مجتمع

إعادة تنشيط مهنة الخياطة: 26 مليون ليرة ثمن الآلة!

في دكانه الصغير، في أحد أزّقة بلدة الشهابية ( صور)، ينهمك أحمد باز ( 64 سنة) في خياطة الألبسة، مستخدمًا آلة خياطة، تبدو من الطراز القديم، لكنّه “استطاع تحويلها على الطاقة الكهربائية”. في السنوات الماضية، كان أحمد من بين عدد قليل جدًا من أبناء الجنوب الذين يعملون في الخياطة، “المهنة كادت أن تنقرض بسبب انتشار أسواق الألبسة الجاهزة، المستوردة من الخارج”. لكنّ الأزمة الاقتصادية المستجدة، انعكست إيجابًا على أحمد وزملائه، الذين باتوا يحدّدون المواعيد لزبائن راح يزداد عددهم يومًا بعد يوم، اذ بات “على الزبون أن ينتظر يومًا على الأقل لإنجاز طلبه”. يرى باز أنّ “الأزمة قسمت الأهالي إلى طبقتين، طبقة الميسورين الذين يعتمدون على أموال المغتربين والأجور بالعملة الأجنبية، وطبقة فقيرة جدًا معظمها من الموظفين، لكنّهم جميعًا باتوا يقصدون الخياطين”، فيشير إلى أن “الميسورين يحضرون الثياب الجديدة  لتقصيرها أو تضييقها، بينما الفقراء يحضرون الألبسة القديمة والممزّقة لإعادة خياطتها بما يتناسب مع الحاجة”.

هناك كانت أم جواد فتوني  (48 سنة) تنتظر دورها، تقول “جئت من بلدة بعيدة، لأعيد خياطة بعض الألبسة القديمة لأولادي، فلم يعد في استطاعتنا شراء الألبسة الجديدة”، وتبيّن  أن “معظم الأهالي، باتوا يلجأون إلى الخياطين، يحضرون ما لديهم من ملابس مستعملة، وممزّقة أحيانًا، لكي تصبح صالحة للاستعمال”. عادت مهنة الخياطة إلى سابق عهدها، فازداد عدد أصحاب محلاّت الخياطة بشكل لافت “حتى أنّ عشرات النساء بتن يمتهنّ مهنة الخياطة في منازلهن، وبعضهن امتهن مهنة التطريز” تقول الخياطة مريم درويش، مشيرةً إلى أنّ “بعض الصبايا يلجأن إلى التطريز لصناعة الهدايا لعرسانهن، بدلًا من شرائها، ما يعكس بؤس الوضع الاقتصادي الذي وصلنا إليه”.

تعمل مريم في محلّها القديم، لا تتوقف عن العمل إلاّ بسبب انقطاع الكهرباء، وتؤكد على انتشار عدد الخياطين بشكل كبير في المنطقة، “المهنة عادت إلى ماضيها القديم، لأنّها تحقّق وفرة مالية كبيرة على الزبائن”، وتبيّن أنّ “ثمن رداء طفل للنوم عند الخياط قد لا يزيد ثمنه على 35 ألف ليرة، بينما يمكن للزبون شراء مثله من السوق بما يزيد على مئة ألف ليرة”. لكن رغم ذلك فانّ “آلات الخياطة الجديدة ارتفع ثمنها بشكل كبير، خاصّة بسبب زيادة الطلب عليها، فيزيد ثمن الآلة الواحدة على 1500 دولار، أي ما يعادل الـ 26 مليون ليرة بحسب سعر صرف السوق اليوم، أمّا الآلات المستعملة والقديمة فيصعب شراؤها اليوم، بسبب الحاجة المستجدة إليها”.

يبدو أن معظم آلات الخياطة القديمة التي كان يحتفظ بها بعض الأهالي في منازلهم، خاصة الذين من هواة الحفاظ على التراث، أعيد تصليحها لتصبح جاهزة للعمل. فيقول ابراهيم مرتضى (42 سنة) “كنت أحتفظ بعدد كبير من الأدوات القديمة، رغبة مني في حفظ تراث الأجداد، من بينها آلة قديمة للخياطة، لكنّني فوجئت بأنّ العديد من أبناء المنطقة يريدون شراءها، فاستدركت أهمية هذه الآلة اليوم، وعملت على إصلاحها، وهي اليوم تستخدم لخياطة الألبسة القديمة”. ويشير إلى أنّ “معظم الأهالي باتوا لا يشترون الثياب الجديدة، إلاّ عند الضرورة القصوى، فأصبح همّ الجميع تأمين حاجاتهم بأقل كلفة ممكنة”، لكن هذا الوضع الاقتصادي، رغم قساوته، “خلق فرص عمل جديدة للعديد من الفقراء، وخاصة ربّات المنازل، اللاّتي يمتلكن آلات الخياطة القديمة، التي باتت مصدر عيش العشرات من الأسر المحتاجة”.

وبحسب مرتضى فانّ “بعض الميسورين سابقًا، من الذين تدهورت أحوالهم المعيشية بشكل كبير، باتوا يبيعون بعض الأقمشة والثياب القديمة إلى الخياطين، الذين بدورهم يستخدمونها لصناعة الثياب الجديدة للمحتاجين إليها، الأمر الذي يساهم في التخفيف من الأعباء المعيشية الصعبة”. ويتساءل مرتضى “هل بات على اللّبنانيين، العودة عشرات السنين إلى الوراء، لمواجهة الأزمة الاقتصادية، بينما المسؤولون يبحثون عن مكاسب إضافية على حساب الفقراء؟”.

 

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى