مجتمع

كيف يرى اللّبنانيون جدارية المرفأ… طمس للجريمة أم ضغط لكشف القتلة؟

من ضمن الأعمال الفنية التي خلّدت وجع بيروت بعد انفجار 4 آب، تحتلّ جدارية مرفأ بيروت مكانًا مميزًا في قلوب الناس وعقولهم، علمًا أنّها كانت بمبادرة من الفنانة كارلا كرم، التي أرادت أن يعبّر الناس عن أوجاعهم من خلال الفن التشكيلي…

 

“أحوال” جال على حائط رصيف المرفأ، وعاين رسومات تدلّ على مدينة بيروت المنكوبة: السفن المحطمة في البحر، الاهراءات، برج الاطفاء… والشريط الشائك الذي يرمز إلى أن الحقيقة ما زالت غامضة… وكانت عبارات “فليكن 4 آب ذكرى حداد وطني” و”دَمّرتو بلدنا ومستقبل اولادنا” و”فرّقتنا السياسة وجَمعتنا المصيبة”   مرسومة باحترافية عالية على هذه الجدارية وتدلّ على “وَجع كتير كبير”، كما صرّحت الفنانة كارلا كرم لـ”أحوال”. وأضافت: “هذا العمل قمتُ به بجهدي الخاص، وكنت أبذل الكثير من الوقت والجهد كي تكون الجدارية رائعة، وأنسّق مع كل رسّام كيفية تنفيذ رسمته، وأسعى لأن تكون غير عنيفة أو مُنحازة، وفي نفس الوقت تُحاكي وجع الناس…”. وأوضحت أنّ “هناك فنانين أبدعوا بأعمالهم هذه الجدارية، وهم: صقر سلامة، ريتا نفاع، دانا صبحي، لين صقر، والخطاط روك غانم، أمّا الفنان الرئيسي لهذه الجدارية والمشرف والمنفذ في كل الرسمات فهو ماجد كرم”. وعن الكلفة المادية لهذا المشروع، قالت إنّ “جمعية “أديان” هي التي ساعدتنا مادياً”…

دُوّنَ اسم ابراهيم أبو قصبة في أوّل الجدارية من ناحية الكرنتينا، ثم أخذت أسماء الضحايا تَتإلى: جيسي قهوجي، عبد القادر بلوسو، جوزيف مرعي، علي مشيك… وخُتمت بإسم هادي حسن عسّاف.

وكان هناك الكثير من الناس يوقفون سياراتهم ويقضون أوقاتًا وهم يجولون بأنظارهم على الرسمات وأسماء الضحايا…

مصطفى بكري، الذي يشتغل في دكان لا يبتعد كثيرًا عن الجدارية، صَرّح: “كنت أتابع الرسامين من الأيام الأولى لبداية عملهم، وكانوا يشتغلون من السابعة صباحًا حتى آخر اللّيل، أحيانًا تحت المطر وأحيانًا في الشمس الحارقة، وكنت أمدّهم بالماء والمشروبات الغازية وأتفرّج عليهم وهم يُقبلون على عملهم بفرح لا محدود”.

جويل، التي أتت برفقة صديق من كندا يصوّر عملاً يريد أن يبرهن من خلاله أنّ انفجار 4 آب أثّر في حياة جزء من اللبنانيين الذين كانوا يسكنون في ضواحي بيروت ولم يهتمّ أحد فيهم، قالت: “أيُعقل أن يموت الناس ويخسروا بيوتهم وأرزاقهم ونبقى على الحالة نفسها؟! ما حدا تحاكَم ولا حدا تحاسَب… يجب أن يتغيّر هذا الأمر، كرمى للضحايا الذين قتلوا بإجرام فاضح”.

رياض البطل، والد الضحية حسام البطل، أوقف سيارته على أول الجدارية، وترجّل منها ووقف أمام اسم ابنه المرسوم، تأمّله لفترة كانت كافية بأن تنحدر دمعة من عينيه… وقال بحسرة: “أتمنى أن يصل التحقيق في هذه الجريمة إلى نتيجة تشفي غليلنا، ونحن أهالي الضحايا ندفع باتجاه ذلك، لعلّ الحقيقة “تبرّد قلوبنا”…

ثم أقبلَ أحد الشباب واسمه شاكر، وأخذ ينظر إلى الصور، وقال إنه “يفتّش عن صورة الأديب خازن شمس الدين، الذي استشهد في الانفجار، وهو والد صديقته، ويريد أن يأخذ بكاميرته صورًا له عن الجدارية، كي تضمّها ابنته، الموجودة حالياً في الكويت، إلى الألبوم الذي تجمعه عنه”.

وأوضح محمود حسين، من بيروت، أنه “يتأمّل دائمًا هذه الجدارية. ومع أنها جميلة لكنها لن تشكّل ضغطًا معنويًا لكي نعرف من فجّر المرفأ… يجب أن يكون هناك ضغط دولي للكشف عن هذه الجريمة”.

عسكريّ من بلدة برجا، أتى إلى المكان مع زوجته وأولاده الثلاثة، وظلوا طويلاً يتحسّرون على فقدان الشهداء، إلّا أنه رفض أن يقول شيئًا، مع أنّه على قرابة مع الضحية التي سقطت من برجا في انفجار المرفأ…

محمد من بيروت مرّ بجانب الجدارية، فاستهواه المنظر، فأوقف سيارته وأخذ يراقب الرسومات والألوان، وقال “إنّ هذا العمل المحترف هو تعبير راق من قبل أهالي الضحايا والرسّامين عن أحزانهم، لكنه لن يشكّل ضغطًا معنويًا على القضاء لكي يصرّح من فجّر المرفأ، حتى لو كان يعرف الفاعل… فالانفجار صنيعة دول وليس صنيعة أناس عاديين”…

فادي الحاج من طرابلس ويسكن في علما قضاء زغرتا، قال “إنّ هذه الجدارية رائعة، وهي أفضل من الزبالة التي كنّا نراها هنا… وأنا أتفاءل خيرًا بمستقبل الوطن عندما أقف وسط هذه الرسومات والصور، لأنّ لبنان هو وطن الفن والرسم والجمال”.

عمّار رحّال من الهرمل، قال: “هذه هي المرة الأولى التي أجيء فيها مع عائلتي لنتفرّج على هذه الجدارية… صور الضحايا تعانقت مع الرسومات الرائعة، وهذا فأل خير لربما يؤدي إلى الكشف عن مُرتكبي هذه الجريمة الشنعاء”…

 

مرّت 8 أشهر ولم يستطع أحد الكشف عن بصيص أمل “يُبَرّد” قلوب أهالي الضحايا… ولربما ستمرّ أشهر أخرى ويبقى الجواب ضائعًا في مَتاهات ومتاهات، لتتحوّل هذه الجدارية “للذكرى”، كما قالت الفنانة كارلا كرم، “كُتبت ورُسِمت من وَجع كل أم وأب وأخ وأخت… الكلّ يتجمّع هنا ويشاهد ما رُسم وكتب، لكنّ هذا الأمر لا يشكّل ضغطًا كافيًا لمعرفة الحقيقة. ولكن يجب أن يُترَك أثر لكل إنسان يمرّ من هذا المكان، فيعرف أن وجعا كبيرا حدث هناك”…

طوني طراد

 

طوني طراد

كاتب وصحافي لبناني. حائز على ماجستير في اللغة العربية من الجامعة اللبنانية. صدر له عدة دراسات سياسية وأدبية ابرزها كتاب "صورة المرأة في شعر ميشال طراد".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى