منوعات

بارود لـ”أحوال”: الاستقالات لا تحلُّ المجلس.. والمخرج سياسي  

تكثر في هذه الفترة الطروحات حول إمكانية الاستقالة من المجلس النيابي في محاولة لكسر المراوحة القاتلة الحاصلة على صعيد تشكيل الحكومة التي لا يبدو أنّ مخرجها قريب المنال.

وبينما كان “تيار المستقبل” أوّل من سرّب مثل تلك التهديدات في محاولة للضغط على العهد لتشكيل الحكومة كونه الاكثر حاجة لها مع استنزافه المستمر من الأزمة، قابل “التيار الوطني الحر” ذلك بتهديدات مماثلة ضاهى صداها الدعوات “المستقبلية”.

حتى اللّحظة، لم تشارف كل تلك الدعوات على التنفيذ لكن مطلقيها ما زالوا يرفعون عناوينها، والواقع أنّ ذلك يُفسّر في السياسة أكثر منه في الدستور، ولو أنّه إذا كانت الاستقالات ستحقق الخرق المطلوب عبر انتخابات مبكرة فهذا أمر جيّد ولو كان باعث الأمر سياسيًا أكثر منه دستوريًا.

لكن مقاربة يقدمها الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي زياد بارود لـ”أحوال”، تلفت النظر إلى ان لا نص في الدستور يتعلق باعتبار مجلس النواب منحلًا اذا فقد عددا معيّنا من اعضائه.

قد يفاجِىء هذا القول كثيرين خاصة وان ثمة نص مقابل يتعلق هذه المرة بالحكومة ويعتبرها مستقيلة إذا استقال عدد من أعضائها بحسب المادة 69 وذلك اذا فقدت اكثر من ثلث اعضائها، وهو ما يفسر كثرة الحديث والنزاع حول مسألة الثلث المعطل.

والحال انه على صعيد المجلس النيابي هناك نصّ في المادة 41 التي تعالج موضوع الشغور في أي مقعد نيابي يفرض إجراء انتخابات فرعية، حسب بارود الذي يشير إلى أنّ عدد المستقيلين غير مهم هنا ويجب أن يُصار إلى انتخاب الخلف للمستقيل في مدّة شهرين وهي انتخابات قد تستغرق مقاعد غير محدّدة وحتى كاملها.

ويلفت النظر إلى أنّ المادة 41 جاءت بصيغة الوجوب وليس بصيغة الجواز أو الإمكانية بل هذا واجب دستوري وأي تأخير يمثل مخالفة دستورية واضحة جدًا ولطالما حصلت في السابق.

صحيح أنّ المجلس بافتقاده النصف زائد واحد من مقاعده يصبح غير قادر على عقد نصاب، لكن هذا الأمر لا يؤدي إلى اعتبار المجلس منحلًا بسبب عدم وجود نص لذلك، وهذه ثغرة ليس فقط في الطائف بل في الدستور منذ العام 1926. وهي تنضم إلى غيرها من ثغرات الطائف الذي يبدو أنّ بعض مواده طبخت على عجل أو أنّها سَهت عن بال المشرعين.

وفي هذا الموضوع تصبح حتى استقالة الثلث زائد واحد معطّلة للمجلس لأنّ بعض الأمور فيه بحسب الدستور تحتاج إلى أكثرية الثلثين ومثال على ذلك المادة 49 التي تقول بانتخاب رئيس الجمهورية في دورته الأولى بأكثرية ثلثي المجلس، وإذا لم تؤمن لا ينعقد وبالتالي إذا افتقد الثلث زائد واحد تعطل جزء من عمل المجلس، كما أنّ تعديل الدستور يتطلب ثلثين إاذا افتقد الثلث زائد واحد تعطل هذا التعديل، وهناك امثلة اخرى ايضا، كما يقول بارود.

سؤال الميثاقية؟

 لكن ماذا لو استقال النواب المسيحيون، هل يكمل المجلس عمله في شكل طبيعي؟

الواقع ان المسألة الميثاقية تمثل عرفًا لكنه يحضر بقوة ويصل إلى مصاف العرف الدستوري كون موضوع الميثاقية موجود في مقدمة الدستور حيث لا شرعية لأية سلطة تناقض صيغة العيش المشترك، وهذه العبارة هي التي تحمي الميثاقية والتي يتمسك بها البعض للقول إنه اذا فقد المجلس مكونا منه يصبح معه صعبا بالفعل على المجلس ان يجتمع. وهذا ينطبق على الحكومات ومنها على سبيل المثال فترة الاشتباك السياسي مع استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والتي دعت للمرة الاولى إلى كلام جديّ عن الميثاقية على مستوى مجلس الوزراء.

والأمر ممكن ان يُطرح في مجلس النواب اذا ذهبت البلاد فعلا إلى استقالات بهذا الحجم، وبذلك يصبح على المجلس تعديل مادة وحدة تتعلق بولايته لتقصيرها واجراء الانتخابات المبكرة. والعامل هنا سيتعلق بحجم المستقيلين وهوياتهم وهو سياسي في الدرجة الاولى، فمثلا اذا استقال نواب تكتلي “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية” سيبقى عدد قليل من النواب المسيحيين في المجلس وسط سؤال حول قدرتهم على التأثير على الحياة العامة والرأي العام.

 

أوراق عون وباسيل

على أنه من غير المعروف اليوم ما هي مآلات الاستقالة اذا اقدم عليها النواب الموالون للعهد وما اذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون لديه أوراقا ليلعبها في وجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.

وبعد ان خاطب رئيس الجمهورية المجلس النيابي في رسالته التي أزّمت الامور اكثر من قبل، يتوعد من هم في بيئته بأوراق أخرى، لكن لأسف عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فإن خياراتهما محدودة وهي تتسيّل سياسيا وليس عبر الدستور الذي حدّ إلى درجة كبيرة من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الطائف.

وللمفارقة فإن عون نفسه هو من كان محط استهداف المشرعين في الطائف العام 1989 الذين تلقوا هناك نبأ حلّ مجلسهم من قبل عون رئيس الحكومة العسكرية حينها، فكان هاجسهم تعطيل قدرة الرئاسة على الفعل وهو ما توصلوا إليه فعلًا..

ولعل عون بات يفتقر فعلا إلى ما يمكِّنه من اكتساب المبادرة في المراوحة القاتلة اليوم. وبعد ان كان رئيس الجمهورية يختار رئيس الحكومة والوزراء قبل الطائف، باتت الآلية الدستورية المعتمدة تفرض عليه بحسب المادة 53 والفقرة الرابعة، اتفاقه ورئيس الحكومة على هذا الموضوع، وخارج هذا الاتفاق السياسي لا يصدر مرسوم تشكيل الحكومة كونه يحمل توقيع الرئيسين، وبالتالي لا يستطيع احدهما ان يتفرد في التشكيل من دون الآخر، وبالتالي فمحكوم عليهما ان يتفقا ولا مفر من ذلك.

لا يستطيع رئيس الجمهورية فرض تشكيلة ما على رئيس الحكومة، لذا فالتشكيل مشترك في الاتجاهين خاصة وان رئيس الحكومة لا مدة لديه في تقديم التشكيل وهذه ثغرة كبيرة في الطائف قد يكون المشرعون غضوا النظر عنها عمدًا.

وفي رسالته إلى المجلس النيابي، حاول رئيس الجمهورية تحريك الجمود “عن حسن نية” كما يشير بارود، لكنها لم تؤد إلى تحريك هذا الجمود وتم الرد عليها بالسياسة، واذا كان المجلس سمى رئيس الحكومة، فإنه اليوم لا يستطيع سحبها.

والخبير الدستوري يؤكد مرارًا انه مهما استُعملت وسائل دستورية ففي النهاية التسوية ستكون سياسية، وهو يقر كون الدستور اللبناني فيه الكثير من الثغرات ولا بد من معالجتها لكن ليس الآن في هذا الظرف.

ولعل الحل كما يراه العهد وبيئته الذين يرفضون حتى اللحظة الحريري، بأن يعتذر الأخير عن تكليف الحكومة، لكنها صلاحية يحتفظ بها وتقع في اطار حريته، واذا لم يرد ذلك فهو يستطيع الاستمرار في عملية التكليف إلى ما شاء الله!

 

عمّار نعمة

 

 

 

 

عمار نعمة

كاتب سياسي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى