رياضة

“يواكيم لوف”.. فيلسوف “مانشافت” وصانع الفكر الإبداعي في الأداء

عرف منتخب ألمانيا لكرة القدم طعم النجاح في العديد من المحطات كعادته، ولكن ما تحقّق على يد مدير فني بمثابة “فيلسوف”، له بصمات لا تُنسى، يبقى مختلفًا وأكثر شهيّة.

الحديث يتمحور هنا حول المدير الفني “يواكيم لوف” الذي كيفما جرت الأمور هو بيت القصيد وصاحب البصمة المميزة في طريقة أداء “المانشافت” منذ توليه مهمة الإشراف عليه في 12 تموز/يوليو 2006، خلفًا لمواطنه “يورغن كلينسمان” الذي أخفق في إحراز كأس العالم عامذاك، واكتفى بالمركز الثالث في المونديال الذي استضافته ألمانيا، وانتزع الطليان لقبه من الفرنسيين.

“يواكيم لوف” هو صاحب الأرقام القياسية من حيث عدد الانتصارات مع المنتخب خلال مسيرة عمرها نحو 14 عاما؛ أو 5172 يوما (حتى تاريخ كتابة هذه السطور)، فقد خاض مع لاعبيه 183 مباراة حقّق فيها 118 انتصارًا و35 تعادلًا مقابل 30 هزيمة، وهو يتفوّق هنا على المدرب التاريخي “سيب هيربرغر” الذي أشرف على المنتخب الألماني منذ الأول من كانون الثاني 1936 وبقي على رأس الجهاز الفني حتى السابع من حزيران/يونيو 1964 أي ما مجموعه 10385 يوم أو 28 عامًا، ولكن بعدد مباريات أقل من لوف، إذ خاض المنتخب تحت قيادته 169 مباراة، فاز في 96 منها وتعادل في 27 وخسر 46 مباراة.

وكان يواكيم لوف، المدير الفني للمنتخب الألماني، قد دخل التاريخ بعد نجاح “المانشافت” في تحقيق الفوز على المنتخب الكاميروني بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد في ختام مباريات الدور الأول لكأس القارات التي أُقيمت في روسيا عام 2017، وأحرز لقبها مع الماكينة الألمانية عقب الفوز على تشيلي يومها بهدف نظيف. ووصل لوف للانتصار الرقم 100 مع المنتخب الألماني، بنسبة فوز وصلت إلى 66.7%، ليكون المدرب الأول في تاريخ “المانشافت” الذي يصل إلى 100 انتصار.

هذا ونجح لوف في قيادة المنتخب الألماني لحصد لقب كأس العالم 2014، التي أُقيمت في البرازيل، بعد فوزه في المباراة النهائية على المنتخب الأرجنتيني بقيادة “ليونيل ميسي”، الذي كان يسعى بدوره إلى اعتلاء منصة التتويج، ولكن الماكينات الألمانية التي طحنت البرازيل بسباعية “تاريخية” لا تُنسى في الدور نصف النهائي، كان من الصعب أن يقف أحد في طريقها، وبرز هنا دهاء الثعلب لوف الذي فكّ شيفرة البطولة وحلّ رموزها وسيطر على زمام المبادرة في المباراة النهائية التي منحت الألمان لقبهم العالمي الرابع.

بدأ لوف مسيرته مع المانشافت، بمركز الوصيف في بطولة أمم أوروبا 2008، بعد خسارته في النهائي أمام إسبانيا، ثم عاد ليخسر مجددًا أمام “لاروخا” في نصف نهائي مونديال 2010، وفي كأس أمم أوروبا 2016 ودّع البطولة من الدور نصف النهائي، أما في المونديال الروسي الأخير 2018، فقد كان الفشل الأكبر في المسيرة العملية بخروجه من الدور الأول وسط صدمة جميع المراقبين.

وكان لوف قد ارتكب خطأ كبيرًا في مسيرته التدريبية، عندما طار إلى تركيا للإشراف على “فنربهشة” التركي عام 1998 وتمّت إقالته، ومنه انتقل لتدريب “كارلسروه” في الدرجة الثانية، لكنّه هبط به إلى الدرجة الثالثة، ثم عاد إلى تركيا وأشرف على “أضنة سبور” وتمّت إقالته من جديد.

وعاد لوف لتصحيح أوضاع مسيرته المهنية عندما تولى تدريب “تيرول إينسبروك” النمساوي، ليقوده إلى لقب الدوري المحلي عام 2002. لكن من سوء حظّه العاثر، أن النادي أعلن إفلاسه وخسر لوف عمله، لينتقل إلى الإشراف على “أوستريا فيينا” لبضعة أشهر قبل إقالته في عام 2004 حيث انضم للجهاز الفني الجديد لتدريب منتخب ألمانيا مع “يورغن كلينسمان”، ونجحا سويًا بوضع حجر أساس لعودة “المانشافت” إلى قوته، حيث وصل إلى نصف نهائي كأس العالم 2006.

سر المذاق

لم يُطبّق لوف أسلوب “تيكي – تاكا” الشهير بحذافيره نحو ما أطلقت عليه الصحافة الألمانية أسلوب “تساكي -تساكي”؛ بل أدخل فلسفته الخاصة عليه، وهو مصطلح في اللغة الألمانية يُستعمل في الاستخدامات الشفوية للتعبير عن السرعة، وأن مهمة ما ستُنجز أو أُنجزت بسرعة زائدة، وهذا يعني في قاموسه الكروي “سرعة الانقضاض إلى الأمام” وخنق الخصم وعدم ترك المساحات له للعب براحة وحرية، علمًا أنه معروف عن لوف مرونته في التعاطي مع الجهاز الفني، كما أنه مستمع جيّد وهذا من أسرار نجاحاته، فهو مدرّب مجتهد لا يترك شيئًا للصدفة، أثرى الميل الهجومي للمنتخب الألماني وجعله أكثر شمولية بفضل فكر إبداعي ثاقب.

هذا ولم يلعب يواكيم لوف مع منتخب المانيا الأول أي مباراة، لكنه دافع عن ألوان منتخب الشباب 4 مرات فقط.
وأخيرًا، يبحث المنتخب الألماني مع لوف عن فوزه الأول في دوري الأمم الأوروبية بعد السقوط الأخير في فخ التعادل أمام سويسرا في اللقاء الذي جمعهما في السادس من أيلول الجاري.

ولم يحقق المنتخب الألماني أي فوز من خلال مشاركته في النسخة الثانية على التوالي؛ فقد اكتفى بالتعادل في النسخة الأولى العام الماضي أمام هولندا، وسقط مرتين أمام فرنسا بهدف مقابل هدفين، وأمام إسبانيا بثلاثية نظيفة، في حين تعادل أمام إسبانيا وسويسرا بالنتيجة عينها وهي 1-1 في النسخة الثانية، وهو الآن يستعد لملاقاة نظيره السويسري مجددًا في 13 تشرين الأول المقبل.

سامر الحلبي

سامر الحلبي

صحافي لبناني يختص بالشأن الرياضي. عمل في العديد من الصحف والقنوات اللبنانية والعربية وفي موقع "الجزيرة الرياضية" في قطر، ومسؤولاً للقسم الرياضي في جريدتي "الصوت" و"الصباح" الكويتيتين، ومراسلاً لمجلة "دون بالون" الإسبانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى