منوعات

لماذا استعاد حاكم مصرف لبنان المبادرة الآن؟

تفاجأ اللبنانيون ببيانٍ لمصرف لبنان، أعلن من خلاله الحاكم رياض سلامة العمل على إطلاق مبادرة تُعيد للبنانيين بعض ودائعهم بالعملة الصعبة، متذرّعًا بنجاح التعميم 154.

وبالعودة إلى التعميم 154، فقد انتهى مفعوله في 28/02/2021، إستنادًا إلى مضمون التعميم الذي إقتضى استرداد المصارف لـ15% من التحويلات التي تمّت منذ تاريخ 1/07/2017 حتى تاريخ التعميم 154، أي 27/08/2020؛ وبالتالي، فمنذ 28/02/2021 كان حاكم مصرف لبنان يستطيع تخفيف الضغط عن اللبنانيين -إذا اعتبرنا أن هذا هو الهدف من كل هذه الديباجة المالية- مع العلم أن الودائع الموجودة، والتي يتم استخدامها لدعم بعض ما لا يلزم، هي حقّ للبنانيين وكان يجب أن تستمرّ المصارف في دفع جزء من حقوقهم بدل أن يتم دعم سلع غير أساسية بغطاء سياسي مالي واضح.

أما إذا أردنا أن نبحث أكثر في عمق الأزمة، فقد احتاج حاكم المصرف لقرابة عام (أي منذ آب 2019 إلى آب 2020) من أجل اتخاذ قرار إنقاذي لوطن مأزوم، إنطلاقًا من مبدأ أن الأزمة المالية لدى المصارف بدأت في أواخر آب 2019.

حقيقة الأمر اليوم هي أن بيان حاكم مصرف لبنان إنطلق مع التباس في العديد من النقاط حول مضمونه، أهمها:

1- الحديث عن إطلاق منصة غير واضحة المعالم حتى اليوم.
2- بيان المصرف المركزي لم يذكر تحديدًا كم هو حجم السيولة التي استطاعت المصارف تأمينها من خلال خطة التعميم 154.
3- المصرف المركزي لم يحدّد الجهات التي استطاعت المصارف استرداد هذه الأموال منها، وما علاقة هذه الحسابات في ضرب الإقتصاد اللبناني من خلال تحويل الأموال؟
4- ما هو الرابط بين من حوّلوا الأموال إلى خارج لبنان ونهب المال العام؟

أما في السياسة المالية المتبعة من قبل حاكم المصرف، فلا شك أن الرابط بينها وبين التبدلات الإقليمية في المنطقة موجود، إذ أن افتعال الأزمة بدأ مع بداية الإيحاءات الخارجية والبدء في تخفيف حدّتها، كذلك بدأ مع تخفيف الضغوطات على لبنان من قِبَل الأطراف المعنية بترتيب الملف اللبناني.

اليوم، بات واضحًا أن لبنان بدأ يدخل في طريق حل الأزمة إذا ما استكملت التسويات في المنطقة، وبذلك تكون بوادر الحل بدأت تُرسم في الأفق القريب ليُثبت المجتمع الدولي أمام الجميع أن أطرافًا معينة تواطأت على المجتمع اللبناني برمته، ثم رمته للتسوية التي باتت أقرب من أي وقتٍ مضى.

من هنا يمكننا القول إن إستعادة المبادرة أمرٌ جيّد من قبل حاكم المصرف المركزي، لكن الأهم من كل هذا هو تخفيف الضغط عن اللبنانيين لأن المواطن اللبناني الذي نُهبت أمواله سيكون سعيد جدًا باسترداد جزء بسيط منها، دون البناء على هذا التعميم الذي تستطيع السياسة هدمه مباشرة بعد أي هزّة سياسية ترتدّ على الداخل اللبناني، ليُثبت كالعادة حاكم المصرف المركزي أنه محكوم بملفات جيوسياسية، وليس بهندسات مالية أو بترتيبات وطنية.

زكريا حمودان

زكريا حمودان

كاتب وباحث لبناني. يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الصناعية من جامعة بلفور مونبليار للتكنولوجيا في فرنسا. مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء. رئيس التجمع الوطني للتنمية ونشر الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى