منوعات

على ماذا يتعاركون ولم يتبقّ شيءٌ أصلاً؟

بعد تأكيد الرئيس نبيه بري في خطاب 25 أيار أنّ المشكلة الحكومية هي داخلية وحتى شخصية، لاقاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في موقف مشابه ومتكرر ينطوي على “لبننة” كاملة للأزمة والحل، إذ جزم في خطابه الأخير بأن أسباب المأزق الحكومي هي محلية محض، وبالتالي اقترح وصفة “بلدية” للمعالجة قوامها تلاقي الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري حتى يتفاهما او الاستعانة بال”صديق” بري للتدخل لدى طرفي النزاع من أجل إيجاد تسوية ما.

والمفارقة هنا، أنّ الطرف المتهم من قبل خصومه بأنّه ينتظر تطورات الخارج، وتحديدا ما ستؤول اليه المفاوضات الإيرانية- الأميركية حتى يبني على الشيء مقتضاه ويفرج عن الحكومة، هو نفسه الأكثر اقتناعا منذ البداية بأن جوهر الخلاف داخلي بحت، وليست له علاقة لا بمفاوضات النووي ولا بفيتو أميركي او اوروبي مفترض على اي شكل من أشكال تمثيل الحزب في الحكومة المقبلة.

ويلفت مصدر مطلع على تعقيدات المفاوضات حول التشكيل الى ان بعض خصوم حزب الله في الساحة اللبنانية يظهرون احيانا ملكيين اكثر من الملك، بمعنى انهم هم الذين يتمنون إقصاء الحزب وعزله، ثم يوحون بأن هذه الأمنيات هي وقائع اقليمية ودولية، في حين ان الامور لا تكون على هذا النحو بتاتا.

ويشير المصدر الى ان الحسابات المحلية المتعلقة بالتوازنات والاحجام هي التي تؤخر ولادة الحكومة بالدرجة الأولى، مستغربا الاصرار على إعتماد هذا النوع من المقاربات التقليدية والذي لم يعد نافعا ولا جائزا بعد الانهيار الاقتصادي ووصول الدولة الى ما يشبه الإفلاس، متسائلاً: على ماذا يتنازعون اصلا؟ هل بقي شيء لكي يتعاركوا عليه؟

ويعتبر المصدر إياه أن مشكلة بعض اللبنانيين انما تكمن في ظنهم بانهم محور الكون وبأن الأرض تدور حولهم، بينما الحقيقة هي انه لا مكان لهم في حسابات الدول الا بمقدار ما يخدمون مصالحها.

ويشدد المصدر على أن هذا الجزء من القوى الداخلية مُطالَب بان يستعيد ثقته في نفسه ويقتنع ان بمقدور اللبنانيين اجتراح الحلول لأزماتهم اذا أمتلكوا الارادة المطلوبة، داعيا الى الكف عن اجترار الانتظار الذي لا ينتهي للخارج، “إذ مرة يربطون الحكومة بالانتخابات الأميركية ومرة أخرى بمفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي، ثم بالمفاوضات بين الرياض وطهران، والآن بالانتخابات الإيرانية، بينما الحل موجود في بيروت، والوصول اليه يتطلب تبادل التنازلات ليس إلا.”

لكن المقتنعون بأنّ مفاتيح ابواب الحل والربط غير موجودة في لبنان، يصرّون على أن ولادة الحكومة تحتاج أولاً الى ضوء أخضر خارجي، “لأن كل طرف لديه تحالفاته وارتباطاته الخارجية التي لا يمكن تجاهل تأثيرها على ساحة لبنانية هشة ومفككة، تقع بموجب تضاريس الجغرافيا السياسية على خط تماس إقليمي- دولي.”

ويتساءل اصحاب هذا الرأي: اذا لم تكن “مصارين” الحكومة الجديدة عابرة للحدود فكيف يمكن تفسير أنّ مبادرة الإنقاذ التأسيسية هي فرنسية وأنّ موسكو لا تكاد تودّع شخصية لبنانية حتى تستقبل أخرى، وأنّ الرئيس المكلف سعد الحريري يمضي اغلب وقته متنقلاً بين هذه العاصمة وتلك من دون أن يوفّر حتى زيارة الفاتيكان، وأنّ السعودية غير راضية عن تكليفه وأنّ الأميركيين حاضرون بموفديهم وسفيرتهم وأنّ الأوروييين يلوحون تارة بالجزرة وطوراً بالعصا.

وحدها التطورات المقبلة ستُبين ما اذا كان المأزق الحالي وعلاجه المفترض هما صناعة وطنية حقاً أم بضاعة مستوردة كما غيرها من “السلع” السياسية؟

 

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى