منوعات

الأهالي وحل أزمة الأدوية: الاغتراب والتبادل والأعشاب

في ظل الأزمة المستفحلة وانقطاع الأدوية من جهة، وغلاء ثمنها من جهة ثانية، بدأ الأهالي يبتكرون وسائل جديدة، لتأمين ما يمكن تأمينه لعلاج مرضاهم. العودة الى الأدوية العشبية هي من الوسائل التي “تبدو أمراً ضرورياً وطبيعياً لتأمين العلاجات الممكنة والضرورية”.
يقول خالد فرحات، ابن بلدة برعشيت (بنت جبيل)، مبيناً أن “عشرات الأهالي باتوا يعتمدون على الأعشاب المتوفرة لعلاج بعض الحالات المرضيّة، لا سيما السعال وأوجاع المعدة، والاسهال”. لقد تغيرت أحوال الناس وتبدلت كثيراً، بحسب فرحات الذي أشار الى أن “الفقراء وغير الميسورين باتوا لا يقصدون الأطباء، الذين رفعوا بدلات خدماتهم الطبية، ليصبح كبار السن وبعض المزاراعين المخضرمين مقصداً للعديد من المرضى، بهدف الحصول على وصفات طبية من الأعشاب البريّة، المعروفة والمجربة”.
عدد من الأهالي بدأوا يلجأون بأنفسهم الى صناعة الأدوية العشبية، من الأعشاب الموجودة في حقولهم.
يقول المزارع فادي ترمس (مرجعيون) أن “انقطاع الأدوية من الصيدليات، وارتفاع أسعارها، جعلنا نعمل بنصائح كبار السنّ، فنقصد الحقول والأودية للحصول على بعض الأعشاب البرية المعروفة والمفيدة”. لذلك بحسب ترمس فان “الأعشاب وأوراق الأشجار باتت مقصداً للأطباء الجدد من المزاراعين، والتي منها الزعتر والشومر وأوراق الكينا”. يستغل ترمس أوقات فراغه لجمع الأعشاب وزراعة ما هو مفقود منها، ويقول “هناك أعشاب لم نكن نعلم بأهميتها، نعمل على الحفاظ عليها والاحتفاظ بثمارها”.
أما طارق ياسين (مجدل سلم)، فهو يعمل على تقطير العديد من الأعشاب، ويجمع مائها، اضافة الى زيوتها، التي يصنع منها بعض الأدوية الشعبية “ليس للتجارة، بل للاستعمال المنزلي”، لكن ما يحصل أن “الكثيرين من الأهالي باتوا يسألون عن طريقة تحضيرها، ويأخذون جزء من الأدوية والمراهم التي أعمل على تصنيعها لنفسي”. في حديقة منزله، جهّز ياسين آلة لتقطير الأعشاب “هي آلة بسيطة يسهل صنعها، لكن تحتاج الى قليل من الخبرة، أما الخبرة الأهم فهي تتعلق بكيفية اختيار الأعشاب المناسبة، إما لصناعة العطور، مثل الورود واللاّفندر، وإما لصناعة المراهم والأدوية المكافحة للالتهابات والسعال وأوجاع المعدة مثل الزعتر والشومر والكينا”. يذكر ياسين حينما حضرت امرأة الى منزله، ومعها خادمتها الأفريقية، التي كانت تعاني من جرح في خدّها بسبب الالتهابات الناجمة عن التقاط فايروس أثناء اقامتها في أفريقيا، فيقول “ألحيت عليها أن تذهب الى احدى المستشفيات، لكنها رفضت، مطالبة بدواء مصنّع من الأعشاب الطبيعية، فعملت على تقديم مرهم مصنّع من بعض النباتات البريّة، وبعد حوالي الشهر، التقيت بالمرأة وخادمتها، فشاهدت أن الجرح قد عولج بالكامل، ولما سألتها قالت بسبب الدواء العشبي”.. .
ويبدو أن “الحاجة من جهة، وايمان الأهالي بضرورة مساعدة بعضهم البعض، في هذه الأيام العصيبة جعلت العديد من الأهالي يبتكرون حلولاً ممكنة ومرضية، تساعد على تخطي الأزمة والأوضاع الاقتصادية السيئة. فيعمد الأهالي الى تبادل الأدوية المخزنة لديهم، فيقول أحد صيادلة مرجعيون أن “بعض الأهالي يقدمون لنا الأدوية المتبقية لديهم، ونحن بدورنا نوزعها على المحتاجين مجاناً، وهذا أمر بدأ بالانتشار بشكل واسع، ما ساهم ويساهم في معالجة العديد من المرضى”. ويلفت الصيدلي الى أن “تبرعات الأهالي وتعاونهم في ما بينهم على تأمين الأدوية خفّف كثيراً، ولو بشكل مؤقت، من المصائب التي تحصل بسبب فقدان الأدوية أو عدم القدرة على شرائها”.
من جانب آخر تحوّل المغتربون الى مسعفين ومصدرين للأدوية، فيقول أحدهم لموقعنا أن “الهدايا الوحيدة التي بتنا نحضرها لأقربائنا هي الأدوية، وبتنا قبل مجيئنا الى لبنان نتصل بمعظم معارفنا لنسألهم عن الأدوية التي يحتاجون اليها لاحضارها لهم”.

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى