منوعات

“بلاها أحسن”… الحكومة التي يرأسها الحريري

قبل أن يقول سعد الحريري كل ما قاله قبل الهدنة، كان ترداد اسمه في القصر الجمهوريّ أو مجرد السؤال عنه هناك، يثير سخطاً حقيقياً. فقد استعرض رئيس الحكومة السابق أمام رئيس الجمهورية منذ 17 تشرين، كل أشكال وأنواع الاستفزاز، مع حقد غير مفهوم مجبول بكثير من الكراهية والعنجهية. ومع ذلك، واصل رئيس الجمهورية كتم غيظه الشديد، محترماً الدستور بجميع إعوجاجاته، التي تمنع عزل الرئيس المكلّف أو إلزامه بأي شيء.

والواقع أنّ رئيس الجمهورية راكم الخيبات والقرف من الحريري. وهو إذ يواصل استقباله، فإنّه يفعل ذلك احتراماً للدستور وليس احتراماً لشخص الحريري بالطبع؛ ولا شك أنّ الرئيس كان يفضّل منذ قرّر مجلس النواب تجاهل رسالته وتكليف الحريري تشكيل الحكومة أن يتجاهل الأخير بالكامل، ويبحث مع من يمون عليهم من وزراء مستقيلين وقضاة ومدراء عامين وسفراء واتحادات بلدية فيما يمكن فعله، تماماً كما فعلت القاضية غادة عون في ملف التحويلات المالية، وكما فعل وزير الطاقة واللواء عباس ابراهيم مع الحكومة العراقية في ما يخص المشتقات النفطية، وكما يفعل قائد الجيش لإنقاذ مؤسسته، وما يفعله رئيس حزب التيار الوطني الحر جبران باسيل مع روسيا وسوريا وإيران في أكثر من ملف.

مع العلم أنّ الكثير من الإعلام تبنى الكذبة القائلة بأنّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف يتفقان على شيء ثم يأتي باسيل ويخربه، فيما الواقع معاكس بالكامل: لو تُرك الأمر لرئيس الجمهورية، لأغلق أبواب بعبدا والنوافذ وبوابات الحدائق أمام الحريري، ولم يبلغه أساساً بتكليف النواب له تشكيل الحكومة.

أما باسيل، فيواصل تدوير الزوايا، معتبراً أنّ القفز مستحيل في تشكيل حكومة منتجة فوق المكوّنات السياسية – الطائفية الرئيسية الأربعة: المسيحية والسنية والدرزية والشيعية. وهو ما يحتّم التفاهم مع الحريري، سواءً للتشكيل أو للإعتذار وتكليف غيره؛ مع تأكيد رئيس تكتل لبنان القوي أنّ إنقاذ ما يمكن إنقاذه مهم، لكنه لا يكفي لوحده في ظل الانهيار الشامل.

والأكيد أنّ تدوير الزوايا لتشكيل حكومة برئاسة الحريري هو خيار غير شعبوي أبداً في الأوساط العونية، لأربعة أسباب رئيسية:

  1. تمادي الحريري وذهابه بعيداً جداً في الاعتداء الكلامي على العونيين. فهو انتقل من مهاجمة النظام السوري إلى مهاجمة حزب الله، قبل أن ينتهي إلى تركيز كل هذا الجهد الشتائمي العظيم على العونيين. والأكيد هنا، أنّ السقف العوني لمسامحة الحريري وفتح صفحة جديدة له كما سبق لسوريا أن فعلت وحزب الله، لا يفترض ان يكون أعلى من سقفيّ دمشق والضاحية؛ حيث يزحف زحفاً إلى قصر بعبدا، كما سبق وزحف إلى قصر المهاجرين والضاحية. والواضح في هذا السياق أنّ هذا الرجل لا يحب أو يحترم من يعامله بنديّة، إنّما العكس تماماً. وهذه بالمناسبة طبيعة بشرية، لا يمكن تعديل جيناتها أو تغييرها.
  2. كيف سيترأس رئيس الجمهورية اجتماعات حكومة يرأسها الحريري، بعد كل ما قاله رئيسها عن رئيس الجمهورية؟
  3. ماذا يمكن أن تنتج حكومة مع هكذا رئيس رفض في الزمن الجميل بت إصلاحات سيدر وخطة النفايات وتنفيذ خطة الكهرباء؟ حكومة يعجز رئيسها المفترض عن اتخاذ قرار حاسم في أصغر أصغر ملف يفترض بها الحسم في ملفات وقضايا مفصلية، مثل استيراد النفط وإيجاد بديل عن بواخر الكهرباء وإحلال العراق محل السعودية والإمارات على أكثر من مستوى.

وإذا كان هناك شبه تسليم اليوم بأنّ الخضوع لشروط صندوق النقد بات أمراً واقعاً، فإنّ هذه الحكومة يفترض أن تقرّر نسبة الخضوع:

-استسلام مطلق، أو بنسبة ستين أو أربعين أو عشرين بالمئة.

-حكومة الإعلان الرسمي عن رفع الدعم، الذي دخل حيّز التنفيذ منذ نحو ثلاثة أسابيع.

-حكومة بوزراء إضافيين من كرتون و”بلاستيك” يواصلون تنفيذ أوامر المدراء العامين الممسكين الحقيقيين بقرارات وزاراتهم، بالتنسيق مع الزعماء التقليديين، دون أي دور حقيقي للوزير غير تلقي الشتائم من المواطنين الذين يجهلون التركيبة الحقيقية للنظام اللبناني.

  1. حكومة يعرف العونيون سلفاً أنهم لن يستطيعوا تحقيق أيّ من وعود العهد من خلالها، بحكم عدم امتلاكهم ثلث ضامن أقله. مع العلم أنّ الثلث الضامن لم يكن يكفي لتمرير مشاريع، إنّما كان يمكن أن يوقف مشاريع. وبالتالي هم لن يكونوا عاجزين فقط عن تمرير مشاريعهم، إنّما سيكونون عاجزين عن إيقاف ما لا يقتنعون به. وعليه، فإنّ بمشاركتهم وبمنحهم الثقة، سيكونون مجرّد شهود زور، يتحمّلون في الشارع مسؤولية ما لا يملكون القدرة على إقراره أو إيقافه_ علماً أنّ المواطن العادي لا يريد أن يعرف كيف تقرّ المشاريع ولا كيف تعطل أو تسير ثم يريد تحميل فلان وعلتان المسؤولية عن الإنجاز أو عدم الإنجاز.

وعليه، يحضر السؤال بقوة: لماذا يسهم رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بعودة الحريري إلى السلطة واستعادته الصفة الرسمية، التي تمنحه حصانة في ظل ملاحقات أشقائه له وقريباً – ربما – الدولة السعودية؟ وتتيح له أيضاً وايضاً التجوال في العالم لمقايضة ما تبقى من أملاك للدولة اللبنانية بمشاريع استثمارية خاصة سواء في تركيا أو ألمانيا أو فرنسا؟ لماذا كرم الأخلاق السياسية مع شخص أثبت بما لا يقبل الشك أنّه لا يتمتع بأية أخلاق سياسية؟ مع العلم أنّ ما خسره العهد والتيار سبق وخسراه، ولا يمكن حكومة برئاسة الحريري أن تعوّضهما هذه الخسارة كما لا يمكن أن يخسرا أكثر. أما الحريري فخسر الكثير، ويمكن أن يخسر أكثر إذا لم يشكّل حكومة. إلى ذلك، تأتي المتغيّرات الإقليمية والدولية هي لمصلحة العهد والتيار، فيما هي في المقابل ليست أبداً لمصلحة الحريري.

الحريري يتغنج ويتدلع ويماطل في التشكيل؟ أقل الواجب تركه ينهي نفسه بنفسه والالتفاف جديّاً إلى ما يمكن فعله بعيداً عنه والحكومة السيئة التي يمكن أن يشكلّها. تجربة المشتقات النفطية مع العراق تفتح باباً؛ زيارة دمشق لإيجاد حلول منطقية وعقلانية لأزمة اللاجئين تفتح باباً؛ البحث في ما يمكن فعله اقتصادياً مع إيران عشية رفع العقوبات عنها تفتح باباً ثالثاً؛ الاتفاق مع روسيا بشأن المرافئ اللبنانية، وخصوصاً في طرابلس وبيروت، تفتح باباً رابعاً.

الإنقاذ لا يحتاج إلى حكومة إنّما إلى إرادة. حكومة برئاسة الحريري يعني حكومة من دون إرادة، وهي ستزيد الأمور سوءاً وتغلق هذه الأبواب وغيرها.

غسان سعود

غسان سعود

كاتب وصحافي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى