سياسة

رياض سلامة في قبضة قضاة نيابة مكافحة الفساد الفرنسيين!

فيما يصول ويجول حاكم المصرف المركزي في مساحة الفراغ اللبناني المفتوح على مدى 266 يومًا من الانتظار الثقيل لتشكيل حكومة، مخترعًا سلسلة سياسات وتعاميم مالية تحمي المصارف وتزيد من الأعباء على المواطنين. في هذا الزمن المفتوح على المزيد من الارتكابات المالية، قرّر القضاء الفرنسي فتح تحقيق رسمي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا حول ثروتهما، الأمر الذي يُحتّم على سلامة وأخيه مواجهة قضاة التحقيق الذين يمتلكون صلاحيات واسعة لإجراء الاستقصاءات اللازمة.

هكذا في زمن لم يتحرك فيه قضاء ولا جهاز أمني لمحاسبة الحاكم المركزي والمصارف والصرافين وعلى كل الذين يلعبون بالدولار في السوق السوداء وتبديد أموال اللبنانيين، أُوكِلَت التحقيقات التي فُتحت في فرنسا حول ثروات رياض سلامة إلى قضاة تحقيق متخصصين في مكافحة الفساد، بحسب وسائل إعلام فرنسية.

التحقيق في فرنسا بشأن رياض سلامة محافظ البنك المركزي اللبناني الذي فتحه مكتب المدعي المالي الوطني، حين كان يجري تحقيقًا أوليًا منذ نهاية أيار / مايو، واستكمله في 2 تموز / يوليو بتحقيق قضائي بتهمة “غسل الأموال المنظم” و”تكوين الجمعيات الإجرامية” واستهدفتهما أيضا التحقيقات في سويسرا وشكوى في المملكة المتحدة.

القضاة الذين تمّ تعيينهم هم من الأكثر قوة داخل فرنسا على مستوى الصلاحيات، ولديهم خبرة واسعة في ملاحقة الشخصيات السياسية الرفيعة في قضايا تتعلق بالفساد كالرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي وزعيمة التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف مارين لوبين.

هذه خطوة مهمة أخرى في قضية ترمز إلى بذور الأزمة الاقتصادية في لبنان، بحسب صحيفة “لوموند” حيث أعلن مكتب المدعي العام المالي الوطني PNF (parquet national financier)يوم الجمعة، 16 يوليو / تموز، أن التحقيقات التي فُتحت في فرنسا حول الثراء الفاحش في أوروبا لرياض سلامة، عُهد بها إلى قضاة تحقيق لمكافحة الفساد في باريس، يتمتعون بصلاحية تجميد الأموال وطلب مساعدة دول أخرى للحصول على المعلومات المصرفية وسواها من المعلومات الاستخباراتية التي تُفيد التحقيق.

قضاة التحقيق من المركز المالي لمحكمة باريس المعينين في هذه القضية يتمتّعون بصلاحيات تحقيق واسعة النظاق، لا سيّما في مسائل التعاون الدولي أو المصادرة المحتملة لممتلكات المشتبه بهم. وستستفيد جمعيات المشتكين أيضًا من الوصول إلى التحقيقات وستكون قادرة على طلب إجراءات التحقيق من القضاة.

غسل مبالغ طائلة

بيار أوليفييه سور، محامي رياض سلامة، ردّ على الإجراء الجديد بالقول “لقد طالبنا بفتح معلومة قضائية تتيح لنا الاطلاع على الملف”.  وأضاف “نحن أول من تقدم بشكوى بسبب بلاغات كاذبة ومحاولة الخداع في الحكم ضد المكتب الفرنسي الذي نشر التقرير الأول للتحقيقات”.

ويستند هذا الإجراء القانوني إلى الشكاوى المقدمة في نيسان / أبريل في باريس من قبل المؤسسة السويسرية Accountability Now، من جهة، ومن جهة أخرى، من قبل منظمة Sherpa غير الحكومية وتجمع ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في فرنسا ولبنان، تتكون من المدخرين المنهوبين في الأزمة التي تضرب البلاد منذ عام 2019.

والشكوى المقدمة لا تستهدف فقط غسل أموال تتعلّق بأزمة 17 تشرين الأول / أكتوبر 2019 وإنما تتعلق أيضًا بملابسات استحواذ لبنانيين من القطاع الخاص أو مسؤولين سياسيين، على بعض العقارات الفاخرة في فرنسا في السنوات القليلة الماضية.

“إنها آلية نظامية كاملة لتبخير وغسيل المبالغ الضخمة التي سيتم الكشف عنها”، بحسب قول ويليام بوردون وأميلي لوفيفر، محامي شيربا والجماعية للصحيفة الفرنسية العريقة.

التحقيقات الفرنسية تُتيح، بالتوازي مع تلك التي أجريت لعدة أشهر في سويسرا، على وجه الخصوص، توضيح أصل الممتلكات العقارية الفاحشة الثراء لسلامة، وهو الشخصية “الأكثر كرهاً” الآن من قبل الشعب اللبناني، بحسب لوموند، في وقتٍ تغرق البلاد في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها القديم والحديث.

وفي سويسرا يخضع سلامة للتحقيق منذ شهور للاشتباه بارتكاب جرائم غسيل أموال واختلاس أموال من بنك لبنان لحساب شركة وهمية تابعة لشقيقه رجا سلامة، في وقت يشتبه بنقله للأموال للخارج خلال انتفاضة 17 تشرين عندما منع الناس من القيام بذلك.

وسبق أن فُتح تحقيق بحق سلامة وشقيقه رجا ومساعدته المقربة ماريان حويك في سويسرا. وبحسب صحيفة “لو تان” اليومية تتناول التحقيقات تحويلات مالية بأكثر من 300 مليون دولار أجراها الرجلان بين لبنان وسويسرا.

وفي خطوة واكبة محلية، كان النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات فتح تحقيق في القضية في نيسان / أبريل الفائت، وسط طوق من السرّية. وتمّ على إثره ختم مكتب رجا سلامة بالشمع الأحمر بعد مداهمة المحامي العام المالي القاضي جان طنوس، بمواكبة قوة من فرع المعلومات حيث صودرت أجهزة كومبيوتر وهواتف.

كما تم استهداف العديد من أقاربه، ولا سيّما شقيقه وابنه وابن أخيه من قبل الجمعيات. كما يطالبون بفحص مسؤوليات الوسطاء والبنوك المشاركة في وضع الترتيبات المالية الدولية المعقدة حول هذه الممتلكات العقارية.

رياض سلامة، 71 عامًا، دافع عن نفسه عدة مرات في وسائل الإعلام، وردّ على الاتهامات معتبرًا أنه “كبش فداء” للأزمة الاقتصادية. وادعى أنه بنى ثروته الطائلة بشكل قانوني على أصول تبلغ قيمتها 23 مليون دولار (19.5 مليون يورو) كان يملكها عام 1993، عندما تولى منصب محافظ البنك المركزي. جاء هذا الإرث، حسب قوله، من ميراثين ومن الدخل الذي حصل عليه أثناء العمل في بنك ميريل لينش الاستثماري في بيروت وباريس.

في زمن انكفاء القوى السياسية والقضائية عن مواجهة سلامة، المتهم في عواصم عديدة، هل تأتي المحاسبة من جانب القضاء الدولي ويستعيد اللبنانيون حقهم في العدالة؟!. 

 

رانيا برو

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى