منوعات
أخر الأخبار

السوداوية تحيط بالانتخابات النيابية الفرعية إن حصلت

انكشف فساد البيئة السياسية والمنظومة الإدارية للدولة اللبنانية، واستهتارها بمصالح  المواطنين، لحظة دوي الانفجار الهائل في مرفأ بيروت يوم الرابع من آب. ويصعب على المرء التصديق كيف أنّ دولة بكافة أجهزتها الإدارية والأمنية والقضائية تعجزعن تدارك كارثة بهذا الحجم قبل وقوعها، كارثة كانت واضحة  للجميع أنّها قد تقع في أي لحظة. حتى تلك اللحظة كانت الطبقة السياسية في لبنان تعيش في حالة استرخاء سياسي، وكأنّها كانت مقتنعة بأنّه لن يأتي أحد ليحاسبها بسبب الإرهاق السياسي والأمنى والاقتصادي الذي أصاب المواطنين. إلاّ أنّ انفجار المرفأ غيّر كل المعادلات فشعر بعض من هم في السلطة بأنّ المواطن اللبناني قد يخرج في أيّ لحظة من حالة الاستتباع الذيلي لزعماء الطبقة الحاكمة، فينتقم  لكرامته وينتصر لمستقبله. فكان أن استقالت الحكومة واستقال بعض أعضاء المجلس النيابي.

استقالة عدد من النواب وضعت الحكومة أمام استحقاق دستوري وهو ضرورة إجراء انتخابات فرعية لملء المقاعد التي شُغرت بحسب ما تنص عليه المادة 43 من قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 44 تاريخ 17/6/ 2017، والتي تحتّم إجراء انتخابات لملء المقعد الشاغر خلال شهرين من تاريخ الشغور. القانون أيضاً ينصّ في مادته التاسعة على إنشاء هيئة تسمى هيئة الإشراف على الانتخابات، والتي تتولّى مراقبة تقيّد اللوائح والمرشحين ووسائل الإعلام على اختلافها بالقوانين والأنظمة التي ترعى المنافسة الانتخابية وفقاً لأحكام هذا القانون.

حول هذه الانتخابات وإمكانية إجرائها في الظروف الحالية الصعبة التي يمرّ بها لبنان على كافة الصعد، قصدنا رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات القاضي نديم عبد الملك وأجرينا معه الحوار التالي:

ماهو الوضع القانوني لهيئة الإشراف على الانتخابات الحالية، وهل ما زال يحق لها القيام بمهامها؟ سيّما أنّ المادة 11 من القانون 144/ 2017 تنص على أن تبدأ ولاية أعضاء الهيئة من تاريخ صدور مرسوم تعيينهم وتنتهي بعد ستة أشهر من تاريخ اتمام الانتخابات النيابية العامة.

تنص المادة 9 من القانون على إنشاء هيئة دائمة تسمى هيئة الإشراف على الانتخابات وتمارس مهامها بصورة مستقلة وبالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات. ولتأكيد حرص المشترع على ديمومة الهيئة واستمراريتها، نصّت الفقرة الأخيرة منها على أن تستمر الهيئة القائمة بمتابعة أعمالها لحين تعيين هيئة جديدة. وبتاريخ 8/11/ 2018 وجّهت الهيئة كتاباً إلى وزير الداخلية والبلديات تعلمه فيه أنّه استناداً إلى النصوص المذكورة في القانون وخاصة المادتين 9 و11 وحيث أنّ مجلس الوزراء لم يعيّن هيئة جديدة قبل شهر من انتهاء ولاية الهيئة القادمة، ومنعاً لحصول أي فراغ، فإنّ الهيئة الحالية تعتبر مستمرة بحكم القانون بجميع أعضائها بممارسة مهامها لحين تعيين هيئة جديدة، وقد عقدت أولى جلساتها بهذه الصفة آملة باستمرار التنسيق والتعاون خلال الفترة الانتقالية مع وزارة الداخلية والبلديات. وعلى هذا الأساس قامت الهيئة بممارسة مهامها بالإشراف على الانتخابات الفرعية في دائرة طرابلس الصغرى بعد صدور قرار المجلس الدستوري بقبول الطعن المقدّم من المرشح طه ناجي وإبطال نيابة النائب ديمة جمالي. وكذلك في دائرة صور التي جرت فيها انتخابات نيابية فرعية أيضا لملء المقعد الشيعي الذي شغر باستقالة النائب نواف الموسوي.

في ظل أزمة مالية حادة تعاني منها الخزينة اللبنانية، هل تعتقدون أنّ إجراء انتخابات نيابية فرعية سيكون ممكناً في هذه المرحلة؟

بالنسبة لنا كهيئة عانينا في الانتخابات السابقة من عدم توفّر الاعتمادات اللازمة لـتأمين فريق العمل الإداري واللوجستي، وتأمين العناصر الفنية المختصة لمراقبة الإعلام والإعلان الانتخابي والتمويل والانفاق في هذه الانتخابات. وعلى ضوء التجربة الصعبة التي مرّت بها الهيئة في الانتخابات السابقة والتأخير غير المبرّر لـتأمين الاعتمادات وانعكاساتها السلبية على مختلف مراحل العمل، اضطرت الهيئة الى اللجوء إلى برنامج الأمم المتحدة الانمائي “UNDP”، طالبة تحديد المساهمات التي يمكن تقديمها للهيئة، خاصة فيما يتعلّق بالتعويضات اللازمة لفريق العمل المحدود الذي تحتاجه للقيام بأعمال المراقبة المنوطة بها، وتأمين عناصر الجهاز الإداري اللازم خلال هذه الفترة، والمساهمة في تأمين النفقات التشغيلية التي ترتبت على الهيئة خلال المرحلة السابقة، حتى البت بالاعتمادات المطلوبة من وزارة الداخلية والبلديات. واليوم في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعاني منها لبنان، وفي حال تقرّر إجراء انتخابات فرعية لملء المقاعد التي شغرت باستقالة عدد من النواب، فإنّه من غير المستبعد اتباع نفس الإجراءات التي تم اتباعها في الانتخابات السابقة، وذلك من أجل تمكين الهيئة مباشرة أعمالها في مجال المراقبة المنوطة بها خلال فترة الحملة الانتخابية.

كيف تتوقعون أن تكون الأجواء السياسية والإعلامية للانتخابات الفرعية المقبلة في حال تقرّر إجراءها؟

نظراً لطبيعة الظروف التي يمرّ بها لبنان، نتوقّع أجواء سلبية واعتراضات واعتماد لغة التحريض وتبادل الاتهامات، بالإضافة الى الحشد السياسي من مختلف القوى السياسية المعنية، وذلك وفقاً للمصالح ووجهات النظر التي يمثّلها كل فريق سياسي لديه مرشحين في هذه الانتخابات.

في الانتخابات النيابية الماضية والانتخابات الفرعية تعرّضتم للانتقادات بسبب إحالة عدد كبير من وسائل الإعلام إلى محكمة المطبوعات. ماذا عن هذا الموضوع؟

ألزم قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب الرقم 2017/44 هيئة الإشراف على الانتخابات بمجموعة من المهام المتعلقة برصد محتوى وسائل الإعلام ومراقبة أدائها وتعاطيها مع المرشحين واللوائح الانتخابية. ويشير القانون في معرض الحديث عن مهام الهيئة الناخبة لناحية رقابتها على وسائل الإعلام إلى سهرها على مهمة تأمين التوازن في التغطية الإعلامية والامتناع عن بث ونشر التصريحات والخطب المصنفة بالكراهية لناحية مراقبة الإعلان والدعاية المدفوعة والمستترة والانفاق الانتخابي، بحيث تلزم المادة 72 من القانون المذكور وسائل الإعلام بتأمين التوازن في الظهور الاعلامي. ونتيجة لعدم تقيّد بعض وسائل الإعلام بأحكام هذا القانون ولاسيّما في فترة الصمت الانتخابي، والذي ثبت من خلال عملية الرصد الذي قام بها الفريق المكلّف بمراقبة الإعلام والإعلان الانتخابيين الذي عينته الهيئة، تمت إحالة عدد من وسائل الإعلام إلى محاكم المطبوعات لمخالفتها أحكام قانون الانتخاب. وقد رافقت قررات الهيئة بإحالة عدد من وسائل إلى محكمة المطبوعات حملة إعلامية قامت بها بعض وسائل الاعلام، والتي تمّت تحت رعاية مباشرة من بعض الجهات السياسية احتجًاجا على هذه الإحالات.  وتوّجت هذه الحركة الاحتجاجية بالكتب التي أرسلها وزير الإعلام إلى كل من وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي طالباً فيها إعادة النظر في هذه الإحالات وحفظها ووقف الملاحقات بشأنها، الأمر الذي اعتبرته الهيئة تدخلاً غير مشروع في صلاحياتها وشؤونها، ومحاولة التأثير على القضاء لمنعه من ممارسة صلاحياته ممّا يشكل مخالفة صريحة لمبدأ فصل السلطات. ونظراً لأهمية الموضوع والمسؤولية الملقاة على الهيئة في هذا الشأن، طلبت الأخيرة من وزارة العدل إفادتها مراراً عن النتيجة التي أُعطيت لإحالتها دون أن تحصل على جواب سلبي او إيجابي. وبالعودة إلى نتائج فريق العمل المكلّف بهذه المهمة، اعتبرت الهيئة أنّ عدم صدور قرارات عن محاكم المطبوعات بشأن إحالة عدد من وسائل الإعلام المخالفة إليها خلال الانتخابات النيابية السابقة، رغم مرور حوالي العامين على هذه الإحالات، قد ساهم بتكريس الفلتان الإعلامي واعتقاد وسائل الاعلام أنّها ستكون بمنأى عن أيّ محاسبة في حال مخالفتها لأحكام القانون في أيّ انتخابات نيابية قادمة.

سادت بعض الإشكالات في الانتخابات الماضية بينكم وبين المجتمع المدني . من يتحمّل المسؤولية؟

تنص المادة 10 من قانون انتخاب أعضاء المجلس النيابي رقم 44/ 2017 بأن تضم هيئة الإشراف على الانتخابات ممثلاً عن هيئات المجتمع المدني، بشرط توفّر الشروط المنصوص عنها في المادة 20 منه، ويتم اختياره من بين ثلاثة من ذوي الخبرة في الانتخابات يترشحون من قبل هذه الهيئات. واشترطت المادة أن تكون الجمعية لبنانية غير سياسية، حائزة على بيان العلم والخبر قبل سنتين على الأقل من موعد تقديم الطلب الى الهيئة، وأن تكون غير مرتبطة بأي جهة أو طرف سياسي، وأن لا تضم في هيئتها العامة والإدارية أي مرشج للإنتخابات. وبما أنّ الصلاحية التي كانت منوطة بوزارة الداخلية في قانون الانتخاب رقم 2008/25 انتقلت مع القانون الحالي الى هيئة الإشراف على الانتخابات بكامل تفاصيلها، بادرت الهيئة إلى عقد عدة اجتماعات عمل مع الجمعيات المعتمدة حيث تم الإتفاق على رسم حدود للتعاون والتنسيق معاً في سبيل تحقيق الغاية الموحدة لأعمال الرقابة، التي تهدف الى تأمين الحياد والشفافية وانجاح أعمال الرقابة في حدود المهام المحددة لكل منهما. وقد أبدت الهيئة استعدادها لتجاوز النص الحرفي للقانون الذي يقضي بأن تعمل هذه الجمعيات تحت اشرافها، وتلقّي ملاحظات وانطباعات الجمعيات عن سير النشاطات الانتخابية أثناء فترة الحملة الانتخابية نظراً لتواجد ممثلين عنها على أرض الواقع في مختلف المناطق اللبنانية، وبذلك تكوّن فريقاً مساعداً ومكمّلاً للهيئة في مجال المراقبة لتحقيق الأهداف المشتركة مع الحفاظ على الخصوصية لكل منهما وطبيعة تكوينهما ومهامهما.

هذه هي الأجواء التي حرصت الهيئة على توفيرها في مجال التنسيق والتعاون مع الجمعيات، غير أنّ الجانب الآخر لم يلتزم التزاماً كلياً بما تم التفاهم عليه، حيث بدأت بوادر التصعيد في المواقف التي تتناول عمل الهيئة بالنقد والتجريح، مشكّكة في صدقيتها ومدى قيامها بالمهام المحددة لها في القانون ،مستغلّة الفرصة المتاحة أمامها في الظهور الإعلامي لتوجيه أسهم النقد وإبداء الملاحظات بشكل عشوائي. كل هذه الممارسات لم تجعل الهيئة تخرج عن حدود الالتزام بجو الإتفاق الذي تم عقده مع هذه الجمعيات، ولم تعمد إلى إصدار بيان للرأي العام للرد على هذه الحملة، رغم مطالبة عدد من أعضائها بذلك.  تجدر الإشارة أنّه سبق للهيئة أن أبلغت هذه الجمعيات موقفها الصريح من كل الاتهامات التي تناولتها من قبل هذه الجمعيات، اذ لا يحق لهيئات المجتمع المدني أن تتناول هيئة الاشراف على الانتخابات بملاحظاتها وتوجيه النقد لها دون الرجوع إليها خاصة أنّ هذه الجمعيات ممثلة في الهيئة وتعمل تحت إشرافها بموجب القانون.

نبيل المقدم

 

نبيل المقدم

كاتب وصحافي وباحث سياسي لبناني. صدر له العديد من المقالات والمؤلفات ابرزها "وجوه واسرار من الحرب اللبنانية".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى