منوعات

“القوات” لـ “أحوال”: لحكومة انتقالية بوظيفة انقاذية وانتخابية

جعجع لا يقف عند "نهر التشكيل" منتظراً

عام مضى على القنبلة التي فجرها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من قصر بعبدا خلال الاجتماع الاقتصادي الذي عقد في 2 ايلول 2019 بدعوة من رئيس الجمهورية، حين دعا المجتمعين الى الخروج من السلطة بعد الفشل الحاصل، وتسليم دفة الأمور الى “حكومة اختصاصيين مستقلين” لمحاولة إنقاذ البلاد من المصير المحتوم.

موقف غير مألوف في منطق الحياة السياسية إذ إن في صلب اهداف اي حزب او مجموعة سياسية الوصول الى السلطة، لكنه غير مستغرب على جعجع الذي يوم خيّر بين “الوزارة او النظارة” عام 1994 اختار دخول المعتقل حيث امضى احد عشر عاماً انفرادياً تحت ثالث ارض في وزارة الدفاع. وقد علّل موقفه قائلاً: “نظراً إلى فداحة الأوضاع يجب أن تسقط كل الاعتبارات السياسية الضيقة والشخصية، لأن انهيار الاقتصاد يعني عملياً انهيار الدولة”.

بدا جعجع بطرحه كانتحاري يفجّر نفسه وسط الطبقة السياسية الذي هو جزء منها ولكنه يشدد دوماً انه لم يكن من المتحكمين بمفاصل القرار، وذلك بعد ان فقد الامل بنيتها وقف الانهيار المالي والاقتصادي الآتي لا محال. فهو عايشها من داخل المؤسسات وخارجها حيث شعر في اكثر من محطة ان التحالفات تطعن من المحاصصات وان العمل المؤسساتي مستباح من الزبائنية.

صحيح ان “القوات اللبنانية” كانت شريكة بالسلطة عبر وزرائها ولكن يكفي التوقف عند العوائق التي كنت توضع امام ادراج اقتراحاتهم على جدول مجلس الوزراء ليدرك المرء كيف تدار الامور او امام نقاشتهم في الجلسات وخارطة ردود الفعل عليهم.

سبق 2 ايلول 2019 محطات عدة لـ”القوات” اعربت فيها عن قلقها خصوصا من الانفجار الاقتصادي والانهيار البنيوي الشامل. منها على سبيل المثال لا الحصر امتناعها في 19 تموز 2019 عن التصويت على الموازنة ومعتبرة أن مضمونها باهت ولا يكفي لمواجهة الظروف الصعبة، وأنها لا تتضمن إصلاحات جدية وعصراً للنفقات، كما أن لا ثقة بدقة الأرقام المتوقعة التي تضمنتها.

كذلك، في 4 آذار 2019 وخلال اطلاقها خارطة طريق لـ”تخفيض العجز المالي في الموازنة العامة” ضمن سلسلة من ورش العمل تحت عنوان “القوات في مواجهة التحديات المالية والاقتصادية”، اعلنت “القوات” بجرأة ووضوح انه: “في حال اتضح أن الحكومة والقياديين لن يتمكنوا من تنفيذ الإجراءات التي تتطلّبها معالجة عجز الموازنة في مهلة محدّدة وقصيرة فإننا ندعو حينها وزير المال، مجلس الوزراء وحاكم مصرف لبنان إلى الطلب طوعاً من صندوق النقد الدولي المساعدة في وضع خطّة مفصلة لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي والمساعدة في إدارة تنفيذها، قبل فوات الأوان والوصول إلى حد القيام بهذه الخطوة قسراً”.

اليوم، جعجع اكثر من اي يوم مضى مقتنع بوجوب اعتماد “حكومة اختصاصيين مستقلين” فعلاً لا قولاً، خصوصاً ان هذا الطرح رفع لواءه لاحقاً في الداخل شارع 17 تشرين واطراف كثر ويحاكي هواجس المجتمع الدولي الذي يئس من وعود الطبقة الحاكمة بالاصلاح الذي يشكل وحده المفتاح للمساعدات والهبات، و”بهلوانيات” اهل الحكم وحديثهم عن تحقيقهم لائحة من الاصلاحات لم تنطل على احد.

فرغم عدم تجواب جعجع مع اتصال الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون به لتسمية مصطفى اديب لتشكيل الحكومة وتسمية كتلة “القوات اللبنانية” لنواف سلام، الا ان ذلك لا يجعلها “تنتظر عند ضفاف النهر” بل هي تسعى للضغط بشتى الوسائل كي يشكل اديب حكومة اختصاصيين مستقلين.

في هذا الاطار، تؤكد مصادر معراب لـ”أحوال” ان “أي حكومة تشكّل خارج مواصفات المرحلة لن يكون لها قدرة على الاستمرار. فشروط المرحلة تستدعي تشكيل حكومة حيادية ومستقلة وخالية من تمثيل كل فريق السلطة مجتمعة وتحديداً فريق 8” اذار”، وتشير الى ان رئيس حزب “القوات” قال هذا الكلام للرئيس المكلف اديب في اتصال هاتفي”.

كما تعتبر مصادر معراب ان “نفي بعضهم وضعه الشروط من اجل تأليف الحكومة لا يدحض الوقائع التي تشهدها عملية التأليف ولا ينطلي على الشعب اللبناني. فاللبنانيون إختبروا هذا الفريق الذي تعود على نهج المحاصصة والزبائنية السياسية وهو قد يعمل على ترهيب وزارء معينين على غرار الحكومة المستقيلة. فلدى تشكيل دياب حكومته نكر فريق السلطة ان يكون له اي وزير فيها. لكن الوقائع فضحته عند أول اشتباك بين ابناء الصف الواحد وتلويح عدد من الوزراء بالاستقالة، وكشفته على حقيقته لجهة وزارء ينتمون لاطرافه بالمباشر او يدورون في فلكها او لجهة الحقائب التي حجزها كل طرف باسمه وكأنها من موروثاته”.
كذلك، شددت مصادر معراب ان “القوات تتابع عن كثب عملية التأليف من اجل ان تكون حكومة انتقالية بوظيفة انتخابية الى جانب وظيفتها الانقاذية على الصعيد المالي والاقتصادي”، مضيفة: “القوات مستمرة باعلاء الانتخبات المبكرة كأولوية الاولويات. وهي في الايام القليلة المقبلة، ستطلق عريضة نيابية جديدة لهذه الغاية الى جانب عريضة المطالبة بالتحقيق الدولي في انفجار بيروت، فلا يمكن ترك الامور بيد الفريق الذي اوصل لبنان الى الكارثة التي وصل اليها”.
التأليف لناظره قريب، فهل ستمنح “القوات” حكومة اديب فترة سماح على غرار حكومة دياب؟ ربما الجواب سيكون في اسماء التشكيلة الوزارية حين تبصر النور.

جورج العاقوري

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى