منوعات

موانع “غير مرئية” داخلية وخارجية تعيق عملية التأليف.. هذه تفاصيلها

ميقاتي يخشى الإنفجار والحريري ينتظره على "الكوع"

لم تصمد موجة التفاؤل التي طغت على مسار تأليف الحكومة خلال الأيام الماضية، أمام جدار العقد المخفية والشروط التي يتمسّك بها المعنيون بالتأليف، ما يدل على أن إشاعة الأجواء الإيجابية يهدف إلى رمي كل طرف كرة النار باتجاه الأخر ونفض يديه من مسؤولية التعطيل، رغم التقدّم الذي أحرزته جهود اللواء عباس إبراهيم في عطلة نهاية الأسبوع الماضي. “إلا أن الأمور لم تصل إلى خواتيمها النهائية”، بحسب ما يقول مطلعون على ملف التفاوض الحكومي لـ”أحوال”، إذ أن “لا تشكيلة نهائية مكتوبة حتى الساعة، ونتائج المشاورات لا تُدوَّن خطياً بل تبقى في إطارها الشفهي”.

فهل تنجح مساعي ربع الساعة الأخير في كسر جدار المواقف وحواجز الشروط المتقابلة، أم أن العقد الداخلية والخارجية أقوى من جميع المبادرات والوسطاء؟

مصادر على صلة بالشأن الحكومي تكشف لـ”أحوال” عن أربع موانع غير مرئية تعترض عملية تأليف الحكومة، وهي:

أولًا:

برنامج عمل الحكومة وبيانها الوزاري، إذ يخشى فريق العهد أن يقع الخلاف على هذه النقاط وتعطيل عمل الحكومة منذ بدايتها، لذلك حاول رئيس الجمهورية ميشال عون استمزاج رأي الرئيس المكلف نجيب ميقاتي حيال سياسة الحكومة في القضايا الهامة، ومدى تجاوب “صف كبار الموظفين” في الدولة في تطبيق البرنامج، لا سيما في حاكمية مصرف لبنان ورئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز وقائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي وإدارة المناقصات، ما لاقى رفضاً “ميقاتياً” حاسماً للتفاوض على هذه الملفات قبل تأليف الحكومة.

ثانيًا:

يخشى فريق ميقاتي ومن خلفه الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري من موجة تعيينات شاملة يستعد عون لطرحها في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد نيل الحكومة الثقة، تشمل 60 موقعاً مسيحياً في إطار التحضير لخوض الإنتخابات النيابية؛ ومن المؤكد أن عون وباسيل سيحتكران هذه المناصب لـ”التيار الوطني الحر” ويقصيان حزبَي “القوات اللبنانية” و”الكتائب”، الأمر الذي يكسبهما شعبية واسعة في الشارع المسيحي وبالتالي حصد أكبر عدد من المقاعد النيابية تمكّن رئيس التيار جبران باسيل من العودة بقوة إلى الملعب السياسي الحكومي والرئاسي في آنٍ معاً.

وفي هذا السياق، يتّهم عضو “تكتل لبنان القوي”، سيزار أبي خليل، نادي رؤساء الحكومات بالضغط على الرئيس المكلف لمنع تسهيل التأليف ودفعه لوضع شروط على رئيس الجمهورية، مشيرًا في حديث لـ”أحوال” إلى أن “رئيس الجمهورية قدّم كافة التسهيلات والتعاون مع ميقاتي لتأليف الحكومة، ولم يعد لديه شيئ ليقدمه”، كما أكد أبي خليل أن “اتهام عون بالسعي لنيل الثلث المعطل هو “الشمّاعة” التي تعلّق عليها كل العراقيل الخفية والتي يتحمّل مسؤوليتها نادي رؤساء الحكومات”.

في المقابل، تكشف أوساط ميقاتي لموقعنا أن “المراوحة الحكومية سيّدة الموقف، ولا زيارة لميقاتي اليوم ولا غداً إلى بعبدا ولن يحصل ذلك إلا بعد موافقة رئيس الجمهورية على الصيغة التي أودعه أياها في لقائهما الأخير”، كاشفة أن “عون لا يزال متمسّك بشروطه في نيل بعض الحقائب الأساسية كالاقتصاد والطاقة والشؤون الاجتماعية، وفي الثلث المعطّل مواربة عبر الشراكة في تسمية أحد الوزيرين المسيحيين”.

وفي سياق متصل، تشير جهات معارضة لرئيس الجمهورية لـ”أحوال” إلى أن “عون يعتبر الثلث في الحكومة ضمانة له ولتياره وللطائفة المسيحية في المراحل المقبلة الساخنة، من الإستحقاق النيابي إلى الرئاسي وصولاً إلى احتمال الفراغ النيابي والشغور في موقع الرئاسة الأولى حيث تُنقل صلاحيات الرئاسة إلى مجلس الوزراء، لذلك يحرص عون على استخدام الصلاحية الوحيدة الفاعلة التي تركها الدستور لرئيس الجمهورية (توقيع مرسوم الحكومة) في تثبيت صلاحية رئيس الجمهورية أولاً ونفوذ فريقه وتياره السياسي وطائفته ثانياً، في ظل صراع النفوذ بين الطوائف وشد الحبال السياسي والتحولات في المنطقة”.

ثالثًا:

التدقيق الجنائي، هذا الأمر بمثابة حياة أو موت لبعض الأطراف السياسية، لا سيما بري والحريري اللذين يؤمنان الحماية السياسية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يعتزم عون إقصائه من منصبه في مجلس الوزراء المقبل.

رابعًا:

جملة القرارات المصيرية التي ستواجهها الحكومة فور نيلها الثقة، وتبدأ بمسألة رفع الدعم والإنفتاح على سورية الذي بدأت طلائعه تظهر من بوابة زيارة الوفد الوزاري إلى دمشق لتفعيل خط الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان، والمفترض أن يُستتبع بخطوات في ملف النزوح السوري وتعزيز العلاقات الاقتصادي والسياسية والأمنية، إضافة إلى ملف ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، وبواخر النفط الإيراني، وشروط صندوق النقد الدولي، وودائع اللبنانيين والدولار وغيرها.

وتشدد المصادر لموقعنا على أن لا مصلحة لميقاتي بتأليف حكومة في الوقت الراهن في ظل هذا الواقع في الداخل والخارج، لذلك يفضّل انتظار تداعيات وصول باخرة النفط الإيراني إلى لبنان ورصد الموقف الأميركي منها، وتقطيع موضوع الرفع الكامل للدعم وتحمّل حكومة تصريف الأعمال مسؤوليته بدل الحكومة الميقاتية.

كما أن رئيس “تيار العزم” يدرك أن الحريري ينتظره على “الكوع” بعد وقوعه في أفخاخ الحكومة العتيدة، وذلك في إطار التنافس السياسي والإنتخابي بين الرجلَين، سيما عشية الإستحقاق الإنتخابي؛ فميقاتي يدرك أن رئيس “تيار المستقبل” ينتظر أن يحترق ميقاتي بكرة النار في الشارع، تحت عناوين مطلبية كرفع الدعم كما حصل مع الحريري عشية اندلاع أحداث 17 تشرين في العام 2019 بعد فرض ضريبة “الواتسآب”، وهكذا يضرب الحريري “عصفورين بحجر واحد”: ففي حال ألّف ميقاتي الحكومة، فإنه سيسقط شعبياً بعد تغطيته قرار رفع الدعم، ويسقط سياسياً بسقوط حكومته، ويتلقى ضربة قاسمة عشية الإنتخابات النيابية، ما يسمح للحريري بإعادة تعويم نفسه شعبياً وسياسياً من تحت الأنقاض.

أما في حال اعتذر ميقاتي، فتعود الحظوظ إلى الحريري ليُكلَّف من جديد بعد إقصاء منافسه الأبرز على الساحة السنية من لائحة المرشحين.

في المقابل، لا يمكن تجاهل العوامل الخارجية المؤثرة في المشهد الداخلي، لا سيما أن واشنطن تتّخذ من لبنان رهينة وورقة ضغط على “حزب الله” في إطار الصراع مع طهران حول الملف النووي وملفات المنطقة كحرب اليمن، لذلك وبحسب مصادر ديبلوماسية رسمية لـ”أحوال”، فإن واشنطن لم تعطِ الضوء الأخضر لتأليف الحكومة وإنّها أفرجت عن إعادة تفعيل خط الغاز العربي إلى لبنان لقطع الطريق على النفط الإيراني، لكنّها لن تقوم بتعويم لبنان سياسياً ومالياً.

وبحسب مصادر مطّلعة، فإن اتصال الرئيس الإيراني مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، شكّل استفزازاً للسعودية خشية تمرير تسوية فرنسية – إيرانية تستبعد المملكة. وتلفت المعلومات إلى أن السعودية لن تسمح بحكومة لبنانية يتمثل بها “حزب الله” قبل التوصّل إلى حل للحرب في اليمن يضمن لها مصالحها.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى