منوعات

ترسيم الحدود البحريّة أم ترسيم حدود النظام؟

مع صدور العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بدأت الاسئلة السياسية تطرح نفسها بقوة، عن مصير “المبادرة الفرنسية”، وعملية تأليف الحكومة، وهل تساعد هذه العقوبات في ولادة قريبة لوزارة مصطفى أديب؟ أم أنها تستهدف ما هو ابعد من ذلك: “ترسيم الحدود البحرية كخطوة اولى في اطار التنازلات التي تطلبها واشنطن من لبنان ام ترسيم حدود النظام اللبناني ورموزه وقواه السياسية التقليدية”؟

في ظل الأزمات المتوازية التي نعيشها، دخلنا مرحلة جديدة يستعمل فيها سلاح العقوبات كأحد اسلحة المعركة وهو ليس سلاحا جديدا فقد سبق وفرضت واشنطن عقوبات على اشخاص وكيانات لبنانية بتهمة “المقاومة”.

الجديد اليوم هو التوقيت، ومستوى الشخصيات المستهدفة.

في التوقيت:

تأتي هذه العقوبات لتحاصر جهود تأليف الحكومة، بالرغم من إشاعة اجواء تقول العكس، وتبني على الخطوة الاميركية بوصفها خطوة زجرية، لتقول إنّها سوف تساعد على إخراج الحكومة يوم السبت المقبل على ابعد تقدير.

أمام الإيجابية الفرنسية التي برزت بعد انفجار 4 آب، قرّرت الغالبية النيابية السير بالمرشح الذي تمت تسميته من قبل رؤساء الحكومات السابقين عسى تتحمل جميع الاطراف مسؤولية الانقاذ.

في المقابل اعتبر الرئيس المكلّف أنّه جاء بزخم دوليّ_محليّ يخوّله تأليف الحكومة وفق قواعد جديدة، لا تأخذ في الاعتبار القواعد السابقة والتفاوض مع الكتل التي تسمي بدورها المرشحين.

هذا الاداء تعترض عليه قوى الغالبية، وتعتبر أنه مخالف للمألوف.

ورغم معرفته بالاعتراضات المبدئية يتجه الرئيس مصطفى أديب للذهاب الى بعبدا ليقدّم التشكيلة الى الرئيس عون، ورمي الكرة في ملعب الغالبية والقوى السياسية.

وفي المعطيات أنه سيقدم تشكيلة من 14 وزيرًا من خارج “السيستم”! كما تصف مصادر قريبة منه آلية العمل التي يعتمدها، وأنه سيستغل الدعم الدولي الى الحد الاقصى ولا يريد أن يخسر “الشارع” و”الدعم الدولي” بالتفاوض على المحاصصة التقليدية.

واذا رفضت الغالبية التشكيلة المقترحة من أديب، فأنه بحسب مصادره سيتجه الى الاعتكاف أو الاعتذار.

حيال هذا الواقع، يبدو فريق الغالبية في موقع المراقب الذي ينتظر تكشف المزيد من الاوراق حتى يتخذ الموقف المناسب، فلا يتحمّل مسؤولية الإطاحة بفرصة التأليف، ولا بالموقف الفرنسي المشجّع على “التوافق”.

فهل  التشكيلة الحكوميّة التي سيقدّمها الرئيس أديب سوف تساعد التوافق؟

وهل تقبل القوى السياسية أن يأخذ أديب ما لم يأخذه سعد الحريري؟

رغم الميل الواضح من قبل الثنائي الشيعي على الأقل للتفاهم مع الحريري على الإنقاذ وعدم ترك البلد مشرّعاً للفوضى والفتنة الطائفية والانهيار الاجتماعي.

في الشخصيات المستهدفة:

الفساد ملف بالغ الجاذبية في الشارع هذه الأيام. ظهر ذلك بوضوح من خلال بعض ردود الفعل اللبنانية المتماهية مع القرار الأميركي، وهنا لا يمكن إعفاء غالبية السلطة السياسية من مسؤولية إيصال الناس الى هذا المستوى من “الكفر” بكل شيء، لدرجة الترحيب بقرار سيترك اثراً سلبياً على الواقع اللبناني الصعب والمأساوي أصلاً.

أما من يظن أنّ واشنطن تريد محاربة الفساد، فهو مشتبه وموهوم.

هذه العقوبات سياسية جداً وذات أهداف خارج موضوع الفساد، وهي لا تعفي واشنطن من مسؤولية رعاية النموذج الاقتصادي والسياسي والمالي المسؤول عن الحجم الأكبر من الهدر والفساد والفوائد والديون.

الوزير يوسف فنيانوس المحسوب على “تيار المردة”، يلعب دوراً مهما بين حزب الله وسليمان فرنجية وبينه وبين الرئيس سعد الحريري، وكذلك بين الحريري وحزب الله..

فهل يجري استهدافه بسبب “شبهة الفساد” التي تحوم حول كل من يتعاطى الشأن العام هذه الأيام؟ ام أن دوره كوسيط حريص ودقيق بين الفرقاء هو المستهدف؟

أمّا الرسالة من خلال الوزير علي حسن خليل فهي للرئيس نبيه بري شخصياً، وإلى ما يمثّله من جسر حيوي للتواصل بين الأفرقاء ودور توفيقي بين المكوّنات التقليدية.

فهل تقول الرسالة الأميركية لبري إنّ واشنطن لم تعد تريد دوره المحوري في الحياة السياسية اللبنانية؟ وهل هذا قرار تتخذه واشنطن؟ أم إيران وحزب الله وبرّي نفسه؟

العقوبات الأميركية رسالة شديدة السلبية لمسار تأليف الحكومة، وللقوى التي تحاول بناء الجسور بين المكونات التقليدية، وقد يجري استكمالها بأسماء جديدة تضاف لاحقاً، ليكتمل تركيب الصورة من الناحية الاميركية: “الشارع لم يستطع تغيير التركيبة الحاكمة القوية والمتجذّرة، الأميركيون يستطيعون ذلك بمنطق القوّة والعقوبات”!!

غسان جواد

غسان جواد

صحافي وكاتب سياسي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى