رياضة

الهومنمن: مسيرة متنوعة وتحولات دراماتيكية.. ونجومه علامة فارقة في المنتخب

العلاقة مع الاتحاد: مد وجزر ودلال وعقوبات

صودف في شهر كانون الثاني/يناير الفائت ذكرى مرور 100 عام على تأسيس نادي الهومنمن الذي يُعد من واحدًا من أقدم وأعرق الفرق اللبنانية التي ما زالت مستمرة في نشاطها حتى يومنا، إذ أن هناك نوادٍ لم تعد موجودة أمثال السكة الحديد والنهضة وحلمي سبور وغيرها، ولكن اليوم هبط الفريق إلى مصاف الدرجة الثالثة بعد سقوطه للدرجة الثانية للمرة الأولى في تاريخه موسم 2001 – 2002 قبل أن يعود إلى مكانه الطبيعي في الموسم التالي، ثم عاد ليهبط مجددًا في مشهد دراماتيكي متقلب.

أُسس نادي الهومنمن في ٢٧ كانون الثاني/يناير 1921، وذلك بعد مجازر مدينة عينتاب التركية حين تقاطر الأرمن إلى مدينة حلب هربًا من بطش العثمانيين، فاقترح كل من فاهريج كبوكجيان وهاروتيون مومجيان وهوسيب قصارجيان تأسيس جمعية رياضية شبابية تلم شمل اليتامى والمشردين والنازحين الأرمن القادمين من تركيا، بعدها أطلقوا فريقًا لكرة القدم عُرف بإسم “أرارات” نسبة إلى الجبل الشهير، كما كان للأرمن فريق كروي في مدينة دمشق يسمى “دالفوريغ” وكان الفريقان يتزاوران ويلتقيان وديا كلما سمحت الظروف للم شمل الجماهير الأرمنية.

ولاحقًا، تم إطلاق جمعية هومنمن الرياضية وانتقل الفريق إلى لبنان عام 1924، متخذًا من منطقة النهر مقرًا له واعتمد ملعب “سحاقيان” ميدانا له. ولم يقتصر نشاطه على كرة القدم، بل ارتفع تباعًا ليشمل كرة السلة والدراجات وكرة الطاولة والترياتلون والفرق الكشفية.

التشكيلة الأولى للفريق عام 1921

وكان الهومنمن أحد المساهمين في تأسيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم عام 1933، وبهذا نلحظ أن الفريق مرّ بفترة تحولات سريعة مهدت فيما بعد إلى استقرار وثبات منطلقًا نحو المنافسة الجدية في ملاعب كرة القدم وحاصدًا الألقاب.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن للفريق عدة فروع في بيروت وجونية وانطلياس وسن الفيل وبرج حمود والروضة وزحلة، بالإضافة إلى فروع خارجية موزعة بين حلب ودمشق والكويت ومصر وساحل العاج وإنكلترا والأرجنتين وأوروغواي وكندا وأرمينيا والولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا، ويتخذ حاليًا من شارع البدوي في منطقة النهر مقرًا له، ولكن خزائنه باتت فارغة من الكؤوس والدروع إذ تعرض المقر إلى السرقة والحرق إبان الحرب الأهلية على أيدي عناصر حزبية نافذة، كما تضرر في العام الماضي من إنفجار المرفأ في الرابع من آب/اغسطس.

ألقاب ونجوم

أحرز فريق الهومنمن لقب بطولة الدوري العام 4 مرات في تاريخه، وذلك في أعوام 1945 و1954 و1957 و1961 ولم يحالفه الحظ في انتزاع لقب الكأس واكتفى بالوصافة 4 مرات أعوام 1993 و94 و98 و99، وأحرز كأس النخبة عام 99 وكأس دورة الإمام موسى الصدر في العام عينه، وحل وصيفا لبطل الكأس السوبر أيضًا عام 1999.

بطل الدوري لأول مرة 1945

كما لعب فريق الهومنمن أمام فرق عربية وعالمية، وأبرزها حين استقبل هايدوك سبليت اليوغوسلافي على ملعبه يوم 24 أيار/مايو 1945، وزار القاهرة عام 1969 ولعب أمام الأهلي والزمالك، إضافة إلى رحلات متعددة إلى أرمينيا واستقبال فرقها بشكل دوري. ومثّل لبنان في مسابقة كأس الكؤوس الآسيوية عام 1995، وفاز على الوحدة البحريني 2-1 في الدور الأول ثم خرج على يد الرياض السعودي في الدور الثاني بمجموع المباراتين 5-0. وفي عام 1999، خانه الحظ أمام الاستقلال الإيراني في الدور الأول ولعب بغياب بعض لاعبيه، فسقط في مباراتي الذهاب والإياب بنتيجتين كبيرتين 7-0 و8-0.

ومن أبرز الأسماء التي تركت بصمات واضحة في مسيرة الفريق والمنتخب الوطني، يبرز بداية إسم مارديك الذي ظهر في الستينات وكان يلقب “بوشكاش لبنان” تيمنًا باللاعب المجري الشهير.

وتعود أحداث القصة إلى زيارة منتخب المجر وصيف كأس العالم 1954 إلى بيروت واللعب أمام لبنان على الملعب البلدي في شباط/فبراير 1956، ويومها سجل مارديروس تشاباريان “مارديك” هدفًا ولا أجمل بعد فاصل من المراوغة رغم الخسارة 1-4، إلا أن بوشكاش تقدم من مارديك وصفق له إعجابًا، مؤكدًا أنه قادر على اللعب في أوروبا بسهولة نظرًا لفنياته العالية، وبعدها أطلقت عليه الصحافة اللبنانية هذا اللقب.

الحارس بديك يتصدى لكرة زملكاوية سابحا عام 1969 في القاهرة

ومن أبرز الأسماء أيضًا الحارس بديك بوياجيان الذي تميز بقبعته التي تشبه قبعة “المفتش البوليسي”، وأيضاً نذكر سميك بنليان وهوسيب هوساميان “جوكي” وسميك بتشكجيان وغولابي جنجيان وبورولوس وأفاديس، وصولاً إلى تشكيلة ذهبية ثانية برزت في التسعينات.

ومن أبرز النجوم يومها، صانع الألعاب بابكين ميليكيان الذي يعتبر واحدًا من أبرز الأجانب الذين مروا في الملاعب المحلية على الإطلاق، قبل أن يتم منحه الجنسية اللبنانية للدفاع عن ألوان المنتخب.

على المدينة الرياضية عام 1969 وبدا النجم مارديك الرابع من اليمين وقوفا

ولمعت أسماء أخرى مثل أحمد صقر وكوركين ينكيبيريان وكيفورك قره بتيان وريمون نجم وفيتالي أغاسيان وأرمين اكديبشيان (توفي عام 2019 في أرمينيا عن عمر ناهز 46 عاما) وساكو عبجيان،ومن أبرز الأجانب السوريين عبد اللطيف الحلو وسمير البكري.

أول تشكيلة

حمل هاروتيون مومجيان المؤسس واللاعب شارة القيادة في أول ظهور للفريق عام 1921، إلى جانب بعض اللاعبين الذين وردت أسماؤهم في الكتاب التاريخي للنادي، وهم الحارس هوسيب سارابونيان واللاعبون أوهانس وغارابيك قصارجيان وهاغوب غيربويان ويرفانت كوزوكيان وكيفورك نازاريان وكريكور دمرجيان.

الهداف فيتالي أغاسيان في لقاء الوحدة البحريني عام 1995

الرئيس رافي ماليان

توجهنا إلى رئيس النادي الحالي، رافي ماليان، بالسؤال الذي يطرح نفسه حول أسباب تقهقر فريق الهومنمن إلى الدرجات الدنيا، فأجاب: “بسبب الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الصعبة في لبنان التي بدأت فعليًا منذ سنوات عديدة، وكان هناك طرحين مختلفين داخل حزب “هنشاك” الداعم الأول للفريق، الطرح الأول هل يتم دعم الفريق وكل الجمعيات الرياضية بميزانية سنوية جيدة أو تكون الأولوية لدعم الجمعيات الخيرية الأرمنية ومساعدة المحتاجين ودعم المدارس والمؤسسات الفاعلة؟، فكان الخيار هو التركيز على المؤسسات والمحتاجين ومساعدة الشباب والعائلات الأرمنية وتخفيض ميزانية فريق كرة القدم وباقي الفاعليات الرياضية، وهذا قرار صائب وحكيم برأيي في ظل ما نعيشه من ضائقة اقتصادية خانقة، أضف إلى ذلك الهجرة المتزايدة في صفوف شباب الأرمن بحثًا عن فرص عمل وتعليم أفضل خارج لبنان”.

وأضاف ماليان في حديثه لموقع “أحوال”: “نحن اليوم على بعد مسافة من العودة إلى الدرجة الثانية، وفي حال نجاحنا في مبتغانا نأمل بأن نثبت في موقعنا في الموسم المقبل، وهذا برأيي أمر جيد في ظل الإمكانات المتواضعة المتاحة في هذا الموسم، وكل الشكر للإدارة والجهاز الفني واللاعبين على ما يبذلونه”.

ميساك “الرجل القوي”

من ناحيته، قال الرئيس الحالي للجنة العليا العالمية للهومنمن، ورئيس النادي وأمين سره السابق ميساك نجاريان الذي كان يُعتبر “الرجل القوي” في النادي لموقعنا: “تسلمت أمانة السر وكنت لا أزال يافعًا، وذلك عقب التحاق الهومنمن بالاتحاد “الشرعي” الذي كان يرأسه الدكتور نبيل الراعي ويدير أمانته العامة رهيف علامة عام 1990، لأن فترة الحرب الأهلية كنا نشارك في بطولة “المنطقة الشرقية” نظراً لوجود خطوط التماس، للأسف، ومن أول مشاركة حديثة كنا مهددين بالسقوط إلى الدرجة الثانية، ولكننا تغلبنا على الشبيبة المزرعة في مباراة فاصلة وبقينا في الموقع الطبيعي”.

بابكين ميليكيان (20) من أبرز نجوم الفريق والمنتخب

وتابع: “من هنا، كان لا بد من اتخاذ قرار سريع وحاسم لتدعيم الفريق والحفاظ على إسمه وعراقته، فكان رأي الإدارة مجتمعة بأن أسافر إلى أرمينيا بحثاً عن لاعبين مميزين. وبالفعل غادرت من أجل جمع التبرعات والدعم المالي أولًا ولاستقدام اللاعبين، ونجحت في إقناع بابكين ميليكيان لاعب أرارات ومنتخب الاتحاد السوفياتي -وإن كان لا يشارك كثيراً في المباريات الدولية- بالحضور إلى لبنان، فوافق واقترح أن يحضر معه اللاعب آرا ايفازيان ولكن للأسف الأخير لم يشارك إلا في عدد قليل من المباريات بعد تعرضه للإصابة، كذلك نجحت في جلب المدرب الفذ تسوريك برسخيان الذي يمتلك شخصية قوية في الملعب”.

وأردف نجاريان: “كانت علاقتي ممتازة آنذاك مع أعضاء الاتحاد اللبناني للعبة، وعلى رأسهم رهيف علامة الذي أعتبره “علامة مضيئة” في تاريخ اللعبة. ولاحقا، أطلقوا علي لقب “الفتى المدلل للاتحاد”، وكذلك مع عضو الاتحاد زيد خيامي الذي أصبح في ما بعد مديرًا عامًا لوزارة الشباب والرياضة فساعدني يومها باستقدام الحارس أحمد صقر من هدى الرسالة البعلبكي”.

وتابع: “إلى جانب ذلك، اعتمدنا على مدرسة النادي التي رفدت الفريق الأول بالعديد من اللاعبين أمثال دوري زخور وكارلو وحسن فرحات وسواهم، وبعدها استفدنا من قانون التجنيس واستقدمنا كيفورك وكوركين وأرمين وفيتالي وفيكين ابراهميان، والأخيران لم يستفيدا من المرسوم بسبب نقص في أوراقهما الرسمية. وأيضًا لا يمكن نسيان المدرب أرغاتي انترياسيان، ولاحقًا الصربي ايفان فيتانوفيتش والأرميني فاروجيان سوكياسيان”.

لقاء “الدربي” أمام الهومنتمن ذو نكهة مميزة دوما

وأضاف: “في عام 1995، ساءت العلاقة بين الهومنمن والاتحاد وتحديدًا مع الأمين العام رهيف علامة الذي أصدر قانونا يقضي بالسماح لإشراك لاعبين مجنسين فقط، فواجهته بالقول إنك تسمح للمجنسين الخمسة من فريقي باللعب مع المنتخب الوطني، فإذا هم لبنانيون يدافعون عن ألوان العلم اللبناني، ولماذا في الوقت عينه لا تسمح لهم بالمشاركة مع الفريق كلبنانيين؟!؛ ولاحقًا تم صدور قرار اتحادي بوقف لاعبنا الدولي كيفورك قره بتيان 3 سنوات، وهذا أيضاً قرار مجحف وقاس جداً، وعندها أدركت أن في الأمر شيء ما يحضر وراء الكواليس للنادي، ورغم كل ما حصل في الماضي أشدد على أن علاقتي طيبة حتى الآن مع علامة”.

وختم نجاريان كلامه لموقعنا: “بعد هذه الأحداث المتسارعة وعلى مدى السنوات القليلة اللاحقة، ارتأت الإدارة في الجمعية العمومية بتخفيض الميزانية التي كانت تصل لقرابة 200 ألف دولار سنويًا إلى أقل من النصف، وكانت الآراء مجتمعة تعلن (إذا كان الفريق لا يمكنه إحراز اللقب أو عليه “فيتو” فلنخفض الميزانية ونجعل هدفنا البقاء في الدرجة الأولى والحفاظ على إسم النادي)، ثم بدأت الأحداث تتوالى وقمنا ببيع أبرز لاعبينا حتى تقهقرنا إلى الدرجة الثانية”.

سامر الحلبي

سامر الحلبي

صحافي لبناني يختص بالشأن الرياضي. عمل في العديد من الصحف والقنوات اللبنانية والعربية وفي موقع "الجزيرة الرياضية" في قطر، ومسؤولاً للقسم الرياضي في جريدتي "الصوت" و"الصباح" الكويتيتين، ومراسلاً لمجلة "دون بالون" الإسبانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى