مجتمع

يوميات ملاك مع تجربة كورونا : دكتور حموت؟  أنا عندي ولد…

وثّقت يومياتها مع كورونا في حملة توعية

“في وقت بهالمرضة اللعينة، كان بس وجه ابني قبالي لإقدر اتحمّل وجع مش انساني. كنت بس افكر بوجهه القمر اللي كبر 12 يوم، بدون ما ابوسه وقول كرماله بدي قاتل الكون. اليوم اخدت اول نفس عميق بدون وجع، وبكيت، لأنو اخيراً متأكدة رح شوف ازاد وشمه وضمه لقلبي قريب…”.

هو البوست الأخير من يوميات ” تجربتي مع كورونا” التي كانت تنشرها الزميلة الصحافية ملاك خالد على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ملاك  أو ” إم آزاد”، هي الشابة  الأم التي قرّرت أن تشارك الجميع تجربتها بعد إصابتها بفايروس ” كورونا”.

هي التجربة التي علّمتها حكمة جديدة في الحياة، والتي فرضت عليها أن تتماثل للشفاء، محجورةً في منزلها وحيدةًّ.

الاثنين 17 آب الماضي. عادت ملاك إلى منزلها برفقة طفلها آزاد (7 سنوات )، بعدما اضطرا لمغادرته 12 يوماً بسبب تضرّره من انفجار مرفأ بيروت. ولأن الطفل آزاد  عاش هول الانفجار، أحبّت والدته أن تفاجئه  بعطلة قصيرة في منطقة زحلة.

فور وصولهما الى زحلة، شعرت ملاك  بالتعب ومن ثم بالبرد، لترتفع حرارتها ليلاً. حينها تذكّرت أنّها خلال  فترة مغادرتها المنزل بعد انفجار بيروت خالطت العديد من الأشخاص، كما تنقّلت بين عدة منازل للأصدقاء.

قبل تأكدها بالاصابة بفيروس كورونا، بدأت معاناة ملاك، انطلاقاً من عدم قدرتها على ايجاد فحص  PCR في منطقة بعلبك كلها، ما دفعها  للعودة بأسرع وقت الى بيروت واجراء الفحص في مستشفى الجامعة الأميركية.

بعد مرور 24 ساعة على إجرائها الفحص، صدرت النتيجة وكانت ايجابية. حينها اتصلت بطليقها وطلبت منه أن يحتضن طفلهما مؤقتاً،  لتتولى بعدها إخبار كل من خالطته بأنها مصابة بكورونا

لم تكن المهمة سهلة عليها، لكن ضميرها ارتاح بعدما تأكدّت ان كل من خالطها جاءت نتيجة فحصه سلبية.

أما المهمة الأصعب كما تقول لـ”أحوال”، فكانت بالنسبة اليها  اقناع طفلها بضرورة الابتعاد عن المنزل،  وهو لم يعتد الغياب عن والدته  الا للذهاب عند والده في نهاية الأسبوع . ” ماما حتنام عند بابا هالفترة” كانت أصعب من وجع المرض  بالنسبة لملاك.

هنا، انطلقت يوميات ملاك مع المرض. في اليوم الأوّل من العزل المنزلي سجّلت فيديو وأخبرت فيه عن إصابتها بالفايروس،  لتنشره بعدها على مواقع التواصل. لاقى الفيديو نسبة مشاهدة عالية وتفاعلت معه نسبة كبيرة من المتابعين.

منذ اللحظة الأولى قرّرت ملاك أن  تحوّل مرضها الى تجربة وعي  تحثّ فيها الآخرين  على الوقاية. عمدت ان ترصد أدقّ التفاصيل ضمن يوياتها ومشاركتها مع متابعينها.

أما الطفل آزاد فتقول إنّه كان بطل قصتها ونقطة ضعفها الذي لم يغب للحظة عن هذه اليوميات. تجلس في المنزل وحيدة . تارةً  تتحدث مع أفراد عائلتها للإطمئنان، وطوراً تخلد الى النوم للراحة.

لم تخلُ اليوميات من بعض المضايقات، على سبيل المثال ردة فعل بعض الجيران وتخوّفهم من وجود مصابة تقطن في نفس المبنى معهم.  حاولت ملاك التأقلم مع الوضع وعدم اعطاء الموضوع أي اهمية.  التزمت المنزل واتّخذت جميع اجراءات الوقاية ، حفاظاً على سلامة الآخرين.

تتصل الوالدة  للاطمئنان، تطلب من ملاك إذناً للحضور. ترفض الاخيرة ولا تتقبّل فكرة أن تراها والدتها وهي ضعيفة. تخذلها دموعها كما صوتها الخافت كلما سأتها والدتها ” ماما انت منيحة؟”.

لا تجرؤ ملاك الإفصاح عن وجعها. تزداد إيماناً أنها ستتغلب على الفايروس، رغم ذلك  كانت ترعبها فكرة عزلتها في المنزل  وتجعلها  تشكّ اذا كانت ستعيش أم لا.

تعود لتتذكر طفلها  آزاد من جديد، تدخل غرفته وتنظر الى أغراضه لتستمدّ منه القوة والاقتناع أن آزاد ينتظر لحظة العودة الى حضنها.

بعد مرور اسبوع على الحجر، ساءت حالت ملاك الصحية ولم يعد بوسعها تحمّل أوجاع جسمها،  حتى بدأت تشعر بضيق في النفس. الأمر الذي استدعى منها التوجّه الى مستشفى رفيق الحريري. هنا، وبعد كشف الطبيب عليها طلب منها العودة الى المنزل لتلقي العلاج، بحجّة عدم قدرة المستشفى المذكور على استيعاب  المزيد من مرضى كورونا. ” دكتور حموت..؟ أنا عندي ولد..”، سألته ملاك بوجه شاحب وقلق.

تحضّر صورة آزاد من جديدة لتطرد كل الأفكار السلبية ، فتقرر النزول عند رغبة الطبيب والعودة الى المنزل لإكمال العلاج.

 

تدخل ملاك اسبوعها الثاني من الحجر المنزلي. المزيد من اليوميات والمواقف. لم تنشرها جميعها . احتفظت بالعديد من الفيديوهات ريثما  تجمعها  لاحقاً وتنشرها بشكل متتالٍ. لم تضعف امام تصوير وجهها الشاحب وصوتها المرتجف.  المهمة على وشك الانتهاء.  يبقى بضعة أيام على لقاء آزاد.

وحدها التعليقات التضامنية معها على مواقع التواصل هي سيدة الموقف. تتلقى رسائل دعم من كل حدب وصوب. يطمئنّ عنها كل من يعرفها ومن لا يعرفها.  صداقات جديدة كانت وليدة لحظة اعلانها عن مرضها وهكذا أنهت أسبوعين من الحجر المنزلي  وأسدلت الستار عن يوميات تجربتها مع الكورونا .

انتهى العلاج وحان وقت اجراء فحص ال PCR من جديد.  النتيجة سلبية ، إذاً تماثلت ملاك للشفاء ونجحت.

اليوم هي جاهزة لاستعادة حياتها الطبيعية . لكن مهلاً ، هل هي خائفة من ردة فعل المجتمع بعد خروجها من المنزل كشافية من المرض؟

تتجاهل ملاك الأمر تماماً وتصوّب تركيزها  من جديد الى زحلة، الى المكان الذي لم تستمتع فيه مع طفلها بدافع المرض.

تنشر فيديو ثانٍ لتعلن عن شفائها من كورونا ، توجّه رسالة حبّ الى آزاد، ورغم ان العودة الى المدارس باتت قريبة، لن تشغل بال طفلها بالموضوع ، بل تفضّل  التعويض عليه معنوياً ونفسياً ، ويستأنفان معاً  عطلتهما الجميلة.

زينة برجاوي

 

زينة برجاوي

صحافية لبنانية تعمل في مجال الصحافة المكتوبة وإعداد البرامج. تحمل الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية الأميركية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى