ميديا وفنون

#حكي_صادق مع مين؟

يمكن للمواطن العاديّ أن يغرّد كما يشاء لمجرد التعبير عن الرأي، أمّا السياسي أو الإعلامي أو حتى الكاتب، فيفترض أن يسأل نفسه عند كتابة أية تغريدة: لمن أكتب هذه التغريدة؟ للجمهور الحزبيّ؟ أم للخصم أم لجمهور الخصم؟ أو لغير المتحزبين؟ أم أكتب لنفسي بما يشبه الخواطر؟

هذا السؤال البديهي الدائم يزداد جديّة مع الانتقال إلى البرامج التلفزيونية، حيث تأخذ الإدارة الأميركية الأموال من درب شعبها لتمويل المحطات التي تُعرض عليها هذه البرامج. فلا ينبغي أن يكون الهدف من هذا التمويل على حساب الشعب الأميركي، هو “فشة خلق” الإعلامية ديما صادق، أو إسعاد صالح المشنوق، أو إسعاد مارسيل غانم بإسماعه ضحكته. ولا بدّ أن يكون هناك هدف يستوجب التمويل الذي يغدقه الأميركيون وحلفاؤهم عبر قنوات رسمية وغير رسمية على رجال الأعمال اللبنانيين الثلاثة، ميشال المر وبيار الضاهر وتحسين خياط.

لكن بعد أشهر من انطلاقة برامج التلفزيونات الثلاثة، لا يبدو واضحاً صراحة لا الفئات المستهدفة بهذه البرامج، ولا الهدف منها جميعها أو حجم التأثير في الفئة المستهدفة أياً كانت. ولا شكّ هنا أنّ النموذج الأفضل لتوضيح الفكرة أكثر هو الإعلامية ديما صادق ببرنامجها “حكي صادق”، حيث تطرح أربعة أسئلة جدية:

 أولاً، هل اكتشف الأميركيون أنّ الإعلام الحربيّ المقنّع، اللطيف في تمريره للرسائل السياسية معتمداً على التلميح دون تجريح، لم يحقق غايته فانتقلوا إلى الإعلام الحربي المباشر، يجري المحاكمات الميدانية ويصدر الأحكام؟ وهل حلّت ديما وزميلاتها في هذا السياق محل فارس سعيد وزملاءه لجهة إصدار بيانات الأمانة العامة لقوى 14 آذار الأسبوعية؟

 ثانياً، إذا افترضنا أنّ هذه البرامج موجّهة لجمهور معين؛ فهل قدمت ديما في حلقتها الأخيرة أيّة معلومة إضافية أو تحليل أو فكرة يمكن أن تغني هذا الجمهور في نقاشاته اليومية أو حتى في تغريداته؟ أو أنّها قدّمت مجرد “تجميعة” لما سبق لهذا الجمهور أن نشره وتفاعل معه على مواقع التواصل الاجتماعيّ طوال الأسبوع الماضي؟ فهل الإعلامي من يقدّم مادة للجمهور أو الجمهور من يقدّم المادة للإعلامي؟ وهل قالت ديما فعلياً فكرة واحدة لم يقلها المناصرون لهذا الفريق السياسي على “تويتر” و”كلوب هوس”؟ مع العلم أنّ هناك من يقول إنّ بين جمهور التلفزيون من لا ينشط على مواقع التواصل ولا بد من تنويره بما يتداول هناك. لكن هل هناك فعلاً بين جمهور تلفزيون المر من يسهر حتى العاشرة والنصف ليلاً لمشاهدة ديما صادق، وهو لا يملك “واتساب” أو يتواجد على “تويتر”؟

ثالثاً، إذا كان الهدف مخاطبة الجمهور الآخر أو الجمهور المضاد لإقناعه بترك قيادته، فلا شك أنّ الأسلوب كما المضمون لا يمكن أن يحققا هذه الغاية من قريب أو بعيد، لا بل أنّ شكل ما يقدّم ومضمونه يشدان عصب الجمهور الآخر.

 رابعاً، إذا كان الهدف مخاطبة غير المتحزبين، فلا شك أنّ مخيلة المعد استثنائية فعلياً ليتّخيل البلد ينهار، والناس يعيشون جميع أشكال وأنواع المخاوف الأمنية والسياسية والاقتصادية والمالية والاستشفائية والتربوية والوظيفية والمواصلاتية والاتصالاتية، والناس يهاجمون بعضهم بعضاً، فيما ديما صادق في الأستديو تستعيد مقابلة تلفزيونية عمرها أكثر من ستة أشهر لمحاكمة الذكورية العونية.

دعكم هنا من ردة الفعل الغرائزية الطبيعية جداً في السؤال عن خلفية ديما صادق الأخلاقية لتقيّم أخلاق الآخرين، بعد انتهاكها بالشتائم تارة والأكاذيب طوراً جميع أسس الأخلاق، ودعكم من التعميم الأحمق الذي تنتهجه في مقاربتها للمواضيع؛ دعكم من كل هذا وتخيلوا أنّه مساء الإثنين، بعد نهاية أسبوع دموية في الشمال، وعشية رفع أسعار المحروقات وفي ظل كل ما يعانيه الناس من مشاكل، ذهب هذا المستقل أو غير المتحزب ليشاهد تلفزيون المر، فوجد المرجع الأخلاقي ديما صادق تناقش نفسها مع نفسها بنفسها بشأن أخلاقيات العونيين. في هذه اللحظة بالذات، ماذا سيقول هذا المستقلّ وغير المتحزب عن ديما صادق؟ هي لا تخاطب غير المتحزب. هي لا تخاطب حزبيّ الخصم طبعاً، فهي سبق ووضعت كل هذا الجمهور في صندوق واحد. وهي في حال كانت تخاطب الجمهور الذي يشاطرها رأي صالح نهاد المشنوق بوجود احتلال إيراني للبنان، فإنّها لا تقدّم لهذا الجمهور فكرة جديدة واحدة.

وبالذهاب إلى صفحة ديما على تويتر، حيث لديها أكثر من 723 الف متابع، يتوضّح المشهد أكثر. ففي تغريدتها عن الحلقة، حصدت 433 “لايك” فيما تبيّن تغريداتها في اليوم السابق أن معدل الـ “لايك” لتغريداتها اليومية لا يقل عن 1400 أو أربعة أضعاف ما نالته أمس. أما الـ quote tweets فسبعة فقط، بينهم واحدة مؤيدة وستة يشمتون أو يشتمون؛ أما التعليقات، فمنقسمة ثلث إعجاب وتقدير، وثلثين شتائم، ولا تتضمن أيّ تعليق نقاشي واحد تشعر مقدمة البرنامج أن بوسعها الانطلاق منه لتطوير فكرة أو صداقة.

وفي النتيجة، ماذا كان سيفيد ديما صادق وفريقها السياسي والسفارة التي تموّل تلفزيونات رجال الأعمال: حلقة تنتهي قبل أن تبدأ عند المشاهد (سواءً كان يؤيّد المضمون أو يعارضه)، أو حلقة تقرأ بها ديما صادق بهدوء نتائج انتخابات نقابة المهندسين التي يبدو من حماستها على تويتر أنها تابعتها بحماسة وتعنيها؟ هل تعدّ ديما صادق برنامجها أو يوجد من يعدّ لها هذا الفشل كلّه؟ وفي حال كانت هي من تعد برنامجها، هل تمنح الإعداد الوقت اللازم أو أنها لا تجد الوقت فتتدبر أمورها على عجل؟

عملياً، فعلت ديما أمس ما تعيب على الآخرين فعله؛ أكدت أنهم يعيشون في كوكبهم وهي تعيش في كوكبها؛ في كوكبها لا يوجد أزمات ولا يوجد متسببون لهذه الأزمات، ولا يوجد مريض سرطان لم يجد للأسبوع الثالث على التوالي الدواء الضروري لنضاله؛ على كوكبها لا يوجد شيء أو أحد غير نصرالله وباسيل؛ خلاصة ترضي وتقنع قلّة قليلة من الناس لكنها لا تصنع الرأي العام؛ وهي لا شك مضيعة لأموال الشعب الأميركي الذي تحرمه إدارة بلاده من خدمات كثيرة في سبيل تمويل تلفزيون المر وسائر الإعلام دون إجراء مراجعة جدية لنتائج هذا التمويل. على أمل أن تتفوق العنجهية والغرور على ما عداهما في حال قراءتها لما سبق، فتواصل تقديم هذا الشيء السيء الذي تقدمه، دون مراجعة أو تعديل.

غسان سعود

 

غسان سعود

كاتب وصحافي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى