منوعات

بالفيديو… ظهور نادر لثعلب الماء (القضاعة) في جنوب الليطاني!

قلة تعلم أن ثعلب الماء (القضاعة) Otter موجود في لبنان، وربما يكاد يقتصر الأمر على حلقة ضيقة من الخبراء والعارفين، وحبذا لو بقي الأمر كذلك، كي يظل هذا الكائن النادر بعيدا من عيون الفضوليين والعابثين بالحياة الطبيعية، علما أن وجود هذا الحيوان النادر في لبنان كان يقتضي إصدار قانون خاص يكرس حمايته في موائله، كخطوة ملزمة للحفاظ على ما بقي من تنوع بيولوجي والحد من النزف الذي يطاول الأنواع في لبنان من كائنات برية وطيور مقيمة.

الحديث عن القضاعة أو ثعلب الماء، يعزز مخاوف نشر صوره وتوثيق وجوده بطريقة غير علمية. يندر وجود هذا الحيوان في الطبيعة في انهر لبنان، إذ يقارب وضعه وضع “فقمة الراهب المتوسطية” Monk seal في البحر المتسوط، إذ يقتصر وجوده على أعداد قليلة جدا، لكن بعد العثور عليه من قبل مواطنين ونشر صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، صار من الواجب الحديث عنه، وتعميم ثقافة مجتمعية لحمايته وصولا إلى إعلان أماكن تواجده محميات طبيعية لصون التنوع البيئي الذي يشكل ثعلب الماء عنصرا أساسيا فيه، وهذا ما بادرت إليه “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” في خطوة تتسم بكثير من المسؤولية.

توثيقها بالفيديو

في هذا السياق وصل الى “أحوال” فيديو من المواطن (علي. ك) المقيم في إحدى البلدات الجنوبية الواقعة على ضفتي نهر الليطاني، ونتحفظ على ذكر اسمها حفاظا على حياة عائلة الثعالب المائية التي تعيش في المنطقة، وقال لـ “أحوال”: “الفيديو وثق يوم أمس على النهر وظهر فيه أحد الثعالب وهو مصاب برأسه ويرجح ان يكون قد أصيب بطلق ناري”، مضيفا: “كنت أسمع بوجود ثعالب الماء ولكن لم أرها يوما قط، لكن كنت أسمع عنها ممن صادف وشاهدوها”.

وأشار إلى أن “إحدى الجمعيات حضرت إلى المنطقة لنقلهم لمكان آخر للاعتناء بها ولم تفلح بالتقاطها”، وطالب “بضرورة حمايتها وتركها في المنطقة التي تعيش فيها، خصوصا وأنها وعرة وشبه عذراء وتتميز بغطائها النباتي ولا يقصدها سوى اهل البلدة فحسب”.

فؤاد عيتاني

رئيس جمعية حماية الطيور في لبنان الخبير فؤاد عيتاني، قال لـ “أحوال”: “ثعلب الماء Common Otter واسمه العلمي Lutra lutra seistanica، يصل طوله تقريبا إلى 75 سنتيمترا، سجل وجوده في محمية الشوف وحمى عنجر وكفر زبد والمناطق الرطبة مثل عميق في البقاع الغربي، ويعتبر نادرا نسبة لأعداده القليلة، ويعيش ضمن عائلة، وهو حيوان لاحم يتغذى على الأسماك والضفادع والسلاطعين والديدان والحشرات الكبيرة، كما أنه حيوان ليلي يظهر غالبا في الليل”.

ورجح أن “ظهوره نهارا ربما يكون بسبب أنه مصاب برأسه”، ورأى عيتاني أن “محاولة نقل ثعالب الماء من منطقتها يشكل خطرا عليها وقد تكون العائلة الوحيدة التي تعيش هناك”، معتبرا أن “وجودها لسنوات طوال في هذه المنطقة هو مؤشر على ان بيئتهم حيث هي موجودة جيدة لهم من حيث الملجأ والغذاء”.

وأشار عيتاني إلى أن “ثعالب الماء تسبح بطريقة جيدة ولا ضرورة لتدخل أحد لعلاج الثعلب المصاب، فقد يتعافى في طبيعته”، وشدد على “ضرورة إطلاع الدكتور منير أبو سعيد على الموضوع وهو يحدد إذا ما كان بحاجة لرعاية طبية ام لا”.

أبو سعيد: إعداد دراسة

وقد تواصل “أحوال” مع رئيس “مركز التعرف على الحياة البرية وحمايتها” الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية البروفسور منير أبي سعيد، فأبدى اهتماما كبيرا ورغبة في زيارة المنطقة للاطمئنان عليها.

وقال: “إن ثعلب الماء يعيش على طول خط الليطاني ومشاهداته قليلة”، لافتا إلى أنه عمل ويعمل على “دراسة علمية موسعة عن ثعالب المياه في لبنان” وشدد على “عدم التعرض لها وعدم الإعلان اسم المنطقة حفاظا على حياتهم”.

ورأى أبي سعيد أن “ثعالب الماء كائنات جدا حساسة ويمكن أن تنفق في حال تم نقلها”، وقال: “ربما لا يكون الثعلب الظاهر في الفيديو مصابا بطلق ناري وقد يكون قد اصطدم بإحدى الصخور”، محذرا من “محاولة الإمساك بها”.

علوية: لحمايها ومنع الاتجار بها

من جهته، قال مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية لـ “أحوال”: “منذ بداية معرفتنا بالموضوع تابعنا الأمر مع أحد المهتمين، وأوفدنا موظفين من المصلحة للمكان المحدد صباح اليوم”.

وأضاف: “كلفت أحد المختصين بأن يحضر لي دراسة موجزة عن الموضوع وسنراسل وزارة البيئة للتعميم على البلديات والداخلية لحمايتها ومنع صيدها او التعرض لها او نقلها والاتجار بها”.

جرادي: قيمة وجودية

وبحسب ما كتب الخبير في علم الطيور البرية البروفسور غسان جرادي، فإن “ثعلب الماء حيوان ثديي لاحم يتغذى على الأسماك واللافقاريات كالقشريات والرخويات. وهو حيوان اجتماعي يصدر أصواتاً يتواصل بها مع الآخرين، كما يشاهَد وهو يلعب مع أبناء جنسه”.

وأضاف: “هو حيوان مسالم لكنه يدافع عن صغاره بشراسة، ويتحرك في إطار 20 كلم لقضاء احتياجاته، ويقال إنّه يهجر مستنقع عمّيق (البقاع، شرق لبنان) في لبنان كلّ صيف، أي حين ينخفض مستوى مياهه، إلى منطقة عنجر (شرق) الغنية بالمياه ومزارع السمك حيث يأكل ويمرح في ظل حماية أمنتها له “جمعية حماية الطبيعة في لبنان” بالاتفاق مع بلدية عنجر ومجتمعها المحلي”.

وأضاف جرادي: “بين ثعلب الماء والإنسان منافسة قديمة العهد على الأسماك، خصوصاً أولئك الذين لديهم مزارع لأسماك الترويت والسلمون. الثعلب في فصل التفريخ أو التكاثر لا يتورع عن غزو مزارع الأسماك ليأخذ منها حاجته من أجل إطعام صغاره، سواء كان ذلك في عنجر أو في نهر العاصي (شمال شرق) أو ربما في نهر إبراهيم (كسروان، جبل لبنان). وعلى الرغم من أنه ليلي النشاط ويبقى طوال النهار نائماً في وكره تحت الأرض، ومع أنه يحفر ممرات ودهاليز عدة توصله بالنهر أو بالأحرى المياه فلا يراه أحد، إلا بالصدفة، نجده في حالة تدهور نتيجة اضطهاد الإنسان له، خصوصاً مربّي الأسماك الذين يضعون له الأشراك أو يطلقون عليه النار من أجل الحفاظ على كل سمكة لديهم متجاهلين، أو جاهلين، الدور الذي يلعبه في الطبيعة وتوازنها”.

وأردف: “أما في عنجر فلا يقتلون ثعلب الماء بل يحاولون حماية مزارع أسماكهم بإحاطتها بسياج من شبك معدني مكهرب قليلاً يحدث لدى الثعلب شعوراً غير مريح فيعزف عن الدخول”، ورأى أن “ثعلب الماء قيمة مضافة إلى عنجر وكفر زبد (شرق) اللتين تؤويان طائر النعار السوري المشرف على الانقراض. فبالإضافة إلى الخدمات البيئية غير المباشرة (القضاء على الأنواع الدخيلة الغازية، تهوية التربة، زيادة التنوع الحيواني، التخلص من الأسماك والسرطانات الضعيفة) التي يقدمها ثعلب الماء للنهر أو المستنقع فإنه يشكل مع النعار هدفاً لرواد التعرف على الطبيعة وحيواناتها، أي للسياحة البيئية التي تدر على أهل المنطقة مداخيل هامة”.

وختم: ” لثعلب الماء أيضاً قيمة وجودية تجلب بعض الممولين المانحين الذين لا يتورعون عن دعم حماية الطبيعة لمجرد علمهم أنّ نوع ثعلب الماء ما زال موجوداً في المكان”.

فاديا جمعة

فاديا جمعة

صحافية وناشطة بيئية واجتماعية لبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى