منوعات

انسحاب الحريري بوابة التأزيم الداخلي وشرارة الكباش العنيف

تعقّد المشهد في الداخل اللبناني، ورياح التسوية التي هبّت من الغرب، تلاشت سريعاً بفعل انبعاثات الخلاف العمودي بين الفرقاء اللبنانيين.
كان من المرتقب أن يخلص الحراك الدولي إثر انفجار مرفأ بيروت الى متغيّرات ملموسة على السّاحة اللبنانية، في ظلّ الأجواء التي رافقت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، والتي لم يتردّد ماكرون في إشاعتها، ضارباً موعدا جديدا لزيارة لبنان مجدّدا في أيلول للوقوف عند التطورات، وما خصلت اليه المشاورات السياسية الداخلية لتشكيل حكومة تضمّ الفرقاء اللبنانيين، كخطوة أولى، باتجاه اتفاق جديد، أو نظام جديد، كما أشار ماكرون في حديثه من بيروت.
أجهزَ انفجار مرفأ بيروت على حكومة الرئيس حسان دياب، ولم يتأخّر بعض الوزراء، تماهيا مع مرجعيّاتهم السياسيّة في إطلاق رصاصة الرحمة على الحكومة المكبلّة، لحظة دخل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في مرحلة من الصمت السياسي، رافقها هدوء تام، ساد في المناطق التي تحتضن مناصري تيار المستقبل، على الرغم من التظاهرات والتحرّكات التي اندلعت في أكثر من منطقة، وتوّجت باقتحام بعض المتظاهرين لعدد من الوزارات، في وقت عاد فيه اسم الحريري الى ساحة التداول، كمرشّح أوّل لرئاسة الحكومة.
لم يخف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أنّ الحريري كان ولا زال المرشح الأوحد لعين التينة، وهو ما تؤكّده المصادر المتابعة للتواصل والاتصالات في تيار المستقبل، وهو ما دفع ببري لاطلاق العنان لمحركاته، سعيا الى لملمة الوضع سريعا.
لم يدم صمت الحريري الذي حافظ عل سقف الاستقرار الداخلي،اثر قرار المحكمة الدوليّة مطوّلا، فبعد أن أطفأ بري محرّكاته، لم يتأخر الحريري، عن إعلان عزوفه عن الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة متمنيّا من الجميع سحب اسمه من التداول في هذا الصدد، معلّلا موقفه، بأن “بعض القوى السياسية ما زال في حال من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين، ويرى في ذلك مجرّد فرصة جديدة للابتزاز على قاعدة أن هدفه الوحيد هو التمسك بمكاسب سلطوية واهية أو حتى تحقيق أحلام شخصية مفترضة في سلطة لاحقة”.
بطبيعة الحال، لم تكن عودة الحريري الى سدّة رئاسة الحكومة معبدّة بالورد، فما بين قرار المحكمة الدوليّة، والانسجام مع القاعدة الجماهيرية لتيار المستقبل، والمزاج الإقليمي والدولي، كان الأمر يشي بمسار وعر من الاتفاق، لكن مستجدّ ما، اعترض مسار المشاورات.
المصادر المتابعة أكّدت أنّ العقبة الأولى التي دفعت بري الى إطفاء محركاته، هي انتهاء الحديث بين رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون والرئيس بري، بطلب عون من رئيس المجلس النيابي التفاهم مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فكان ردّ بري بأن التشاور يأخذ مساره بزيارة باسيل الى عين التينة، لا عبر مسار آخر، ولم يخلص اللقاء الى الخواتيم المشجّعة.
المصادر المقرّبة من الرئيس الحريري، والمتابعة لملف التشاور، أكّدت أن ما دفع الحريري الى سحب اسمه من التداول كمرشح لرئاسة الحكومة، هو” ما وصفته بتعنّت التيار الوطني الحر وباسيل تحديدا، الذي يرى في أي اتفاق على هويّة رئيس الحكومة الجديدة، معبراً تمهيديا لوصول باسيل الى رئاسة الجمهورية ، وإصرار التيار على التمسك بنفوذه ومكتسباته السياسية، وكأن البلد يعيش أفضل أيام رخائه”.
يدرك “المستقبل”، أن أي حكومة لا تحظى بالتوافق السياسي، ستكون حكومة مكبّلة، وستتحوّل الى حكومة استنزاف، لأنها ستكون مبتورة القدرة، وبالتالي عزوف الحريري عن قبول تسميته كرئيس حكومة، من شأنه أن يلقي كرة من نار في ملعب العهد والتيار الوطني الحر، في ظل التدهور الاقتصادي، واستمرار ترهّل الدولة، وسط حالة من التفلت الأمني، التي بدأت تتظهر أكثر فأكثر في الساحة اللبنانية.
وعلى هامش، انسداد الأفق في الداخل اللبناني، ترجّح مصادر سياسيّة محليّة “عدم عودة ماكرون في أيلول في ظل عدم وجود أي مؤشرات على متغيّرات ملموسة في الداخل اللبناني”، على الرغم من أن زيارة الرئيس كانت محددة سابقا، وأن هذا التوقع أو المعطيات يأتي خلافاً للمعطيات التي تؤكد بدورها أن لا نية لماكرون بتأجيل او الغاء زيارته الى لبنان، إلا أن الأجواء المرافقة، تشي بشكل صريح أن المرحلة، فتحت على مزيد من التعقيد والتأزيم، وسط توقّعات بمزيد من التدهور الاقتصادي، وتكرار الحديث عن عمل أمني ما، قد يحدث خرقاً في الساحة اللبنانية، المرتبطة ارتباطاً لصيقا، بخارطة المنطقة السياسيّة.

إبراهيم درويش

إبراهيم درويش

صحافي وكاتب لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى