منوعات

تنحية البيطار… العدّة اكتملت!

دائرة الارتياب المشروع تتّسع حيال المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، وتستحكم الملفات القانونية في مستقبل مهمته بعد تقديم الدعاوى ضدّه بشكل متتالي من جانب المدّعى عليهم في قضية تفجير المرفأ. بين دعاوى الردّ ودعوى الارتياب المشروع يبدو أن معركة تنحية البيطار عن الملف قد بدأت تباشيرها في قضية لها حساسيتها الوطنية والإنسانية واكتملت العدّة للعودة بمسار التحقيق إلى الوراء لتتكرر اللعنات في بلد الانهيار.

انحراف في المسار والأداء أفلت الاتهامات ضد القاضي البيطار، وبات محور تصويب سياسي وإعلامي وطائفي، وكل الكلام عن استعداد الجميع الخضوع للقانون والتعاون لكشف الحقيقة بات هباءً منثورًا. بخطب سياسية وطائفية بدأت المواجهة السياسية مع البيطار، وكان أشدّ الخطب حدّة دفاعًا عن موقع رئاسة الحكومة، ما صدر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الأسبوع الماضي لجهة مسار التحقيق في جريمة تفجير المرفأ. ورفض المجلس “الانتقائيّة والاستئثار والانتقام السياسي والاستهداف”، بل كان أكثر صراحةً في دعوة السلطات الثلاث إلى اتخاذ خيار من ثلاثة: الأول، التزام المسار الدستوري لجهة الحصانات وعدم الخروج عليها، كما فعل القاضي البيطار. الثاني، رفع الحصانات عن الجميع بقانونٍ في مجلس النواب. الثالث: الذهاب للتحقيق الدولي.

وفي السياق عينه كان كلام المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أكثر خطورة مع إشارته الواضحة إلى تحول القاضي بيطار إلى “المحقق الدولي ديتليف ميليس”، الذي عان اللبنانيون من تلفيقاته في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قائلاً “”لعبة المطبخ الأميركي مكشوفة،

وما يتم ضخّه عبر الاعلام والتواصل الاجتماعي والشارع عن شهود زور بنسخة المدعو “كشلي” هو بمثابة بيئة تلفيقية خطيرة لاتهام سياسي خطير”. واعتبر، أن “ما تكشّف من قضية نيترات البقاع وآل الصقر، وما جرى من تحقيق بقضية المرفأ، ونوعية الاستجوابات، وطريقة إدارة الملف، ومن أين؟ وبمن يبدأ؟ كل ذلك يزيد بشدة من الشكوك القوية للتلفيق، ويدفع للمطالبة بعزل المحقق البيطار، لأن البلد منفوخ بالطبخات الفاسدة ولا نريد طبّاخين من نوعية ديتليف ميليس، ونصيحة من القلب: تذكّروا أن الأميركان سرعان ما يضحّون بوكلائهم من أجل مصالحهم، فهي أولوياتهم”.

الكلام الخطير وكيل الاتهامات لبيطار والارتياب من شيء يحضر، كان محور ما روّج عن زيارة قام منسق وحدة الارتباط في حزب الله إلى قصر العدل ولاحقاً ما سُرّب عن رسالة وجهها صفا إلى البيطار حول “مواجهة قانونية” قريبة بين الطرفين، وتمّ تفسيرها بأنها “تهديد” مباشر لكف يد البيطار عن الملف. تحركات صفا، التي لم يتم تأكيدها ولا نفيها بل وتجاهلها الحزب، زادت من احتمالية صحتها بخاصة أن ما يتم تسريبه عن “تلفيقات يتم تحضيرها لتغيير إفادات الموقوفين هدفها توريط الحزب بقضية نيترات الأمونيوم”، كما تفيد مصادر مطلعة.

صفا “غائب عن السمع”، ولا يُرضي فضول السياسيين والإعلاميين للتأكيد أو النفي أو التوضيح ما يُقال عن موقفه من البيطار، فيما باقي المدّعى عليهم في ملف تفجير المرفأ سلكوا الطرق القانونية للتعبير عن رفضهم لسلوك البيطار وباكورة الدعاوى كانت على يد وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس. وكرّت سبحة الدعاوى إيذانًا بانطلاق معركة تنحية القاضي عن الملف بـ”ارتياب مشروع” أمام الغرفة السادسة من محكمة التمييز برئاسة القاضية رندى كفوري، وتقدّم النائب نهاد المشنوق، محتميًا بدار الفتوى، بـ”طلب رد” أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت، وكذلك فعل النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر. وقد أحال الرئيس الأول لمحاكم استئناف بيروت القاضي حبيب رزق الله على الغرفة 12 التي يرأسها القاضي نسيب إيليا، في انتظار خطوة رئيس الحكومة السابق حسان دياب الذي يرجح أن يتقدّم بدعوى عدم صلاحية جلسة استجوابه المحددة في 4 تشرين الأول المقبل، والتي تم إبلاغه بها لصقاً وهو متواجد في الولايات المتحدة الأميركية.

في الأسباب الموجبة، فإن طلب الرد ودعاوى الارتياب استندت إلى ثلاثة أسباب رئيسية. أولاً، تجاهل النصوص القانونية وأولياتها، والنص الدستوري حدّد صلاحيات المجلس العدلي لمحاكمة الوزراء والمسؤولين. ويُتهم البيطار بـ”الاستنسابية” و”التمييز” بين القضاة والوزراء في “إحالة قضاة مدعى عليهم أمام الهيئات القضائية المعنية، بينما يصرّ على ملاحقته الوزراء من دون أي اعتبار للنصوص القانونية والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.

صلاحية المحقق العدلي كانت العثرة الأولى منذ ادّعاء القاضي صوّان، سلف البيطار، على المسؤولين والوزراء في السلطة السياسية. وفي شأن سرية التحقيق لم يكن هناك من سرّ، لم يدّع البيطار على كل السلطة السياسية والشخصيات المتعاقبة على الحكم منذ دخول شحنة نيترات الأمونيوم حتى وقوع كارثة 4 آب. بل أنّ ادّعاءه ضد رئيس حكومة سابق ووزراء سابقين محددين لتقاعسهم عن تأدية مهامهم ويُحمّلهم مسؤولية الانفجار بشكل أو بآخر.

ما توفره الدعاوى المضادة للمدعى عليهم، من العوامل الكافية لتنحية البيطار وتعيين محقق عدلي جديد، أي العودة إلى المربع الأول وعودة التحقيقات ضمن مسار جديد. وبمجرّد إبلاغ القاضي طارق البيطار بطلب الردّ المرفوع من المشنوق، يُجمّد التحقيق استناداً إلى المادة 125 من أصول المحاكمات المدنية. فتنص هذه المادة على أنه “منذ تبلغ القاضي المطلوب رده طلب الرد يجب عليه أن يتوقف عن متابعة النظر في القضية إلى ‏أن يفصل في الطلب. إلا أنه يجوز للمحكمة التي تنظر في طلب الرد في حال وجود ضرورة أن ‏تقرر السير في المحاكمة من دون أن يشترك فيها القاضي المطلوب رده”.

في لبنان استغراب ضياع الحق والحقيقة غير مستغرب ولا خارج عن تقاليد عالم السياسة، وبالنسبة للمتضررين من الكارثة الوطنية، أهالي الشهداء والضحايا، فالحرب المعلنة ضد البيطار هي وجه آخر من وجوه منع التحقيق بعد عرقلته وتمييعه وتغييب الحقيقة التي أوصلت إلى الفاجعة الأكبر في تاري المدينة. أمّا القاضي طارق البيطار فيُصر على أنه يؤدي مهمّته على أكمل وجه وأن لا أحد فوق سلطة القانون وأنه ماضٍ في التحقيق من أجل أهالي الشهداء. فهل يمضي في مساره أم يمضي في طريقه؟!

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى