منوعات

كيف سترُد “حماس” على الرسالة السوريّة؟

جاءت الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية وما تمخضت عنه من “نصر” في المعركة العسكرية في غزة قياسا إلى الموازين العسكرية والاهداف التي وضعتها الحكومة الاسرائيلية لعدوانها، لتعزّز مساعي التقارب التي يُعمل عليها منذ سنوات داخل “محور المقاومة” بين القيادة السورية وحركة “حماس”.

ومع تغيّر الظروف سريعًا في المنطقة التي تُفتح اليوم على أبواب كانت مغلقة في السابق، وخاصة بين دول الخليج وإيران وسوريا، ثمة عمل جاد على صعيد العلاقة بين دمشق التي فرحت بـ”انتصار” غزة والركن الأهم في مقاومة غزة.

وقد كسر الجليد فعلًا في المرحلة الأخيرة في علاقة تتحسن مع الأيام لكن يشوبها البطء، ودون عودة الأمور إلى سابق عهدها قبل العام 2011 الكثير من الجهد والثقة المستعادة التي افتُقدت في السابق، إلى جانب دور هام لـ”حزب الله” يقوم به على هذا الصعيد أثمر تواصلًا غير مباشر بين الجانبين ونقل رسائل بالنيات الطيبة التي تفتقد الأفعال حتى اللّحظة.

 

إيران لم توقف الدعم

 

على أن العامل الذي سبق غيره تمثل في السنوات الماضية في استمرار الدعم الايراني للجناح العسكري في الحركة حتى في عز التباعد بين “حماس” ودمشق، حليفة طهران الموثوقة، على خلفية المشهد السوري، فبقي هذا الدعم مستمرا ومعه التواصل بين القيادات الرئيسية للحركة و”حزب الله” وخاصة أمينه العام السيد حسن نصر الله.

كان التقارب في حاجة الى تراكم سنوات ليتخذ مشهده الحالي الذي عبّرت عنه تصريحات متبادلة بين النظام في دمشق وخاصة الرئيس بشار الأسد، وقيادات في الحركة، ناهيك عن مزاج داخلي في الحركة بات يُعلي من شأن الدور الإيراني ويبتعد في شكل ملموس عن مذهبية سرت وسط شرائح اسلامية في فلسطين، سواء في بيئة “حماس” أو في محيطها، ومنها مثلا “الحركة الاسلامية” بزعامة رائد صلاح صاحب الخلفية الإخوانية والذي شن هجمات عديدة على “حزب الله” لناحية تدخله في سوريا.

هذا التراكم في مساعي التقارب مع وجود قيادة سياسية وعسكرية تُعلي شأن الحلف مع إيران و”حزب الله”، فعل في تبادل الرسائل الإيجابية بين دمشق و”حماس”. وكان لرئيس المكتب السياسي في الحركة اسماعيل هنية مباحثات بهذا الخصوص أخيرا مع نصر الله لأكثر من مرة ومنها ما كان داخل الاسوار المغلقة وخارج أعين الاعلام، وتبعه قياديون في “حماس” مثل صالح العاروري وغيره إلتقوا نصر الله ونائبه الشيخ نعيم قاسم وقيادات معنيّة أخرى وهي لقاءات مستمرة حتى الآن تبحث في ما بعد “سيف القدس”.

 

“تقدير موقف” في انتظار الإنتخابات الداخلية

 

بعد الاحداث الاخيرة في فلسطين ظهر “محور المقاومة” “أكثر انتعاشا” وتماسكا، ووجه الرئيس السوري بشار الأسد كلاما واضحا يتعلق بـ”كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري لـ”حماس” خلال لقائه فصائل فلسطينية، تلتها ايجابية من القيادي في الحركة أسامة حمدان عبر “رد للتحية أو بأفضل منها” مع ان البعض قال إن رد حمدان جاء آنيا ووليد لحظته خلال مقابلة تلفزيونية.

ثم كانت رسالة تكفل الأمين العام لـ”الجهاد الاسلامي” زياد نخالة بإيصالها الى “حماس” خلال لقائه قيادييها في القاهرة قبل أيام، وعنوانها ان ابواب دمشق مفتوحة لها

طبعا لم يمر ذلك بسلام عند اوساط اسلامية منها من هو داخل “الإخوان المسلمون” التي ترتبط “حماس” بها من دون ان تتبعها، فكانت بعض الهجمات على الحركة وقيادييها وخاصة من قبل المتعاطفين مع الإخوان في سوريا وداخل اروقة “المعارضة السورية” وظهر بعضه على وسائل التواصل الاجتماعي.

والواقع ان تلك الانتقادات لم تقتصر على البيئة الحمساوية، بل ان الحركة نفسها تلقت انتقادات من قبل تلك الاوساط حتى في عز حربها ضد العدوان الاسرائيلي. لكن ذلك لا يقارن بما كان عليه المزاج المعادي لدمشق ولإيران والذي بلغ أوجه بعد قليل على الاحداث السورية، قبل ان يبدأ بالخمود في السنوات الاخيرة.

وهذا ما يفسر قدرة الحركة على التعبير بوضوح عن مدى الدعم الايراني لها بعد انتهاء المعارك، وتكرارها الشكر لطهران لدعمها المادي والتسليحي والتدريبي وغيره لتستعيد الحركة علاقاتها المميزة السابقة مع طهران و”حزب الله” والتي يصفها قيادي في “حماس” بأنها لم تستعد زخمها الماضي فقط، بل انها تخطته.

لكن ثمة ما يجب العمل عليه في المضمون كما في الشكل لتعبيد الطريق نحو دمشق. وهناك عمل مستمر من قبل قياديي الحزب وخاصة نصر الله، وباتت “حماس” تكثر من تأييدها لـ”الحل السياسي” في سوريا وهو عنوان يختزل الكثير وترى الحركة ان تطبيقه يريحها كثيرا، لكن يبدو انها تنتظر اشارة علنية من القيادة السورية لدعوتها الى خطوة جوهرية على هذا الصعيد، وهي لفتة ليس بالضرورة ان تصدر عن الأسد ويمكن ان يتم إخراجها بطريقة تشجع الحركة على المبادرة في تجاه دمشق.

إلا ان من الواضح ان الامر لن يتم في الاسابيع الحالية. مرد ذلك ان الحركة تستعد لإجراء انتخاباتها الداخلية ولا يمكن للمكتب السياسي الحالي ان يتخذ قرارا كبيرا وجذريا بحجم العودة الى دمشق. ولذلك فإن الانتخابات المقررة في شهر تموز المقبل والتي أرجىء بعضها نتيجة العدوان على غزة وهي بدأت منذ شهر آذار الماضي وتشمل الأقاليم الثلاثة غزة والضفة والخارج، ستصيغ خارطة طريق الحركة نحو دمشق بعد “تقدير الموقف”.

ويتوقع ان تتمظهر المتغيرات الاخيرة في المكتب السياسي المقبل بعد انتخاب مجلس الشورى، وان يتم التجديد لهنية لولاية ثانية أخيرة تحق له لمدة أربع سنوات، ذلك ان لا ولاية ثالثة لرئيس المكتب السياسي والذي يستطيع العودة بعد انقضاء ولاية أولى على الأقل لغيره.

 

عمار نعمة

عمار نعمة

كاتب سياسي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى