اقتصاد

الكابيتال كونترول… ضبط رأس المال المفقود

السلطة المالية تمنّن أصحاب الحقوق بحقوقهم، بعدما سرقت أموال البلد ونشّفت خزينة الدولة وبعدما هُرّبت الأموال في ليل ساطع الأنوار يأتي قانون “الكابيتال كونترول” في مسرحية ممثليها الرئيسيين السلطة السياسية المنقسمة على نفسها والملتحمة على الإبداع في تنكيل وذل الجمهور اللبناني العريض.

كابيتال رأس المال المفقود بات له قانون رقابي للكونترول، عَبَرَ مجهر لجنة “المال والموازنة” النيابية ليدخل في مشرحة المجلس النيابي. القانون المجهول المعلوم، الذي سلك طريقاً شاقة بعد أكثر من عام ونصف من انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 وبداية مسيرة الانهيار المالي. لم تتضح بنوده بعد، يتركه المشرّعون قيد الكتمان إلا ما تيسر من التسريبات يُصر رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان على إفقادها صحتها. ويلفت كنعان إلى أن أي صيغة تنشر ويتم تداولها ليست كاملة ولا نهائية، بانتظار طباعة التعديلات التي أُقرَّت في الجلسة النيابية، والتي سيتم إحالتها إلى رئاسة مجلس النواب في اليومين المقبلين.

تجميل الكابيتال كونترول، أي ضبط رأس المال، المتأخر زمنياً وعلمياً بعدما طارت معظم أموال اللبنانيين من شأنه تقييد التحويلات المالية إلى الخارج وتنظيم السحوبات بالليرة والدولار. يراه كنعان المتفنّن في تجميل السياسات المالية على طريق الانهيار الكبير، “أمراً دستورياً وحاجة وضرورة رغم انقضاء أكثر من تسعة عشر شهراً على بدء الأزمة لأنّ أيّ تشريع مهما تأخّر يبقى أفضل من الفوضى والاستنساب السائدين حالياً”.

البشرى التشريعية لضبط التلاعب بالنقد المالي الشحيح، ليس مفرحاً بالمعنى الحقيقي الذي يصطلح معه حال الاقتصاد اللبناني، وثغرته الأكبر هو غياب الأرقام الحقيقية لحجم الأموال التي لا تزال موجودة ولم تبدد مع الجرف الكبير للثروات اللبنانية. وحتى اللحظة لا يعلم أي من الجهات اللبنانية ولا واضعي القانون الرقابي ما الذي تمتلكه الخزينة لأن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الذي عمل على تعطيل إقرار القانون، لأنّه يُقوّض صلاحياته الواسعة ويحدّ من استنسابيته في التعامل مع المودعين حيث استفاد منها المحظيّون والسياسيون لتهريب أموالهم، فيما حُرِم المودعين الصغار من هذه “الحظوة”. وتعاميمه الأخيرة المتعلّقة بتوزيع 400 دولار طازجة على المودعين هي أيضًا خطوة في طريق عرقلة القانون. كما لم يُقدّم بيانات واضحة للكتلة النقدية المتوافرة والتي نجت من “أكبر عملية نصب في تاريخ البلاد” كما يصفه الإعلام العالمي ويُوارب في التسليم بها الحاكم بأمر المال اللبناني بإصراره على إعلان “الحفاظ على الأموال المؤتمن على إدارتها”.

شريك لجنة المال والموازنة ومنسّق السياسة المالية بالتآزر والتكافل مع سلامة وكنعان، وزير المالية الأسبق النائب علي حسن خليل أخذ على عاتقه الإعلان من مجلس النواب، أن لجنة المال انتهت من إقرار قانون الكابيتال كونترول، واعتبر أنه “على المصارف أن تلتزم بكل القوانين الصادرة لحماية حقوق المودعين وإلا ستُعاقب بالشطب”، معتبراً أن “المشروع الذي تم إنجازه ايجابي لحماية المودعين من خلال الكابيتال كونترول”. 

وبغياب الأرقام الواضحة وضعت لجنة المال والموازنة هوامش لتقييد الأموال اللبنانية بانتظار أن تُزوّد جمعية المصارف المجلس النيابي خلال جلسة المناقشة العامة للقانون، لإقرار القانون على مقتضاها.

الارقام التي حصلت عليها اللجنة شفهياً، إنْ من مندوبي “المركزي” الذين شاركوا في الاجتماعات، أو من بعض المعنيين، لا يمكن الركون إليها تشريعياً ما لم تكن موثقة بكتاب رسمي، يضاف اليها ما وصل الى اللجنة من المصارف والتي اعتبرها النواب متناقضة. لذا، ولئلا يتحقق الهدف الرامي الى نسف “الكابيتال كونترول” أو تجميده، إرتأت لجنة المال والموازنة عدم تحديد الأرقام والنسب بشكل حاسم واعطاء مهلة أخيرة لمصرف لبنان ليزوّد اللجنة الارقام قبل أن يُقر القانون في الهيئة العامة.

في بند السحوبات بالدولار التي أفتى بها الحاكم رياض سلامة، أشارت جمعية المصارف الى أن الكلفة الاجمالية لتمويل السحوبات النقدية تقدَّر بنحو 8.8 مليارات دولار وهو رقم كبير جداً، ثم عادت وخفّضته الى 6.13 مليارات دولار ومن ثم الى 4 مليارات دولار وأخيراً الى 2.4 ملياري دولار في حال خفض المبلغ الى 400 دولار شهريًا. هذه التقديرات المتناقضة أثارت حفيظة بعض نواب البرلمان فيما هلّل لها البعض الآخر، في تماهي غير مفهوم مع سياسة حاكم المركزي. 

القانون السائر نحو التشريع، ينص بحسب التسريبات على منع التحاويل إلى الخارج مهما كانت طبيعة الحساب ونوعه، ويستثني: 

– ما له الصفة الدائمة: حسابات المؤسسات المالية الدولية، والمنظمات الدولية والإقليمية والسفارات الأجنبية، والأموال الجديدة التي أدخلت إلى المصارف ولم تكن قد حولت إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019.

– ما له الصفة الطارئة والمشروطة: كنفقات التعليم الجامعي، والضرائب والرسوم والالتزامات المالية المتوجبة لسلطات رسمية أجنبية والمنوطة حصرًا بالأصول الشخصية السكنية ولبس الاستثمارية، ونفقات الاشتراكات والتطبيقات على الإنترنت، ضمن حد أعلى 50 ألف دولار أميركي وأدنى 25 ألف دولار والحسم النهائي للهيئة العامة بعد استلام المعطيات المالية الرقمية من مصرف لبنان.  

بالنسبة للسحوبات الداخلية يُجيز القانون: 1- بالليرة اللبنانية مبلغ 20 مليون ليرة لبنانية شهرياً (لا تشمل السحب من حساب الرواتب والأجور)، أو مبلغ 15 مليون ليرة لبنانية شهرياً، والقرار متروك للهيئة العامة لتحديد السقف.

2-بالعملة الأجنبية ما بين 400 و800 دولار على أن يحسم السقف في الهيئة العامة بعد الحصول على الارقام الرسمية من مصرف لبنان قبل الجلسة التشريعية.

وفي مادته الثالثة، يمنع تحويل الحسابات من الليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية إلا إذا كانت التغطية النقدية الكافية متوفرة لدى المصرف المعني.

الحد من الاستنساب، بحسب القانون، يتم وفق معايير محددة: إنشاء وحدة لمركزية التحاويل، وضع آلية للبت بالطلبات، وتحديد مرجعية إدارية للتظلم، تحديد العقوبات التي تفرض بحق المصرف المخالف وسندها القانوني، تحديد مرجعية فرض العقوبات مع تحديد مهلة للبت، التأكيد على حق المراجعة القضائية.

بالأرقام، الكابيتال كونترول يجيز السحوبات في الداخل بالليرة اللبنانية مبلغًا بين 15 و20 مليون ليرة (لا تشمل السحب من حساب الرواتب والأجور)، والقرار متروك للهيئة العامّة لتحديد السقف.

وبحسب نص القانون المسرّب، فإن أي تشريع للكابيتال كونترول يجب أن يكون مؤقتاً واستثنائياً ولذلك نص اقتراح القانون على أن مدة العمل به هي سنة قابلة للتخفيض بتدبير حكومي إذا زالت الظروف التي استدعت إصداره.

بانتظار تعميم مصرف لبنان فإن القانون لا قيمة له و”مكانك راوح”. لكن عضو لجنة المال النائب ياسين جابر يلفت إلى إيجابية في هذا المجال وهي “إعلان جمعية المصارف إستعدادها والتزامها بتنفيذ ما يصدر من تعاميم عن مصرف لبنان سيّما وأن الصيغة التي يجرى الحديث عنها سوف تكلف حوالى 3 مليارات دولار على مدى سنة ستدفع مناصفة بين مصرف لبنان (الإحتياطي) والمصارف (المصارف المراسلة). كما يشير لـ”أحوال”.

في تشريح للخطوة التشريعية لعدد من الخبراء، فإن قانون الكابيتال كونترول، لا نفع له في ظل عدم وجود حكومة، وخطة مالية للإنقاذ وأرقام واضحة. ومن البديهي للبعض أن القانون يجب أن يترافق أقله مع خطة حول كيفية استرداد الأموال المنهوبة والمحولة بشكل غير قانوني، محاكمة المخالفين وإعادة تنظيم القطاع المصرفي.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى