انتخابات

جعجع فتح المعركة: فهل النصر محسوم؟ 

بين الخطابات السياسية ذات السقف العالي من جهة والواقع من جهة أخرى، فرقٌ كبير. أقلّه، هذه هي الحال بالنسبة إلى القوّات اللّبنانية، التي لا يمر يوم من دون أن “يتنبأ” أحد مسؤوليها بأنّها ستصبح بعد الانتخابات النيابية المقبلة الرقم الصعب على المستوى المسيحي، وقد بلغ الأمر بنائبها جورج عقيص حدّ الإعلان في مقابلة تلفزيونية قبل مدّة أنّها “ستفوز بأكبر كتلة مسيحية وبالتالي سيصبح رئيسها سمير جعجع المرشّح الأوّل للانتخابات الرئاسية المقبلة”.

وفي قراءة سياسية لهذا الجو القواتي المعمّم من القيادة إلى القاعدة، يقول مصدر نيابي في التيار الوطن الحرق إنه قد تكون الدعوة إلى التروّي على قاعدة “ما كل ما يتمنى المرء يدركه”، هي عين العقل، وذلك للأسباب التالية:

اولًا: المشهد الإقليمي والدولي الراهن واتجاهاته المتوقعة لناحية التقارب الأميركي-الإيراني وتاليًا السعودي-الإيراني والسعودي-السوري لا ينسجم مع تحوّل القوّات إلى الرقم الأوّل مسيحيًا، إلّا إذا خاضت القوّات مغامرة التفاهم مع حزب الله بشكل أو بآخر، وهو ما يبدو مستحيلًا حتى الآن.

ثانيًا: فشلت القوّات في جعل نفسها رأس حربة حركة 17 تشرين، بعدما ظلّت تعتبر لمدّة طويلة أنّها تشكل “الثورة البرلمانية” الموازية لثورة الشارع، مبرّرة بذلك عدم استقالة نوابها، ثم كانت مفاجأة وزيرها السابق ملحم رياشي الذي أقرّ بوضوح بدورها في قطع الطرق في المناطق المسيحية. فوجوه الحراك ظلّت مصرّة على عدم الفصل بين القوات والمنظومة، وهذا ما دفع بالدائرة الإعلامية القواتية إلى إصدار أكثر من بيان رد، وصولًا إلى مواجهة المسؤول الإعلامي القواتي شارل جبور إحدى الناشطات في حلقة تلفزيونية بكلام حاد سائلًا إيّاها: “انتي مين”؟ بمعنى من أنتم أيّها المنتفضون أمام تاريخ القوّات وتضحياتها وشهدائها الخ.

أضف إلى ذلك أنّ موضوع قطع الطرق لا يلقى قبولًا في الأوساط الشعبية، ولا يلبث أن يرتدّ على أصحابه، لأنّه يعيق حركة الناس ولا يؤثر في السياسيين الفاسدين.

ثالثًا: عدا وجوه الحراك، لا يمكن الاستخفاف بدور النائب سامي الجميّل وحزب الكتائب الذي يأكل من الصحن القوّاتي نفسه، أو أقلّه ينافسها عليه. فالتنافر بين القاعدتين بات واضحًا، وهو يشكل أحد الحواجز الأساسية أمام التمدّد الشعبي القواتي عبر الاستثمار في شعارات المعارضة والثورة.

رابعًا: يخطئ من يراهن على تراجع شعبية التيار الوطني الحر في هذه المرحلة بسبب الأزمة ليتوقع تقدمًا للقوّات على حسابه. فالطرفان على المستوى الشعبي نقيضان لا يصنعان تحولًا في الاتجاه المذكور. بالإضافة إلى أنّ الاستهداف المستمرّ للتيار لا بدّ أن يخلق ردة فعل عكسية في مرحلة محدّدة، لأنّ الظلم الذي يتعرّض له غير مسبوق. هذا مع الإشارة إلى أنّ التيار الذي يعرف جيدًا كيف يشرح لجمهوره العرقلة التي تعرّض لها على مدى سنين تحت شعار “ما خلونا”، يتقن التصويب في السياسة وعبر الإعلام ومواقع التواصل على نقاط الضعف القواتية، كملفات الحرب والطائف والمشاركة في عملية 13 تشرين الأوّل 1990 ثمّ في الحكومات الأولى لعهد الوصاية السورية ثم في حكومات ما بعد 2005 مع تمثيل وزاري ضعيف بعد الالتحاق بالتحالف الرباعي، إلى جانب إسقاط اقتراح قانون اللّقاء الأرثوذكسي، مرورًا بالموقف الملتبس من الإرهاب والثورات العربية، ولاسيّما في سوريا، وصولًا إلى عدم الفاعلية في غالبية الوزارات وانتهاء بقضية تخزين المحروقات. وهذه العناوين كفيلة بخلق ارتباك في القواعد الشعبية في مقابل ما تسمعه من مثاليات.

خامسًا: يكاد خبراء الإحصاء يُجمِعون على أنّ إجراء الانتخابات في ظل القانون الحالي لن يمنح القوّات كتلة أكبر من كتلتها الراهنة، هذا إذا تمكنت من الحفاظ عليها، في ضوء التعثر الواضح في علاقتها مع تيار المستقبل الذي أسهمت أصواته في فوز عدد من نوابها، وكذلك الكتائب، فيما غالبية النواب المستقلين والمرشحين المستقلين يميلون إلى عدم التحالف مع أحزاب حتى يستفيدوا من الموجة الشعبية التي يختصرها شعار “كلن يعني كلن” وحتى يتفادوا تحميلهم مع القوات وزر وصول العهد الحالي إلى سدّة المسؤولية.

لكن، بغض النظر عن النقاط الخمس المذكورة، فإنّ ما سبق لا يعني على الإطلاق أنّ القوّات لم تتقدّم شعبيًا  ولم تنجح في ترسيخ صورة جديدة لها لدى الرأي العام بأنّها الحزب الأكثر تنظيمًا، وهذا ما يدفع بكثيرين من المراقبين إلى توقع مفاجآت لن تحسمها إلّا صناديق الاقتراع… وليست كلمة رئيس القوّات سمير جعجع بعد القداس السنوي للشهداء أمس، والتي هاجم فيها بعنف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزب الله، سوى مدماكًا في هذا البناء، وإعلانًا رسميًّا مبكرًا لبدء المعركة الانتخابية، لا أكثر ولا أقل.

 

جاد أبو جودة

جاد أبو جودة

صحافي. مدير الاخبار في قناة الـ OTV.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى