منوعات

على “شاطىء الفقراء”.. رحلة البحث عن “الطعام الحلال”

بالقرب من شاطىء صور الرملي, الذي تحاذيه جادة الرئيس نبيه بري، يتسابق يومياً العشرات من هواة صيد الأسماك الى جانب مئات الأهالي الذين باتوا يقصدون الشاطىء المجاني للسباحة والاستجمام، هناك يبتكر الفقراء آلات صيد رخيصة، حيث يبدو لافتا كثرة انتشار وسائل الصيد البدائية الصنع والغير مكلفة مادياً.

داخل مياه الشاطىء ينحني الطفل خالد سويدان ( 13 سنة) محركاً بيديه شبكة صيد صغيرة فهو “صنعها من أكياس البصل، لصيد الأسماك الصغيرة القريبة من الشاطىء”، يرى خالد أن “هذه الطريقة صعبة لكنها تؤمن لنا أكلة سمك شهية، لأن شراء السمك بات جزءاً من الماضي”، ينتمي خالد الى عائلة من خمسة أفراد، والده توقف عمله منذ عام ونصف، لذلك قرّر أن “يعمل في دكان خلال ساعات النهار، وعند المغيب يتوجه الى الشاطىء لصيد الأسماك الصغيرة”. كل طموح خالد اليوم هو ” شراء صنّارة كبيرة لصيد الأسماك الكبيرة وبيعها “.

أما وسيلة الصيد الرائجة اليوم فهي عبر غالونات المياه الفارغة، أحمد كساب ( من بلدة صديقين) يأتي يومياً مع ولديه الصغيرين الى “شاطىء الفقراء”، يحمل كل منهم غالوناً مثقوباً من الأعلى، يشرف كساب على تعبئة الغالونات بالرمل والحصى، كي تغرق في المياه، ويشرح قائلاً:” نضع داخل الغالونات بعض فتات الخبز ثم نتركها تحت الماء، فتتجمع الأسماك الصغيرة بداخلها، ثم نضعها في أكياس النايلون لنوصلها الى المنزل”. يعتبر كساب أن ” البحث عن عمل بات أمراً ميؤوساً منه، لذلك بتنا نبحث عن الطعام الحلال في مياه البحر، فالله يرزقنا ويرزق العشرات من أمثالنا، الذين باتوا يبحثون عن أية وسيلة لاطعام أولادهم”. ويبين أن “العشرات من الأهالي يأتون الى الشاطىء للصيد، وعدد كبير منهم غير قادر على شراء آلات الصيد المعروفة”.

قبل عدة سنوات كان معظم الأهالي يقصدون الشاطيء الرملي المقابل، الذي تشيد عليه كل صيف الخيم المستأجرة من بلدية صور، فالمكان أكثر اتساعاً وبعيد عن المباني السكنية ومياه الصرف الصحي، ” كانت كلفة الدخول الى الخيم مقبولة نسبياً، لكنها اليوم باتت مرتفعة، اضافة الى الزام الزائر بطلب الطعام أو الشراب كشرط لاستخدام الخيمة، فتصبح الكلفة باهظة جداً بسبب ارتفاع الأسعار وتدني قيمة العملة اللبنانية مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار”.

من جهته يلفت المدرّس فادي بيضون، الى أن “جميع الموظفين باتوا غير قادرين اليوم على الدخول حتى الى المسابح الشعبية، لذلك نأتي الى الشاطىء الرملي، البعيد عن الخيم، وهنا يمكننا السباحة دون الحاجة الى دفع أي بدل مالي, وعدد كبير من زملائي يأتون يومياً لصيد الأسماك، ومن يقدر على شراء عدة الصيد يذهب الى الشاطىء الصخري لتأمين قوت يومه”.

ويرى بيضون أن “ما بقي من الشواطىء الشعبية يحكي قصة شعب قهرته ظروف الحياة وفساد السلطة”، وليس التلوّث وحده بحسب بيضون هو الذي يصوّر المأساة، ” وليست قناني البلاستك وأكياس النايلون المرمية خلف الصخور وقبالة الشاطىء الرملي هي التي تروي كل الحكاية”.. هناك على حدود جدران المسابح الفخمة التي احتلّت متنفس الفقراء، وحجبت ملتقى الطبقات ورحاب المساواة بستار السلطة، يتكاثر رواد الشاطىء الملوّث بالمياه الآسنة من منازل الأغنياء، يوماً بعد يوم، وهذا مؤشر على ارتفاع أعداد الفقراء، واضطرارهم الى قصد الشاطىء، وهذه المرّة ليس فقط للسباحة والترفيه عن النفس، بل للبحث عن الطعام.

في مدينة صور انقسام طبقي حاد، ” على الشاطىء الرملي فقراء يبحثون عن الرزق الحلال الذي خفي عن أعين الفاسدين، مقابل المطاعم والمقاهي الجميلة التي احتل مقاعدها عدد من الشبان المغتربين، الذين سبق لهم أن هاجروا هرباً من الحرمان وفساد السلطان”، بقدر ما ينتظر آلاف الفقراء اليوم دورهم على أبواب دول المهجر، ينتظر رواد شاطىء صور عودته ومسابحه ومطاعمه الى خدمة الجميع دون استثناء أو تمييز بين غني وفقير.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى