعوات الى اللامركزية في ظل فشل الدولة المركزية بالقيام بمهامها، يؤكد حمادة ان هذا المشروع غير مطروح الآن و”حزب الله” ليس معه اساساَ”.

مظلوم: نحن ضحايا السلاح المتفلت واللا دولة

محمد ابو عبدو مظلوم والد القاصر الذي تعرض في بلدة الطيبة لإطلاق النار من سلاح حربي، وأصيب برجله خلال اشكال بين 5 فتيان على يد والد احدهم قبل ان ينهالوا بعدها عليه للضرب يقول لـ “أحوال”: “نحن ضحايا السلاح المتفلت والحرب الأهلية التي لم تنته في بعلبك –الهرمل مع اتفاق الطائف. تركنا المجال للدولة كي تحقق وتأخذ حق ابني كي لا نضطر ان نأخذ حقنا بيدنا”.

كما يشدّد على أنّ الأمن بالتراضي الذي تفرضه قوى الأمر الواقع غير مقبول، مضيفاً: “الأحزاب القائمة ربما ترغب باسترجاع الحرب الأهليّة وبتصادم الناس في ما بينها واستخدام السلاح. رفضنا أن يتطوّر الاشكال او أن يتم الاعتداء على اقارب مطلق النار ومحالهم، وحصرنا المسألة بمطلق النار ونجله. لكن اقتصر الأمر على تحقيق قوى الأمن وحين توجهت دورية للقبض على الجاني تلقت اتصالاً من فاعلين في أحد الأحزاب وتراجعت. هذا الأمر مرفوض”.

فقد مظلوم الثقة والأمل بالطبقة السياسية القابضة على البلد، وهو يتمنى أن تستلم الثورة الحكم كي تصنع دولة، وأردف: “نحن نعيش بلا دولة ولا امان ولا اخلاق ولا احترام. لو كنا نقوم بمخالفة بناء او بحفر بئر ماء، تحضر القوى الامنية فوراً وتسطر محضر ضبط اما ان كان المرء مسلحاً ومجرماً فلا تجرؤ الدولة على توقيفه. انهم يحضرون حيث توجد مزاريب للرشوة ويختفون امام السلاح المتفلت”.

وختم مظلوم محذّراً: “اذا لن تأخذ الدولة بحق ابني القاصر الذي استدين كي اعالجه على نفقتي فسوف آخذ حقه بيدي”.

عبد الساتر: قدرات البلديات محدودة واهلنا يطالبوننا بالأمن الذاتي

“من يسرقون ويخطفون هم “زعران” لطالما رهّبوا الناس وتعدّوا عليهم ولا علاقة للجوع بممارساتهم، مضيفاً “الجائع يطلب حصة بسيطة لاطعام عائلته ولا يملك سيارات فخمة مثل هؤلاء الزعران”، هذا ما يؤكده الدكتور حسين عبد الساتر رئيس بلدية ايعات التي فجعت بمقتل ابنها علي خليل عبد الساتر خلال محاولته ردع لصوص من سرقة محصوله الزراعي من البصل في سهل البلدة.

ويضيف أن “المنطقة رهينة الفلتان الأمني ولا رادع. أهل البلدة يطالبوننا بالأمن الذاتي ولكن هل يعقل أن نحلّ مكان الدولة؟ في الأصل إيعات نقطة تقاطع بين بلدات عدة ومساحتها اكثر من 30 الف كيلومتر مربع، ومفتوحة بسبب موقعها في السهل ما يعني أن لا مداخل محددة لها كي يتم ضبطها”.

كما لفت إلى وجود تطوّر في مفهوم العصابات في المنطقة في الفترة الأخيرة حيث يكون رئيسها لبنانياً، اما معظم أعضائها فأصبحوا من السوريين والفلسطينيين.

عن إمكانات البلديات في ضبط أمن بلداتها، يوضح: “قدرات البلديات محدودة والشرطة غير مسلحة. في ايعات لدينا عنصر واحد بسبب شح الأموال. فالناس لا تدفع المسقفات ونعتمد على عائدات الصندوق البلدي المستقل. نستنجد احيانا بشباب البلدة لمساعدتنا ولكن لا استطيع ان اتحمل على عاتقي ان يتعرض احدهم لا سمح الله لاطلاق النار؟”.

“المنطقة لا تزال مصنّفة منطقة عسكرية، فهل يجوز أن نقوم بأمن ذاتي ومن سيقوم به؟!”، يسأل عبد الساتر، ويضيف: “كل فترة تطلق الدولة خطة امنية لبعلبك الهرمل تدوم لأيّام محدودة، أليس الأجدى فرض النظام بشكل عام؟ ان لم تكن خطة مستدامة تبدأ بالقضاء على كل البؤر الأمنية والعصابات والزعران وتجار المخدرات لا حل. كل احزاب المنطقة عاجزة عن ضبط الأمن، فإنّ تحرّك اي فرد منها لا يوضع الامر في اطار انتمائه الحزبي بل العائلي وندخل في مسألة الثأر. لذا يجب ان يكون الامر منوطاً فقط بالقوى الامنية”.

وختم عبد الساتر: “لا قانون يردع المجرمين ولا قضاء يتحرّك ولا قوى امنية تفرض النظام بصرامة ولا نقاط امنية كافية. لكن كي لا نظلم هذه القوى، ففي ظل كثرة انشغالاتها ونقص عديدها لا تستطيع أن تغطي كل الأمكنة. حتى أنّ عناصر الجيش والقوى الأمنية التي تكون من المنطقة، يتم احياناً كثيرة الاعتداء عليها في وقت لاحق لتنفيذها مداهمة ما وقد قتل اكثر من عنصر منها بشكل سافر”.
بين دولة متخلية عن دورها في الأساس ومترهلة ومرهّبة، وقوى أمنية منهكة أو مدجّنة أو متواطئة، وعلامات استفهام عن صحّة منح هذه القوى الغطاء السياسي وعدم وجود خطوط حمر حزبية، يبدو أنّ كل مواطن في بعلبك – الهرمل مشروع ضحية مع وقف التنفيذ بانتظر أن يدقّ “الزعران” ساعته.

جورج العاقوري

 

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى