صحة

صيدليات لبنان مهدّدة بالإقفال خلال شهرين

أصبحت قصة الدواء والحليب في لبنان كقصة إبريق الزّيت، لا تكاد تُحلّ حتى تعود لتطفو من جديد على واجهة الأزمات التي يواجهها اللبنانيون. وإن كان يُمكن السّكوت أو الصّبر على غلاء أسعار بعض السّلع أو حتى فقدانها، إلا أن مجرّد الحديث عن شحّ في الدّواء يُعدّ جرس إنذار  لخطر يدّق باب صحّة كلّ لبناني.

“عندك حليب؟”… “مقطوع”

عادت أزمة انقطاع الدّواء وحليب الأطفال لتظهر من جديد مع حديث حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن توجّه المركزي إلى رفع الدّعم عن السّلع أواخر الشّهر الجاري.

قصّة “أحمد.ن” كما يرويها لـ “أحوال” واحدة من قصص أباء كثر، يتنقلون من صيدلية إلى أخرى بحثاً عن علبة حليب لأطفالهم ولكن دون جدوى. فسؤال “عندك حليب؟” لا يغيب عن ألسنة الأهالي وجواب الصيدليات بمعظمها واحد:”مقطوع”.

يقول أحمد إنه يقف اليوم عاجزاً أمام خيارين مرّين، إما تبديل الحليب لطفله الذي يبلغ من العمر سنة ونصف السّنة بنوع آخر، “نيدو” مثلاً؛ رغم أن هذا النّوع سبّب مشاكل للطفل، وإما التوقّف عن إعطاء ابنه الحليب كلياً.

منذ نحو ستة أشهر، والصّيدليات تعاني من شحّ هذه السّلعة، حتى وصلت اليوم إلى شبه انقطاع بالكامل.

تتعدّد أسباب فقدان هذه المادّة، ولكنّ السّبب الأبرز بحسب ما يتم التّداول به يعود إلى عدم فتح مصرف لبنان الاعتمادات وتأخر  المعاملات. ويشمل ذلك فئتي حليب الأطفال من عمر “صفر سنة” إلى سنة (تخضع الفئة الأولى لنفس شروط الدّواء ويجري استيرادها مع الأدوية، وبالتالي وزارة الصّحة تكون المسؤولة عنها)؛ ومن عمر سنة إلى 3 سنوات، وهذه الفئة مفقودة حالياً بالكامل (تخضع لوزارة الاقتصاد)؛ بحسب ما يشير الصّيدلي حسين حسن لـ”أحوال”، ويلفت إلى أن المستوردين يسلّمون الصّيدليات بالقطّارة “علبة واحدة أو علبتين بالشهر”.

 

تلويح “المركزي” برفع الدعم يُفقد الأدوية

لا تتوقّف أزمة المواطن عند فقدان حليب الأطفال، بل تتعدّاه إلى فقدان الكثير من الأدوية ما يضع القطاع الدّوائي والأمن الصّحي في دائرة الخطر.

“الأدوية موجودة وبكمّيات كبيرة في مستودعات الشّركات المستوردة، والأخيرة تنتظر رفع الدّعم حتى تسلّم الأدوية على السّعر الجديد. “هم يراهنون على الوقت ووزارة الصّحة والمسؤولون يتفرّجون”. بهذه الجملة يختصر حسن الوضع، مشيراً إلى أن الكثير من الصّيدليات فُقد فيها الكثير من الأدوية وباتت “أشبه بدكّان لبيع الشامبو ومواد التجميل وغيرها”. ويلفت إلى أنهم يتسلمون الأدوية كما حليب الأطفال بالقطارة، وفي بعض الأحيان لا يحصل الصّيدلي على أكثر من علبة او إثنتين من دواء معيّن.

ومن الأدوية المفقودة أو شبه المفقودة تلك المتعلّقة بالقلب والشرايين والضّغط والكوليسترول والسّكري. نذكر منها على سبيل المثال، إبر “dexamethasone”  لمعالجة الالتهابات وكورونا، دواء “كولشيسين” لمعالجة تليّف الكبد وحمى البحر المتوسط، أدوية betaserc    للدّوار والأذن والغثيان  وconcor و co-diovanو coaprovel و cynt وaprovax300/5 للضغط،  و vastrel35 للشرايين وplavix للجلطات وlovenox مسيّل للدّم.

“تعطّل السيستم” حجّة الشركات لعدم تسليم الدّواء

ویشیر حسن إلى أن الشركات المستوردة بعدما كانت تتحجّج في السّابق بتأخر معاملاتها في مصرف لبنان، باتت تعتمد حجّة جديدة وهي تَعطُّل “السيستم” لتجميد طلبيات الصّيادلة وعدم تسليمهم الأدوية. ويطلق حسن صرخة يحذّر فيها من الخطر القادم إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه، مؤكّداً أن أهم الصّيدليات لن تستطيع الصّمود أكثر من شهرين، لافتاً إلى توجّه العديد من الصّيدليات إلى تخفيف ساعات العمل والإقفال أيام الآحاد.

هذا الأمر يؤكّده أيضاً نائب نقيب الصيادلة السابق د. علي صفا،  الذي يشير  لـ”أحوال” إلى أنهم تبلّغوا من الوكلاء التوقّف عن تسليم الدواء، لافتاً إلى أن شركات الاستيراد تعمد إلى رفض طلبيات الصيدليات حتى بعد “فوترتها” بحجّة تَعطُّل “السيستم”. وبحسب ما يشرح صفا، فإنّ طلبية الدواء تمرّ بثلاث مراحل، الفوترة ثم التحضير والشحن، وتحتاج ما بين 4 إلى 5 أيام لتصل إلى الصيدلية. وفي هذا الإطار يقول إنّ “هذه الشّركات وعلى رأسها نقيب المستوردين  مدير شركة “أومنيفارم”كريم جبارة أوقفت حتى الطلبيات التي تمت فوترتها (أي تمت الموافقة عليها وبالتالي كانت جاهزة للتسليم) ونحن نتفرّج”.

الحلّ بإصدار قرار صريح

ويشدد نائب نقيب الصيادلة السابق إلى أن الحلّ يكمن بإصدار قرار واضح وصريح من قبل مصرف لبنان. وأن المهم الخروج من حالة الإبهام والضّبابية، لا سيّما أنه حتى هذه اللّحظة لم يُعرف ما إذا كانت ستُعتمد خطّة ترشيد دعم الدّواء التي وُضعت في تشرين الأول 2020 أم أن هناك آلية أخرى سيعتمدها حاكم المصرف المركزي. وهنا تكمن الخطورة في الغوغائية والتخبّط في التّعاطي مع الملف الأكثر حساسية ألا وهو صحة المواطن.

وحول الإجراءات المحتمل اتّخاذها من قبل الصيادلة، يشير صفا إلى أنه هناك توجّه لتقليل ساعات العمل وهو ما يرى فيه لزوم ما لا يلزم. أما الاجراء الآخر فهو عدم البيع إلا بموجب وصفة طبّية موحّدة.

“تجدر الاشارة إلى أن عدد شركات استيراد الأدوية في لبنان يبلغ ١٢٠ شركة، بينها خمس شركات تسيطر على 53% من السوق هي مرساكو وفتال وأبيلا والاتحاد وأومنيفارم” .

منال ابراهيم

 

منال ابراهيم

صحافية لبنانية. تحمل الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى